تحت عنوان «ثورة 30 يونيو والاستجابة للقدر»، وعبر 400 صفحة من القطع الكبير، يقدم الكاتب السيد الحرانى، وثيقة تحليلية شاملة ترصد أحد أهم المنعطفات فى تاريخ مصر الحديث، متناولًا 300 حدث وواقعة شكلت مسار المشهد المصرى خلال العقدين الأخيرين. خريطة التحولات قبل 30 يونيو ينطلق «الحرانى» فى كتابه من مرحلة التمهيد السياسى للتوريث التى بدأت مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بالتعديلات الدستورية عام 2005، سعيًا لتمكين نجله جمال مبارك من وراثة الحكم، مستعرضًا شبكة المصالح والامتيازات المالية والسياسية التى استفادت منها شخصيات نافذة، وحتى لا تسقط بالتقادم أو النسيان تلك المرحلة وأسماء أبطالها، يكشف الكتاب خريطة أصدقاء الوريث، وعلى رأسهم المهندس أحمد عز الذى يبلغ من العمر الآن 66 عامًا، وكان أحد قيادات الحزب الوطنى المنحل، وحوكم «عز» فى 6 مارس 2013 وقضت محكمة جنايات الجيزة بسجنه 37 عامًا، ثم خرج فى 7 أغسطس 2014 بكفالة مالية قدرها 250 مليون جنيه، وانتهى الأمر بتصالحه فى نهاية 2018. ويسرد الكتاب تفاصيل فساد مراكز القوى فى عهد مبارك، وتفشى الفساد المالى والسياسى ل«الركب»، كما قال الدكتور زكريا عزمى، أحد أركان نظام مبارك، وقتها، ما أدى إلى تراكم الغضب الشعبى، وأسهم فى اندلاع أحداث 25 يناير 2011، التى استغلتها جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق أهدافها. المخططات الإخوانية يخصص المؤلف فصولًا متعددة لتفكيك دور الإخوان فى استغلال أحداث يناير، متتبعًا تفاصيل إطلاق الرئيس المعزول محمد مرسى يد التنظيم المسلح لنشر الفوضى والعنف، إلى جانب تحركاته لتمكين جماعته من السيطرة على مؤسسات الدولة، مثل الجيش، الشرطة، القضاء، الأزهر، الكنيسة، مجلس الوزراء، النقابات، والأندية الرياضية، بتوجيه مباشر من خيرت الشاطر، مهندس مشروع التمكين الإخوانى. كما يكشف «الحرانى» كيف سعت الجماعة للسيطرة على مراكز الشباب فى القرى والمدن، وتحويلها إلى ساحات لتجنيد وتدريب مقاتلى التنظيم المسلح، تحت إشراف أسامة ياسين، أحد قيادات الإخوان، فى إطار خطة كانت تستهدف إشعال حرب أهلية داخل مصر. ويخوض الكتاب فى تفاصيل وكواليس محاولات «الإخوان» للهيمنة على صناعة دستور يتوافق مع أغراضهم، ويسهل عليهم خطة التمكين، والتفافهم على أحلام الشباب الغاضب والشعب الحالم، وأيضًا أقرانهم وشركائهم المنتمين للتيار السلفى وتيارات إسلامية وسياسية أخرى، واقتناص انتخابات مجلس الشعب وصناعة أحداث خبيثة فى شوارع القاهرة، خاصة شارع محمد محمود بميدان التحرير، من أجل الوقيعة بين الشعب والجيش، والقفز بحيل كثيرة حتى وصل التنظيم المحظور إلى بأحد أعضائه إلى كرسى الرئاسة، والذى بايع أهله وعشيرته ومرشد الإخوان والتنظيم الدولى. الدور الأمريكي ويتناول الكاتب الضغوط الأمريكية والغربية التى مورست على مصر منذ عهد الرئيس بيل كلينتون وحتى باراك أوباما، الذى دعم بقوة وصول الإخوان إلى الحكم، ضمن مشروع «الفوضى الخلاقة»، الذى كان يستهدف إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط، وفق رؤية تحقق المصالح الأمريكية والإسرائيلية. كما يتطرق الكتاب