يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21. أثار كتاب «كاملات عقل ودين»، للباحثة أسماء عثمان الشرقاوى جدلًا كبيراً، بسبب عرضه فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته ال 56 لسنة 2025، وكان يوم الأربعاء 5 فبراير 2025، هو اليوم الختامى للمعرض.
قامت دار السراج للنشر والتوزيع بسحب كتاب «كاملات عقل ودين»، من معرض القاهرة الدولى للكتاب، بعدما أثار موجة من الاعتراضات حول عنوانه، الذى يتناقض مع الحديث النبوى «ناقصات عقل ودين». وأكدت دار السراج أن نية النشر لم تكن تهدف إلى الإساءة للأحاديث النبوية، بل إلى مناقشة الأفكار المختلفة والتعرف عليها، إلا أن الجدل الذى صاحب الكتاب دفع دار النشر إلى إيقاف تداوله وسحبه من الأسواق. الكاتبة أسماء الشرقاوى حاصلة على بكالوريوس فى الاقتصاد والعلوم السياسية، ودبلوم من معهد الدراسات الإسلامية، وتعمل فى مجال الدعوة منذ 25 عاماً، ولها كتب منها «فهم الأقدار». وقالت الكاتبة: إن الذى دفعها لكتابة هذا الكتاب، ما كانت تجده فى أثناء أبحاثها من أقوال منسوبة للنبى فيها إهانة للمرأة المسلمة والتى يستحيل وهو ذو الخلق العظيم الذى جاء برسالة الرحمة للعالمين أن يكون قد قالها، كمثال: ذكر عند ابن عباس: «يقطع الصلاة الكلب، والحمار، والمرأة، قال: بئسما عدلتم بامرَأةٍ مسلمةٍ كلبًا وحمارًا»، مسند الإمام أحمد. وعندما ذكر هذا القول أمام ابن عباس، استنكر بشدة هذه المقولة لرفضه هذا التشبيه المهين والذى لا يتفق ومكانة المرأة المسلمة، ولا يتفق مع ما هو معروف من الكلام الطيب للنبى. ناقصات عقل ودين: تقول الكاتبة: «كتابى تضمن عرضًا لآراء العلماء الذين انتقدوا متون أحاديث فى صحيح البخاري، بدءًا من أبوبكر الإسماعيلى 371 ه، إلى الشيخ محمد الغزالى 1416 ه، مع ذكر أمثلة محددة لما نقدوه، وقد ذكرت تحديدًا ما نقدوه فى البخارى». لم يذكر القرآن الكريم أى نوع من أنواع النقص فى خلقة المرأة أو عقلها أو دينها أو تصرفاتها، والمقصود بأنهن كاملات بأنه إذا كان النقص مقصودًا به المقارنة بكمال الرجل، فهن مثله تمامًا كاملات. يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ) الإسراء 70، فكل من خلقه الله تعالى من بنى آدم مكرمين، فالله تعالى لا يفضل أحدًا على أحد إلا بالتقوى. يعود جزء كبير من الجدل إلى عنوان الكتاب، حيث رأى البعض أنه يتحدى الفهم التقليدى لحديث نبوى يصف النساء بأنهن "ناقصات عقل ودين"، فيما رأت الكاتبة أن بحثها يأتى كمراجعة لهذه المفاهيم، وليس الإساءة إليها. قرار سحب الكتاب يطرح تساؤلات أوسع حول حرية النشر فى العالم العربى، حيث يرى بعض المثقفين أن سحب الكتاب يعكس ضغطًا من تيارات دينية محافظة ترفض إعادة قراءة الموروث الإسلامى، بينما يرى آخرون أن المساس بالنصوص الدينية أمر لا يمكن التساهل معه، ما يجعل القرارات المشابهة أمرا متوقعا. ورغم الجدل، فإن قرار سحب الكتاب قد يسهم فى زيادة شعبيته وانتشاره عبر وسائل غير رسمية، حيث بدأ بعض القراء فى البحث عن نسخ إلكترونية منه، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخطوة قد حققت الهدف المرجو منها أم أنها ساهمت فى جعل الكتاب أكثر شهرة مما كان عليه قبل قرار السحب. قبل كتاب «كاملات عقل ودين»، صدرت بعض الكتب المشابهة فى بحث نفس الموضوع منها: كتاب بعنوان «أمى كاملة عقل ودين» للطبيب والباحث السودانى د. عماد محمد بابكر، صدر فى 2014. كما صدر كتاب «ناقصات عقل ودين» سنة 2003، للباحثة والكاتبة التونسية ألفة يوسف، وهو محاولة لفهم بعض أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام. نقد الفكر: تكررت رواية «ناقصات عقل ودين» 32 مرة فى كتب الأحاديث ومنها صحيحا البخارى ومسلم، وفى سنن الترمذى، وابن ماجة، وأبى داوود، ومسند أحمد. جاء فى الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدقن فإنى رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟، قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟، قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها». والراوى