يردد البعض من المسلمين وغير المسلمين الكثير من الدعاوى غير الصحيحة ضد الدين، ومنها الادعاء بأن الإسلام لم ينصف المرأة، وذلك حسب فهمهم الذي اعتمد على بعض الروايات التى تقلل من شأن ومكانة المرأة فى الإسلام..ولذلك فأهمية إعادة قراءة رواية «ناقصات عقل ودين» المنسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام، تجعلنا نبحث لنعرف حقيقة مكانة المرأة فى الإسلام، وأيضاً للتأكد من صحة الرواية..وعادة ما تنشأ الفتاة المسلمة وهى تسمع أنها ناقصة عقل ودين، وتقتنع أغلب النساء بهذا النقص، ويعتبرن أن جملة «ناقصات عقل و دين» لا تعتبر إهانة للمرأة وإنما تعبر عن طبيعتها التى تغلب عليها العاطفة، وهى ميزة تناسب مهمتها في الحياة، لأنها تعطي من العاطفة أكثر ومن العقل أقل. والحقيقة أن ناقصة العقل تكون سفيهة لأن إدراكها للأمور لا يكون سليماً، ولذلك لا علاقة للعاطفة بنقصان العقل، فالعقل عكسه السفه، والعاطفة عكسها قسوة القلب. ورواية «ناقصات عقل ودين» تكررت 32 مرة في كتب الأحاديث ومنها صحيحا البخاري ومسلم، وفي سنن الترمذي، وابن ماجة، وأبي داود، ومسند أحمد، وغيرها. أصل الرواية: جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟، قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟، قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها». والراوي يربط نقصان العقل بالآية التي تسمى بآية المداينة وهى من أطول آيات القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ..) البقرة 282، إلى أن تتكلم الآية عن شهادة المرأة: (..وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى..) البقرة 282، مع أن الآية لم تكن قد نزلت بعد من ناحية الترتيب الزمني، فالآية من آخر ما نزل من آيات القرآن، وكان وقت نزولها قبل تسع ليالٍ من وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، وفي الأيام الأولى من شهر ربيع الأول، أي بعد عيد الأضحى وقبل عيد الفطر. والنبي عليه الصلاة والسلام لم يحضر إلا أضحى واحد فقط سنة 9 ه، ومع ذلك فالراوي لا يتذكر المناسبة التي كان فيها القول في عيد الأضحى أو الفطر، فكيف يتذكر القول نفسه؟، وبذلك يكون السند ضعيفاً لجرح الراوي، وبالتالي تضعف الرواية، ومن المهم معرفة أن هذه الرواية لا يؤخذ منها عقيدة ولا حكم. سبب النقصان وإن كان سبب نقصان العقل هو أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، فبقراءة آية البقرة 282 كاملة، نجد أن الشهادة المقصودة خاصة بالعقود المالية فقط وهدفها حفظ الحقوق، وموضوع الشهادة يتطلب أكثر من شاهد حتى يتم التأكد بأنه لا يوجد خطأ في شروط العقد، ورغم وجود امرأتين معاً فإن لكل منهما دور مختلف، فإحداهما شاهدة والأخرى تساعدها وتذكرها إذا ما حدث خطأ. وإن كان سبب النقص في الدين هو الحيض فهذا شيء خلقها تعالى عليه، والله يساوى بين الرجال والنساء في أداء العبادات: (..وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الأحزاب 35، ولم يذكر تعالى أن أجر عمل المرأة ناقص لنقصان دينها، وأجر عمل الرجل كامل لكمال دينه. فالنساء يشاركن الرجال في كل رخص العبادات. المرأة مثالاً للمؤمنين وفى الرواية أن النساء يكثرن اللعن، لكن الرجال أيضاً يكثرون اللعن، وهل أطلق النبي عليه الصلاة والسلام صفة نقصان العقل على كل النساء؟، ومنهن السيدة مريم، وامرأة فرعون، وأمهات المؤمنين مثل السيدة خديجة، وبنات النبي مثل السيدة فاطمة. وأيهما أعقل ملكة سبأ في قولها للملأ: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً) النمل 34، وإرسالها هدية للنبي سليمان لتعرف أمره، أم الملأ من الرجال عندما تفاخروا بقوتهم وأبدوا استعداداً للحرب دون معرفة قوة الخصم؟، وأيهما أعقل الصحابيات المسلمات أم سادة قريش الذين أصروا على الكفر؟. وعن نقصان العقل، هل الرجال أكثر ذكاء من النساء؟، هل النساء كلهن سفيهات؟، هل الرجال أفضل من النساء على الإطلاق؟، وهل نقصان العقل عند المرأة يعنى أن أغلب النساء عادةً عند التفكير في أمر ينظرن له من ناحية عاطفية تغلب عندها على الناحية العقلية؟، فهذا من طبيعتها التي خلقها تعالى لكى تتكامل مع الرجل. لقد ضرب الله تعالى المثل للمؤمنين ذكوراً وإناثاً بامرأة فرعون: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ) التحريم 11، وبالسيدة مريم: (وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا..) التحريم 12. وقال تعالي عن السيدة مريم: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا..) آل عمران 37، (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى (نِسَاءِ الْعَالَمِين) آل عمران 42. وبما أن العقل في الإسلام هو مصدر التكليف، فلو كانت المرأة ناقصة عقل لوجب أن تنقص تكاليف العبادات للنساء عن الرجال، فتكون تكاليفهن أقل من تكاليف الرجال. تحمل التكاليف: والخطاب القرآني لا يفرق بين المرأة والرجل في تحمل التكاليف والمسؤولية: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (النحل 97. فالله تعالى لم يخبرنا أنه خلق النساء ناقصات، وإذا كان تعالى خلق المرأة ناقصة عقل ودين، لوجب إعفاؤها من الحساب على بعض أعمالها. كما أنه تعالى أنزل سورة النساء، وفيها: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ..) النساء6، والرشد تمام العقل وحسن التمييز، واليتامى الإناث عندما يكبرن يبلغن الرشد ولا يصبحن ناقصات عقل، وبالتالى يأخذن أموالهن. المرأة فى السيرة ومما جاء في السيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام عمل برأى زوجته السيدة أم سلمة في أمر بعد صلح الحديبية، وهذا فعل لا يدل على أنه ينتقص النساء، لأن استشارته لها ثم العمل بنصيحتها دليل على كونها عاقلة وتستحق الاحترام. وقوله عليه الصلاة والسلام: «النساء شقائق الرجال»، بمعنى أمثالهم، كل ذلك يناقض رواية «ناقصات عقل ودين»، والنساء درجات، فمن النساء من تتفوق على رجال انساقوا خلف شهواتهم. ومثال على قوة الشخصية للمرأة، خطبة الخليفة عمر بن الخطاب حول عدم الزيادة في مهور النساء: «ألا لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، فما زاد ألقيت الزيادة في بيت المال، فقامت امرأة من صف النساء طويلة فقالت: ليس ذلك لك، قال: ولم؟، قالت: لأن الله عز وجل يقول: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) النساء 20، فقال عمر رضي الله عنه: امرأة أصابت ورجل أخطأ». لقد أدى بنا عدم تدبر المفاهيم الخاصة بالمرأة في القرآن، وعدم الاقتداء بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام إلى التقليل من شأن المرأة، وبمرور الوقت أصبح ذلك أساساً لأفكارنا وعاداتنا وتقاليدنا مما أصاب المرأة والمجتمع بالسلبية في جوانب كثيرة، مع أن المرأة لها دور كبير ومهم باعتبارها صانعا أساسيا للرجال والتقدم في الحياة. 10 8