فى إطار جهوده المستمرة لمكافحة الفكر المتطرف، فند مرصد الأزهر لمكافحة التطرف مزاعم الجماعات التكفيرية التى تحاول تشويه تعاليم الإسلام السمحة. وفى أحدث تقاريره، كشف المرصد زيف الادعاءات التى يروجها تنظيم «داعش» الإرهابى فى خطابه الدعائى، والذى يستغل مفاهيم شرعية مثل «العزة» و«التوحيد» لتبرير تكفير المجتمعات الإسلامية وشرعنة العنف والقتل باسم الدين. وتناول التقرير المقال الافتتاحى لصحيفة «النبأ» التابعة للتنظيم، والذى حمل عنوان «سبيل العزة»، حيث يحاول التنظيم تقديم تكفير المجتمعات الإسلامية على أنه السبيل الحقيقى لنصرة الدين، متجاهلًا أن التكفير المطلق يتنافى مع مبادئ الإسلام التى تحث على العدل والإنصاف، وهو ما أكدته النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وإجماع العلماء. ويرى مرصد الأزهر أن الحكم على مجتمعات بأكملها بالكفر يتناقض مع المنطق والفطرة السليمة، إذ إن الإسلام وعد بحفظ الأمة وعدم اجتماعها على ضلالة. كما أن مبدأ المحاسبة الفردية فى الإسلام لا يجيز تعميم الأحكام على الأفراد استنادًا إلى سياسات الحكومات، مستشهدًا بقوله تعالى: (ألَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى). وأكد التقرير أن القرآن والسنة النبوية يرفضان نهج التكفير العشوائى، حيث نهى الله عن التسرع فى اتهام الناس بالكفر، كما فى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا). كما حذرت السنة النبوية من خطورة إطلاق التكفير جزافًا، حيث قال النبى صلى الله عليه وسلم: إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما. وأجمع علماء الأمة عبر العصور على أن التكفير من القضايا الخطيرة التى لا يجوز التهاون فيها، وأكد الإمام النووى أن المسلم لا يُحكم بكفره إلا إذا أتى بأمر لا يحتمل التأويل. وتابع المرصد أن انتشار فكر داعش التكفيرى أدى إلى تمزيق وحدة المسلمين، من خلال تفتيت الصف الإسلامى وإشعال الفتن الداخلية، بدلًا من توجيه الجهود نحو البناء والإصلاح. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استغل الإعلام الغربى جرائم التنظيم فى تشويه صورة الإسلام عالميًّا، مما ساهم فى تفاقم موجات الإسلاموفوبيا وزيادة الاضطهاد ضد المسلمين فى العديد من الدول. كما أن التنظيم، عبر دعايته المضللة، تمكن من إفساد عقول الشباب، مستغلًا جهلهم بالمفاهيم الدينية الصحيحة، حيث خدعهم بشعارات زائفة تزين لهم العنف والتطرف، ليصبحوا أدوات فى يده ينفذون أجنداته التخريبية، مما يضاعف من أزماته داخل الأمة الإسلامية. ودعا مرصد الأزهر المسلمين كافة، وخاصة العلماء والدعاة والمفكرين، إلى مواجهة الفكر التكفيرى بنشر الوعى وتعزيز مبادئ التسامح، حتى لا يُخدع الشباب بمزاعم الإرهاب،مؤكدًا أن الإسلام دين سلام ورحمة، لا دين تكفير وعنف، وأن مواجهة التطرف مسئولية جماعية تتطلب تكاتف الجميع لحماية المجتمعات من خطر الفكر الهدام، والحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية من التشرذم والانقسام. داعش والإعلام المرئى فى سياق متصل كشف مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، فى تقرير أصدرته وحدة رصد اللغة التركية، عن الأساليب المتطورة التى يستخدمها تنظيم «داعش» الإرهابى لتجنيد الشباب والترويج لأفكاره المتطرفة، موضحًا أن التنظيم يعتمد بشكل كبير على توظيف الفنون والإعلام المرئى، مستخدمًا تقنيات إخراجية متقدمة تخاطب المشاعر وتُغلف رسائله العنيفة بأساليب فنية خادعة. وأوضح التقرير أن التنظيم لم يكتفِ بالوسائل الدعائية التقليدية، بل استغل الطفرة التكنولوجية فى مجال الإعلام، معتمدًا على تقنيات تصوير وإنتاج عالية الجودة لإعداد فيديوهات دعائية تحاكى أفلام هوليوود فى الشكل والمضمون. وأشار إلى ما نشرته صحيفة التايمز البريطانية، التى أكدت أن «داعش» استخدم مؤثرات بصرية مطابقة لتلك التى تُستخدم فى إنتاجات السينما العالمية، فى دليل واضح على مدى الاحترافية التى باتت تُدار بها آلة التنظيم الدعائية. وفى إطار رصده الدقيق لخطابات التحريض، كشفت وحدة