إن ذلك العقد من عمر مصر بدأ بحادث انقلابى بارز، هو وفاة جمال عبدالناصر ورحيله إلى العالم الآخر.. وقد شيعته الملايين إلى مثواه الأخير فى جنازة شعبية.. تلقائية.. مذهلة. لم يسبق لها مثيل.. وربما لن يكون لها مثيل.. ولم يكن للإخوان المسلمين - بالطبع - رجل واحد فى تلك الجنازة، بل لا نكون قد تجاوزنا الحقيقة لو قلنا أنهم تنفسوا الصعداء عندما غرب عمر عبدالناصر مع غروب شمس يوم 28 سبتمبر 1970.. ولا نكون قد تجاوزنا الواقع لو قلنا أنهم أيضًا أحسوا بالسعادة. ولم تخل مشاعرهم من الشماتة. وقد رفضوا إقامة الصلاة على روحه.. ومنعوا من حولهم من الترحم عليه.. وقال الشيخ عمر عبدالرحمن (الذى سيلمع اسمه فيما بعد): إن الصلاة لا تجوز على جمال عبدالناصر.. ويبدو أن هذه العبارة كانت السبب فى اعتقاله (فى أكتوبر 1970) فى سجن القلعة، لمدة ثمانية شهور. مات جمال عبدالناصر وتولى الحكم - بعد أسبوعين تقريبًا - نائبه أنور السادات - الذى انحنى أمام تمثاله فى انفعال وتأثر سجلته على الهواء مباشرة، كاميرات التليفزيون، مؤكدًا أنه سيمشى على طريقه لكن.. قبل أن يكمل عامه الأول كرئيس نجح - دون مجهود - فى الإطاحة بكل رموز ورجال سلفه، فيما سمى بحركة 15 مايو، التى يصفها خصومه بأنها كانت انقلابًا.
وقد كانت هذه الحركة بمثابة الإنذار المبكر للناصريين واليساريين والماركسيين فراحوا يستعدون لمواجهته. ومن جانبه أحس السادات بالخطر فراح يفتش فى دفاتره القديمة، عن قوة يتحالف معها وتكون معادية بالطبيعة وبالتجربة لقوة خصومه، ولم يحتاج إلى وقت طويل ليقع اختياره على الإخوان المسلمين، وكان هذا التحالف بداية لتحالف أكبر مع قوى اليمين المصرى.
إن صلات السادات القديمة بحسن البنا كانت إحدى أوراقه الرابحة لإقناع الإخوان بالتحالف - لكن الإخوان كانوا يريدون ما هو أكثر من ذكريات التاريخ كانوا يريدون - عربونًا ملموسًا من جانبه لأنه حتى ذلك الوقت كان محسوبًا على ثورة يوليو وكان لا يتردد فى الإعلان عن أنه كان شريكًا لعبدالناصر فى كل ما فعله، ولم يكن يكفى الإخوان أن يعيد السادات كتابة اسم الشهرة من أنور السادات فقط إلى «محمد» أنور السادات، ولم يكن يكفيهم أن يعلن أن شعار دولته هو العلم والإيمان.. ولا أن ينقل التليفزيون صورته - وقد أرخي ملامحه فى هيام صوفى - وهو يصلى صلاة الجمعة... كان لابد أن يقدم ما هو أكثر من الشكليات. فكان أن أفرج السادات على أولى دفعات الإخوان المعتقلين.. عام 1971.. ومن بين الذين خرجوا كان عمر التلمسانى رئيس تحرير الدعوة، والمرشد العام للإخوان فيما بعد.. وقد ذهب التلمسانى فور خروجه من السجن إلى قصر «عابدين» ليدون شكره وشكر رفاقه المفرج عنهم، للرئيس فى سجل التشريفات.. ومن بين الذين أفرج عنهم. شاب مجهول. قدر له أن يفعل الكثير بعد سنوات قليلة. وكان هذا الشاب هو، «شكرى مصطفى».
وفترة بعد أخرى توالت دفعات الإفراج عن الإخوان المعتقلين.. وفى 8 يوليو 1975، صدر العفو الشامل عليهم، وعلى غيرهم، ممن سبق عليهم الحكم فى قضايا سياسية قبل 15 مايو 1971، وبدأ شهر العسل بين السادات والإخوان: لم تعد سرًا تلك الاتصالات التى جرت بين الإخوان والسادات فى سنوات حكمه الأولى.
