«لكن كانت آفة حارتنا النسيان».. كتبها نجيب محفوظ، ذات يوم، لا لتبقى جملة عابرة فى رواية، بل لتُصبح مرآة لذاكرة تتجدد بالريشة واللون. فى مساءٍ تفوح منه رائحة الحارة القديمة، وتهمس فيه الجدران بحكايات لم تُروَ، افتتحت وزارة الثقافة معرض «ثلاث قارات... ومحفوظ من مصر» فى قاعة آدم حنين بمركز الهناجر. تحت إشراف الفنان فوزى مرسى، تحوّلت كلمات محفوظ إلى لوحات، ووجوه أبطاله إلى بورتريهات تنبض بالسخرية والحنين. أكثر من عشرين دولة شاركت لتقول إن محفوظ ليس فقط أديب مصر، بل روح أدبية عابرة للزمن والقارات.. لا تعرف النسيان. فى قلب قاعة آدم حنين بمركز الهناجر للفنون، امتدت لوحاتٌ كاريكاتوريةٌ تنبض بالحكاية المصرية التى عشقها نجيب محفوظ، وتناقش بشفافيةٍ وروحٍ ساخرةٍ أحداثًا وأماكنٍ وشخصياتٍ شكلت النسيج الاجتماعى للقرية والمدينة. وتجوّل الزائر بين رسومات تلتقط ملامح «حارتنا» بنديةٍ وفكاهة، من أسرار الأزقة وضوضاء الباعة إلى صراعات البنية الاجتماعية والسياسية التى آمن محفوظ بقدرتها على تشكيل وجدان الأجيال. كل ضربة ريشة هنا تضم حكاية، تتيح قراءة جديدة للنص الأدبى عبر ريشة الساخرة. يضم المعرض أكثر من خمسين لوحةً متنوعةً، رسمها فنانون من مصر و20 دولةً حول العالم. بعض الأعمال مأخوذةٌ عن معارض سابقة للاحتفاء بمحفوظ، فيما قدم آخرون مجموعاتٍ جديدةً تضم بورتريهات ساخرة لأهم محطات حياته: روايته الأولى، جائزة نوبل 1988، الزخم الشعبى لقرائه، وحتى صوره الملتقطة فى شوارع القاهرة القديمة. وفى زاويةٍ مستقلة، عُرضت أعمالٌ كاريكاتورية لأدباء حازوا جائزة نوبل مشابهين لمسيرة محفوظ، من غارثيا ماركيز إلى الشاعر الهندى طاغور وكانزابورو أوى وياسونارى كاواباتا، لتتشابك ثقافاتٌ وأزمنةٌ فى فضاءٍ فنى واحد. حضر الافتتاح نخبةٌ من المسؤولين الدبلوماسيين والثقافيين، من أمثال أمير تادرس، مستشار وزير الثقافة للحوار والتنمية المجتمعية، والأستاذة «س. شوشما»، القائم بأعمال سفير الهندبالقاهرة، والدكتورة رانيا عبد اللطيف من وزارة الثقافة، إلى جانب ممثلى فنزويلاواليابان وعددٍ من سفراء الثقافة. كما رافق الوفد عشرات من طالبات مدينة البعوث الإسلامية، برفقة قيادات الأزهر الشريف، ما أعطى للمعرض طابعًا تعليميًا يُثرى الحوار بين الأجيال ويزرع فى نفوس الشباب حب القراءة والثقافة. فى سياق احتفالية ثقافية متميزة، أكد الفنان فوزى مرسى، منسق معرض الكاريكاتير، أن الدورة الثالثة من الاحتفالية تأتى استمرارًا لتقليد ثقافى يهدف إلى تكريم رموز أثرت الساحة الفنية والأدبية فى مصر، بعد أن تم تكريم الفنان شادى عبد السلام، ثم الشاعر والرسام صلاح جاهين. وأضاف مرسى أن هذه الدورة تُسلط الضوء على الأديب العالمى نجيب محفوظ، باعتباره أحد أبرز الأسماء فى تاريخ الأدب العربى والعالمى. وأوضح مرسى أن المعرض حظى بحضور لافت من كبار رسامى الكاريكاتير إلى جانب عدد من الشخصيات الدبلوماسية، من بينهم القائم بأعمال سفارة الهند وسفير فنزويلا، إضافة إلى دبلوماسيين من اليابان وماليزيا وفيتنام، ما أضفى على الفعالية طابعًا دوليًا يعكس أهمية الحدث. مشيرا إلى أن المعرض ضم مشاركات من فنانين من مختلف دول العالم، قدموا أعمالًا مستوحاة من شخصيات أدبية بارزة مثل نجيب محفوظ، وطاغور، وغابرييل غارسيا ماركيز. ولفت إلى أن الجمهور أبدى إعجابه الكبير بالأعمال المعروضة، لا سيما تلك التى جسّدت شخصية محفوظ بأسلوب احترافى قدّمه عدد من الفنانين الأجانب. وأضاف أن نخبة من الفنانين المصريين، من بينهم مصطفى الشيخ، وأحمد علوى، وحسن فاروق، أسهموا فى تقديم أعمال أثرت المعرض ومنحته بُعدًا خاصًا بطابع مصرى مميز. وفى خطوة غير مسبوقة، أعلن مرسى عن عرض أعمال المعرض لأول مرة داخل عربات مترو الأنفاق، من خلال فيديو يضم 85 عملًا فنيًا مخصصًا لنجيب محفوظ يُبث على شاشات الخط الثالث، مشيرًا إلى أن هذه المبادرة «تُعد الأولى من نوعها فى مصر، وتفتح أفقًا جديدًا لنشر الفن والثقافة بين جمهور المترو الواسع». واختتم مرسى تصريحاته بالإعلان عن معرض جديد يقام الخميس المقبل بعنوان «صلاح جاهين وسيد مكاوي» فى قصر الأمير طاز بالسيدة زينب، يجمع بين الكاريكاتير والموسيقى والشعر، تكريمًا لرمزين من رموز الفن والثقافة المصرية. وفى السياق ذاته، أوضح الفنان مصطفى الشيخ، رئيس الجمعية المصرية للكاريكاتير، أن محفوظ كان أكثر من عبّر عن الشارع المصرى والحارة والعادات الأصيلة، الأمر الذى شجع الجمعية على دعوة فنانين عالميين لتقديم أعمالهم المستلهمة من رؤيته الأدبية. وأضاف أن عدد المشاركات الدولية تجاوز الطاقة الاستيعابية لمسرح الهناجر، ما يؤكد على المكانة الكبيرة التى يحظى بها محفوظ فى وجدان الفنانين والجمهور على حد سواء. 2