«أنقذوا ما تبقى من سنوات العمر» لمؤلفه كامل جميل مراد، كتاب شيق مشبع بتجارب عملية وقصص حقيقية تفتح أمامنا نافذة جديدة على حياتنا بعد التقاعد وكيف نجيد استثمارها، فالكتاب بمثابة تفريغ للذاكرة من أحداث ومواقف للمؤلف على مستوى حياته الشخصية والعملية، فبعد فترة عمل لسنوات طويلة ربما تتجاوز الثلاثين عامًا يستحق الواحد منا أن يفكر بالتقاعد، لإنقاذ ما تبقى من سنوات العمر، ويعتمد ذلك على ظروف الشخص، وهو موضوع نسبى يختلف من شخص لآخر، وينجح فى ذلك من خطط لنفسه مبكرًا. إذا كنت ممن تجاوزوا الستين فعليك أن تقرأ هذا الكتاب لكى تستطيع استثمار ما تبقى فى حياتك بشكل إيجابي، أما إذا كنت لم تبلغ الستين بعد فعليك أيضًا قراءة هذا الكتاب لتستفيد فى حياتك الحالية من خبرات من سبقوك، وأيضًا لتجيد التخطيط لحياتك بعد التقاعد حفاظًا عليها من أن تهدر بلا قيمة وإنقاذًا لما تبقى منها.
فيها حاجة حلوة «دَخَلَتْ الطائرة الآن الأجواء المصرية، دقائق وستبدأ الطائرة بالهبوط التدريجى» عبارةٌ عشقت سماعها منذ بدأت السفر إلى القاهرة برفقة والدى - رحمهما الله- فى أوائل الثمانينيات. هذه العبارة تحرك فى داخلى خليطًا من المشاعر والأحاسيس، فالقاهرة بالنسبة لى أرشيف من الذكريات الجميلة، تبدأ من لحظة دخول المطار وقراءة: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ» إلى يوم مغادرتى. كنتُ أقضى يومى متسكعًا فى شوارع المدينة، تحديدًا وسط البلد، والتى ما زلتُ أحفظ أسماء أزقتها ومحلاتها ومطاعمها على الرغم من مرور ما يقارب الأربعين عامًا، تلك المحلات والمطاعم تتوارثها العائلات وتنتقل ملكيتها من الجدّ إلى الأحفاد، ويبدو ذلك جليًا فى منطقة خان الخليلى التى تجد فى جميع زواياها رائحة الناس القدامى. إنّ ما يربطنى بوسط القاهرة حبٌ من نوع آخر، يختلف عن بقية المناطق خصوصًا الحديثة منها، أحبّ التجول فى الزمالك والمهندسين، ويسعدنى تناول القهوة فى حديقة ماريوت القاهرة، حيث البناء التاريخىّ القديم الذى تلوح فى حجارته خيالات الزمن الماضى، القاهرة جميلة فى عين كل من يحبّ الذكريات والتّاريخ. فى زماننا الحاضر يصل الناس للكتب عبر الإنترنت والنسخ الرقمية، لكنهم يفقدون نكهة قراءة كتاب تشتريه من على الرصيف الممتد أمام مكتبة مدبولى، والأجمل من ذلك أن تقرّر احتساء كوب من الشاى وقت العصر فى مقهى (جروبى)؛ وهو مقهى قديم ومشهور فى القاهرة، ويتقاسم معى أبناء جيلى معرفته وذكرياته. يأخذنى عقلى للفرح الخاص الذى تمنحنى إيَّاه متعة الطعام فى أم الدُّنيا، فالأطباق المصريّة الشعبية جزء مهم من رحلتى هناك، لا يمكن لرحلتى أن تكتمل دون طبق الكشرى، ولا يُعوّض أى شىء فى هذه الدنيا طعم الحمام المحشى بالطريقة المصرية المميزة. دعونى أتحدث الآن عن أبهى ما فى القاهرة، تعويذة السحر التى تجعلنى أعود إليها كل مرة أكثر حبًا وأشدّ شوقًا: ابتسامة أهلها واستقبالهم للضيوف بعبارة خاصة «نورت الدنيا»، سبحان من وهبهم هذه الطيبة! وسبحان من وضع فى نفوسهم الرضا بقضاء الله وقدره! فلا تسمع منهم إلا عبارةً واحدةً «الحمد لله والذى يرضى بقليله يعيش». حين أتجول فى القاهرة يمر فى خاطرى وأتذكر فيلمًا من أجمل الأفلام المصرية، فيلم (عسل أسود) للجميل أحمد حلمى، عندما قصد الغربة ولكن بمجرد إقلاع طائرته تأكد أنه لا يستطيع العيش بعيدًا عنها وبدون كلّ تفاصيلها، على الرغم من كل الصعاب التى واجهها، وكانت جلية فى مشاهد الفيلم، ما كان منه إلا أنه ادعى المرض، فعادت الطائرة لتحط فى مطار القاهرة، ويختتم الفيلم بأجمل مقطع لأغنية أذكرها ويذكرها الجميع: (فيها حاجة حلوة). فعلاً، لو سألت كائنًا من كان وهو عائد من القاهرة ماذا أعجبك فيها؟ سيجيبك: «مش عارف أهلها... نيلها... روح المرح فيها... مش عارف، كلها على بعضها حلوة!».