جدل حول من قائلها والمقصود بها: «النساء ناقصات عقل ودين»، مقولة تتردد كثيراً ومنذ سنوات طويلة، ويستغلها البعض في تحقير المرأة والتقليل منها. ورغم أن البعض ينسبها إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، فإن البعض الآخر يشكك في ذلك وينسبها الى الصحابي عبد الله بن مسعود، إلا أنه في كل الحالات فإن هناك إجماعاً بالأدلة الشرعية على أنه لو كان الرسول قد قالها فلا يقصد منها أبداً التقليل من شأن المرأة.
في البداية تستنكر الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، من يفسر الحديث النبوي على أنه تحقير للمرأة دون أن ينظر إلى المناسبة التي قيل فيها ودواعي قوله، وكذلك أنه ورد عن أكثر من راوٍ، فقد جاء في رواية أبي سعيد الخدري: «أن النبي، صلى الله عليه وسلم، خرج في يوم عيد إلى المصلى فوعظ الناس ثم انصرف فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن وبمَ ذلك يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الجلّ الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟، قال أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟ قلن بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها».
وهناك رواية أخرى عن عبد الله بن مسعود عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال للنساء: «تصدقن فإنكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة، ليست من علية النساء، بمَ أو لم؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير. قال عبد الله «أي ابن مسعود»: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب على الرجال ذوي العقول منهن. قيل: وما نقصان دينها؟ قال: «تمكث كذا وكذا يوماً لا تصلي، قيل: وما نقصان عقلها؟ قال: جعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل».
وأضافت الدكتورة آمنة: إذا أخذنا أن هذه المقولة قالها رسول الله، فهل يعقل أن يقولها على سبيل التوبيخ والاحتقار للنساء في يوم عيد، وهو المعروف بقمة الخلق والمحافظة على مشاعر الآخرين، حتى أنه عندما يريد أن ينتقد سلوكاً خاطئاً يقول: «ما بال أقوام»، فهل يسخر من النساء وهن نصف أمته ومربيات النصف الآخر وفي يوم عيد حيث الفرح والسرور؟! وأنهت الدكتورة آمنة نصير كلامها بالتأكيد على أن الحديث جاء في نصه أن امرأة منهن «جَزْلة»، ناقشت الرسول، ومعنى «الجزلة» هي ذات العقل والرأي والوقار، فهل تكون هذه مواصفاتها ويصفها النبي بأنها «ناقصة عقل ودين»؟ إلا إذا كان ذلك على سبيل التعجب والإعجاب من الرسول، صلى الله عليه وسلم، من قدرة النساء وأن الواحدة منهن تغلب الرجل القوي ذا اللب أي الذكي، وذلك على سبيل المدح وليس الذم والتحقير.
الإسلام كرمها ولم يُهنها
وتؤكد الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر، أن الإسلام كرم المرأة ضمن التكريم العام للبشر، حيث قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً» آية 70 سورة الإسراء. وتتساءل الدكتورة عفاف: «كيف نتصور أو نعقل تناقض هذا التكريم مع وصف النبي، صلى الله عليه وسلم، للنساء بالنقصان في الدين والعقل للتحقير من شأنهن لأنهن ملتزمات بتطبيق تعاليم دينهن من عدم الصلاة والصوم أثناء الحيض والنفاس؟ أو تكون شهادتها نصف شهادة الرجل في الأمور المالية فقط؟ لقوله تعالى: «واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء أن تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى» آية 282 سورة البقرة.
أوضحت النجار أن الله في القرآن امتدح النساء الملتزمات بتعاليم دينهن كما امتدح الرجال، فقال تعالى: «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً» آية 35 سورة الأحزاب.
وكذلك قوله تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» آية 97 سورة النحل. ومن الملاحظ أن الله في هذه الآيات لم يذكر أن أجر عمل المرأة للصالحات ناقص لأنها لم تؤد الصلاة كاملة كالرجل، أو أنها قصرت حين أفطرت بعض أيام رمضان بسبب الحيض أو النفاس ثم صامتها قضاء بعد ذلك، أو أجر الرجل عن العمل الصالح كامل في حين أن أجر المرأة أقل إذا فعلت فعل الرجل وذلك لنقصان دينها، ولهذا نؤكد أن الله العادل ساوى بين الرجل والمرأة في أجر الصدقات والعبادات، وذلك لاكتمال الدين بالنسبة إلى كليهما وتنفيذ كل منهما ما طلبه الله منه، وإلا قلنا على المرأة أن تخالف أمر دينها وتصلي وتصوم وهي حائض أو نفساء حتى يكون دينها كاملاً، وأن تتخلى عن العاطفة التي ميزها الله بها عن الرجل حتى تكون أكثر تعقلاً، مع أن الحياة لا تستقيم إلا بهذا التكامل والتنوع بين قوة العاطفة عند المرأة وقوة التعقل والتأني في حساب الأمور عند الرجل، لأنه المنوط بقيادة شأن الأسرة، وهو المسؤول عن المرأة بما له من قوامة تعد تكليفاً لا تشريفاً، لقوله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» آية 34 سورة النساء.
تشكيك منطقي
واستشهد الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، بما ورد في كتاب الشيخ محمد الغزالي «من تراثنا الفكري»، أن بداية الرواية فيها شك واضح وهى شك الراوي، هل هذا الموقف حدث في عيد الفطر أو في عيد الأضحى؟ وحيث قال الراوي: «في يوم عيد»، وبالتالي فهو غير متأكد؟ فهل نأخذ الدين من رجل روى قصة لا يعرف متى حدثت أفي عيد الفطر أو الأضحى؟ ويعلم الجميع أن الرسول لم يحضر عيد الأضحى إلا مرة واحدة فقط في السنة التاسعة الهجرية!؟ بالعقل نرى أن الشاهد، وهو الراوي مشوش الذاكرة ولا تقبل شهادته، كما أن المُصلَّى، مكان الصلاة، في العيد يكون الرجال أولاً والأولاد من خلفهم والنساء من خلفهم والرسول أمام الرجال، فهل مر رسول الله على النساء قبل الصلاة أم بعدها؟ ولماذا لم يبلغ النساء أثناء الخطبة ليحث الناس جميعاً على التصدق ويقرِّع النساء على نقص دينهن وعقلهن أمام المصلين؟. مع أنه، صلى الله عليه وسلم، القائل: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده»، أليس هذا قذفاً وحطاً من قدر المرأة؟، ومن المعروف احترام الرسول الشديد للنساء ومراعاته لشعورهن.
وأوضح الدكتور مبروك أن مقولة نقص الدين والعقل للنساء جميعاً لم ترد بهذا التعميم في سورة كاملة اسمها «سورة النساء»، أو فيما أورده الله في القرآن من قصص زوجة نبي الله إبراهيم وزوجة عمران وزوجة زكريا والسيدة مريم وامرأة فرعون، أو حتى ملكة سبأ التي أسلمت مع نبي الله سليمان، فهل كل هؤلاء القدوة من النساء ناقصات عقل ودين؟ كما أن السيرة النبوية لم يرد فيها أي انتقاص صريح لدين وعقل المحيطات به من زوجاته أمهات المؤمنين أو الصحابيات، فهل يمكن أن نصف إحداهن بأنها ناقصة عقل ودين؟ في حين يقول القرآن: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إن اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» آية 71 سورة التوبة.