يربط نقصان العقل بالآية التى تسمى بآية المداينة وهى من أطول آيات القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) البقرة 282، إلى أن تتكلم الآية عن شهادة المرأة: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة 282، مع أن الآية لم تكن قد نزلت بعد من ناحية الترتيب الزمنى، فالآية من آخر ما نزل من آيات القرآن، وكان وقت نزولها قبل أيام من وفاة النبى عليه الصلاة والسلام، وفى الأيام الأولى من شهر ربيع الأول، أى بعد عيد الأضحى وقبل عيد الفطر. والنبى عليه الصلاة والسلام لم يحضر إلا أضحى واحد فقط سنة 9 ه، ومع ذلك فالراوى لا يتذكر المناسبة التى كان فيها القول فى عيد الأضحى أو الفطر، فكيف يتذكر القول نفسه؟، وبذلك يكون السند ضعيفاً لجرح الراوى، وبالتالى تضعف الرواية، ومن المهم معرفة أن هذه الرواية لا يؤخذ منها عقيدة ولا حكم. سبب النقصان: وإن كان سبب نقصان العقل هو أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، فبقراءة آية البقرة 282 كاملة، نجد أن الشهادة المقصودة خاصة بالعقود المالية فقط وهدفها حفظ الحقوق، وموضوع الشهادة يتطلب أكثر من شاهد حتى يتم التأكد بأنه لا يوجد خطأ فى شروط العقد، ورغم وجود امرأتين معاً فإن لكل منهما دور مختلف، فإحداهما شاهدة والأخرى تساعدها وتذكرها إذا ما حدث خطأ. وإن كان سبب النقص فى الدين هو الحيض فهذا شىء خلقها تعالى عليه، والله يساوى بين الرجال والنساء فى أداء العبادات: (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الأحزاب 35، ولم يذكر تعالى أن أجر عمل المرأة ناقص لنقصان دينها، وأجر عمل الرجل كامل لكمال دينه. فالنساء يشاركن الرجال فى كل رخص العبادات، ومنها إفطار الصائم فى المرض والسفر، وقصر وجمع الصلاة فى السفر، ثم يزدن على الرجال فى رخص خاصة منها سقوط فرائض الصلاة وصيام رمضان عن الحائض والنفساء، والتزام المرأة بهذه الرخص هو أمر مفروض عليها وليس عيباً ينتقص منها. المرأة فى السيرة: ومما جاء فى السيرة أن النبى عليه الصلاة والسلام عمل برأى زوجته السيدة أم سلمة فى أمر بعد صلح الحديبية، وهذا فعل لا يدل على أنه ينتقص النساء، لأن استشارته لها ثم العمل بنصيحتها دليل على كونها عاقلة وتستحق الاحترام. كما وصى النبى عليه الصلاة والسلام المسلمين بأخذ نصف دينهم عن زوجته السيدة عائشة: «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء»، والحميراء مصغر الحمراء وتعنى البيضاء التى يشوبها الحمرة، والسيدة عائشة كانت تفتى والصحابة حضور، وكانت تخالفهم فى فتاواهم، ولم يتهمها أحد بنقصٍ فيها ليثبت أن كلامه أصح من كلامها. وقول النبى عليه الصلاة والسلام: «النساء شقائق الرجال»، بمعنى أمثالهم، كل ذلك يناقض رواية «ناقصات عقل ودين». ومثال على قوة الشخصية للمرأة، خطبة الخليفة عمر بن الخطاب حول عدم الزيادة فى مهور النساء: «ألا لا تزيدوا فى مهور النساء على أربعين أوقية، فما زاد ألقيت الزيادة فى بيت المال، فقامت امرأة من صف النساء طويلة فقالت: ليس ذلك لك، قال: ولم؟، قالت: لأن الله عز وجل يقول: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) النساء 20، فقال عمر رضى الله عنه: امرأة أصابت ورجل أخطأ». ويبقى أنه لا يصح أن تصر بعض المجتمعات على إقناع الفتيات بأنهن ناقصات عقل ودين ولا يصلحن للقيادة، وأن وظيفتهن الأساسية لا تتعدى إدارة المنزل وتربية الأطفال، وأن تركيبتهن النفسية والبدنية تجعلهن لا يصلحن لغير ذلك، مع أن حياة الرجل ترتبط بوجود وتأثير المرأة. لقد أدى بنا عدم تدبر المفاهيم الخاصة بالمرأة فى القرآن، وعدم الاقتداء بأخلاق النبى عليه الصلاة والسلام إلى التقليل من شأن المرأة، وبمرور الوقت أصبح ذلك أساساً لأفكارنا وعاداتنا وتقاليدنا مما أصاب المرأة والمجتمع بالسلبية فى جوانب كثيرة، مع أن المرأة لها دور كبير ومهم باعتبارها صانعا أساسيا للرجال والتقدم فى الحياة.