إلى تفاصيل تدريب شباب مصرى فى الخارج على تقنيات الثورات السلمية، وفق برامج دعمتها جهات أجنبية، حيث يعرض الكاتب اعترافات عالم الاجتماع الراحل الدكتور سعد الدين إبراهيم، الذى أقرّ بدوره فى تدريب هؤلاء الشباب فى صربيا وأوكرانيا، تمهيدًا لإشعال أحداث 25 يناير. ثورة أنقذت الدولة المصرية فى 30 يونيو ويركز الكتاب على تفاصيل ثورة 30 يونيو 2013، التى مثلت نقطة فاصلة فى إنقاذ الدولة المصرية من مخططات الإخوان للهيمنة على البلاد، حيث يشرح دور الجيش المصرى بقيادة المشير حسين طنطاوى، والرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى جانب دور القضاء، الشرطة، الصحافة، الأحزاب، والنقابات فى مواجهة مخططات التنظيم الدولى للإخوان. ويستعرض «الحرانى» كيف وقف ملايين المصريين فى مواجهة المشروع الإخوانى، الذى كان يهدف إلى إقامة دولة دينية تابعة لتنظيمات الإسلام السياسى، ما دفع الشعب إلى النزول فى ثورة تاريخية غير مسبوقة فى 30 يونيو، نجحت فى إسقاط حكم الإخوان وإنقاذ الدولة من الانهيار. تحديات ما بعد الثورة يركز الكاتب فى الفصول الأخيرة من كتابه على الضغوط والتحديات التى واجهتها مصر بعد 30 يونيو، مستعرضًا محاولات الخارج لفرض حصار سياسى واقتصادى على الدولة المصرية، وكيف تمكنت القيادة السياسية من تحقيق الاستقرار، وإطلاق مشروعات قومية ضخمة نقلت البلاد إلى مرحلة النمو والتنمية المستدامة، فى إطار رؤية مصر 2030 و2050. كما يتناول الفصل الأخير تحليلًا للعلاقات المصرية - الأمريكية، فى ضوء سياسات واشنطن تجاه مصر خلال العقود الأخيرة، مشيرًا إلى كيفية تصدى الرئيس عبد الفتاح السيسى لمؤامرات الخارج، وقيادته لمشروع وطنى يهدف لاستعادة مصر مكانتها الإقليمية والدولية، وسط منطقة تعج بالحروب والصراعات. يؤكد «الحرانى» أن كتابه «ثورة 30 يونيو والاستجابة للقدر» ليس مجرد تأريخ للأحداث، بل هو محاولة لتقديم رؤية سوسيولوجية شاملة لفهم طبيعة الثورات والصراعات السياسية، وكيفية تأثيرها على المجتمعات، مشيرًا إلى أن المعرفة والوعى الجمعى هما السبيل الوحيد لحماية الدولة المصرية من أى محاولات لاختطافها مجددًا.
الشأن الوحدوى العربى يقول السيد الحرانى، إن الكتاب يفكك أزمات الشأن الوحدوى العربى، وينفرد بكشف المخططات الجديدة للأعداء وفى مقدمتها إسرائيل، كما يطرح سؤالًا فى غاية الأهمية حول لماذا يتم تنفيذ حرب الإبادة البشرية على قطاع غزة؟! بذريعة عملية «عاصفة الأقصى» فى 7 أكتوبر 2023، التى أكدت على الحاجة الملحة لتشكيل «وحدة ردع» حقيقية ترعى مصالحنا العربية. وأكد الكاتب أن علم الاجتماع يشرح باستفاضة أسباب اشتعال الثورات، ومدى ارتباطها بصعوبة التجمد، وتعمد تعطيل التحرك الإيجابى للمجتمعات نحو المستقبل، وما يترتب على ذلك، وكيف أن فترات ما بعد الثورات تكون الأشد صعوبة، ويقر الكتاب فكرة «سوسيولوجيا المعرفة» من أجل خلق وعى جمعى مصرى وعربى وشرق أوسطى، يعيد بوصلة الرؤية إلى صالح الإنسان القادر على بناء دولة قوية، خاصة بعد الدرس النموذجى فى ثورة 30 يونيو، الذى يلُخِّص فى قول الشاعر أبو القاسم الشابى «إذا الشعب يومًا أراد الحياه فلابد أن يستجيب القدر».