الرصد باللغة الإسبانية بمرصد الأزهر عن أنشودة دعائية بثها التنظيم تحرّض على شن هجمات ضد المدنيين، وتحمل رسائل عنف وتهديد، مثل: «الخلافة ستتقدم ولن تتوقف أبدًا»، و«تأهبوا للقتال». كما رصد المرصد أنشودة أخرى نُشرت عبر أحد أبواق التنظيم باللغة التركية تحت عنوان «يا إستانبول»، حملت رسائل ذات طابع ديني-تحريضى، داعية إلى التمرد والعنف، ما يكشف قدرة التنظيم على توظيف الموسيقى والرموز التاريخية فى تجييش العواطف وتعبئة الأنصار. وأكد التقرير أن التنظيمات الإرهابية تدرك تمامًا أن الفن أداة قوية للتأثير فى الرأى العام، ووسيلة فعالة للتغلغل فى وجدان الشباب، خاصة فى عصر الشاشات والوسائط السريعة، حيث أصبح المحتوى المرئى أكثر تأثيرًا وانتشارًا من أى وقت مضى. وفى هذا السياق، دعا مرصد الأزهر إلى ضرورة توظيف الفنون، خاصة الدراما، فى مواجهة التطرف، مشيرًا إلى نجاح بعض الأعمال الفنية مثل مسلسل الاختيار فى كشف زيف فكر الجماعات الإرهابية وتفنيد خطابها. وأكد أن الدراما والفن الهادف بإمكانهما أن يشكلا جبهة توعوية قوية، من خلال تقديم محتوى يعزز القيم الإنسانية والوطنية، ويغرس مفاهيم السلام والتسامح والانتماء، ويواجه الفكر المتشدد بخطاب ثقافى مؤثر. واختتم التقرير بدعوة الكتّاب والمبدعين لتحمل مسئوليتهم فى معركة الوعى، عبر إنتاج أعمال ترفع من وعى المجتمعات، وتحمى الشباب من الوقوع فريسةً لدعاية الكراهية والتطرف التى تبثها الجماعات الإرهابية بأساليب معاصرة مغلفة بالفن الخادع. نفوذ داعش فى إفريقيا من جهة أخرى حذَّر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من تنامى نفوذ تنظيم داعش فى إفريقيا، وذلك فى ضوء تقرير أممى يكشف عن احتمال أن يكون عبد القادر مؤمن، زعيم فرع التنظيم فى الصومال، هو الخليفة الفعلى للتنظيم عالميًا. ووفقًا للتقرير الصادر عن فريق مراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة، فإن هناك «شبه تأكيد» على أن عبد القادر مؤمن قد تولى منصب رئيس المديرية العامة للولايات فى داعش، مما منحه سيطرة أوسع على فروع التنظيم فى إفريقيا. ويأتى هذا التطور فى وقت يواجه فيه داعش ضغوطًا متزايدة فى العراق وسوريا، ما دفعه إلى نقل بعض عملياته إلى مناطق أكثر أمنًا لعناصره وقياداته. ويشير مرصد الأزهر إلى أن تعزيز دور عبد القادر مؤمن فى قيادة التنظيم قد يكون خطوة إستراتيجية لداعش لتعزيز وجوده فى القارة الإفريقية، مستغلًا حالة عدم الاستقرار التى تعانى منها بعض الدول هناك. كما أوضح التقرير الأممى أن فرع داعش فى الصومال يستثمر أمواله فى تطوير أسلحته القتالية، بما فى ذلك الطائرات المسيّرة والهجمات الانتحارية، رغم مواجهته صعوبات مثل الانشقاقات الداخلية، وضعف اندماج المقاتلين الأجانب فى الهياكل العشائرية المحلية. ويؤكد مرصد الأزهر أن التنظيم يواجه تحديات كبرى، منها الضربات الجوية الأمريكية التى استهدفت قياداته مؤخرًا، إلى جانب الجهود الدولية المستمرة فى اعتراض تدفق المقاتلين الأجانب وتجفيف منابع تمويله. ورغم ذلك، يبقى تهديد داعش فى إفريقيا قائمًا، خصوصًا مع سعيه إلى إعادة توزيع مراكز صنع القرار، مما يعكس تحولًا فى أولوياته من الشرق الأوسط إلى القارة الإفريقية. وفى ظل هذه المعطيات، شدد الأزهر على ضرورة تكثيف الجهود الدولية للحد من تمدد التنظيم، من خلال تعزيز التعاون الأمنى والاستخباراتى بين الدول، والعمل على قطع مصادر تمويل داعش، لمنعه من استغلال الأوضاع غير المستقرة فى إفريقيا لصالح أجنداته الإرهابية. بينما يحاول التنظيم تعزيز نفوذه فى إفريقيا، فإنه يواجه تحديات معقدة قد تحدّ من قدرته على التوسع. فهل ستكون الضربات الجوية والانشقاقات الداخلية كفيلة بالقضاء عليه؟ أم أن التنظيم سيتكيف مع الظروف الجديدة ويعيد ترتيب صفوفه؟ وطالب الأزهر بضرورة تكثيف الجهود الدولية للحد من تمدد التنظيم، من خلال تعزيز التعاون الأمنى والاستخباراتى بين الدول، والعمل على قطع مصادر تمويل داعش، لمنعه من استغلال الأوضاع غير المستقرة فى إفريقيا لصالح أجنداته الإرهابية.