فهيكل فى خريف الغضب، يشير إلى لقاء تم عام 1971، دبرته بعض المنظمات الإسلامية فى الخارج بمساعدة حاكم عربى كبير بين السادات وبعض أقطاب الإخوان المسلمين الذين كانوا فى المنفى.. كان اللقاء فى استراحة الرئيس فى «جانا كليس»، وأحيط بالسرية، وكان نوعًا من المصالحة بين الطرفين. وفى هذا اللقاء قال السادات لقادة الإخوان: إنه يواجه المشاكل من نفس العناصر التى قاسوا منها. ثم إنه يشاركهم أهدافهم فى مقاومة الإلحاد والشيوعية، وكذلك فإن عبدالناصر قد خلف له تركة ثقيلة.
وعرض السادات عليهم استعداده لتسهيل عودتهم إلى النشاط العلنى فى مصر، بل وكان على استعداد لعقد تحالف معهم.
وعمر التلمسانى فى «ذكريات لا مذكرات»، يؤكد أن هناك من تدخل للوساطة بين الإخوان والسادات لإزالة ما فى النفوس والتعاون على خدمة الوطن. وقد قبل حسن الهضيبى الوساطة، مؤكدًا أن الفكرة لا بأس بها إن صحت النوايا.. وكان بطل هذه الوساطة الشيخ «سيد سابق». ثم كان لعثمان أحمد عثمان وساطة أخرى.
وعندما التقى به التلمسانى، والدكتور أحمد الملط والحاج حسنى عبدالباقى، قال لهم: «من الخير أن تقدموا للسادات وجهة نظركم فى الإصلاح مكتوبة حتى يدرس الأمر على مهل»، فكتبوا له مذكرة من 9 صفحات حملها إليه عثمان أحمد عثمان.
ولو تجاوزنا طبيعة تلك الوساطات والاتصالات. فإننا سنجد أنفسنا أمام حقيقة بديهية.. حقيقة واضحة تؤكد أن السادات والإخوان كانا كالسمن على العسل وكان ذلك من طبيعة الأمور.. فالسادات كان فى حاجة إلى التيار الإسلامى لمواجهة خصومه اليساريين، والتيار الإسلامى (العائد إلى التدفق) كان فى حاجة إلى السادات لينتقم من ورثة الناصرية وليفرض وجوده من جديد.
لكن لو شئنا الدقة فإنه لابد أن نقول إن ذلك التحالف كان مشوبًا بالحذر من الجانبين، فالإخوان كانوا يخشون أن يستخدمهم السادات لتنفيذ أغراضه ثم يلقى بهم فى عرض الطريق بعد ذلك. والسادات من جانبه كان يريدهم لمساندة نظامه مقابل حرية العمل الإخوانى الفردى فى نشر الدعوة، لكن دون أن يسمح لهم بعودة الجماعة خوفًا من أن يمارسوا الضغوط عليه كلما أرادوا ذلك.
تحالف مشوب بالحذر - فعلا - وبالتحفز والقلق غالبًا. فى عام 1973 مات المرشد العام للإخوان حسن الهضيبى
ودون صراع أو انقسام - هذه المرة - اتجهت الأنظار إلى عمر التلمسانى ليخلفه.. وقد قال التلمسانى إن سبب اختياره أنه كان أكبر الإخوان سنًا، وأنهم كانوا يسألونه فى كل كبيرة وصغيرة. ولم يختلفوا عليه.
لكنه لم يقل أن بجانب هذا السبب كانت هناك أسباب أخرى، على رأسها أن الإخوان قد استفادوا من دروس الماضى وطلقوا العنف بالثلاثة، وأنهم كانوا لا يريدون إثارة الغضب عليهم، ويضعون هدف عودتهم رسميًا إلى الواقع فوق كل اعتبار.
وعمر التلمسانى من عائلة جزائرية أصلًا، من مدينة تلمسان فى أقصى الغرب الجزائرى.. هاجر جده إلى مصر بعد الاحتلال الفرنسى للجزائر «1830»، ولد فى حارة «حوش قدم».. الغورية، فى نوفمبر 1904.. تزوج مبكرًا.. درس الحقوق.. انضم للوفد فى شبابه.. انضم إلى الإخوان عام 1933، اعتقل فى كل المرات الذى اصطدم فيها الإخوان مع الحكومات المختلفة قبل وبعد الثورة.
لم يكن عضوًا فى الجهاز الخاص ولا يميل بطبعه إلى العنف، ومات عن أكثر من 80 سنة فى مايو 1986. بعد أن أصبح التلمسانى مرشدًا عامًا للإخوان كان الاختبار الأول منه لنظام السادات مجلة الدعوة... تعود أو لا تعود..!
لقد صدرت الدعوة فى الأربعينيات.. وخلال فترة الصدام بين الإخوان وعبدالناصر أكد صاحبها صالح عشماوى أنه حافظ على وضعها القانونى. بتوالى صدورها فى عدد ضعيف من الأوراق حتى لا يسقط الترخيص بالتوقف.. وعلى حد قوله كان ينشر فيها - فقط - الأحكام القانونية، بما فيها الأحكام التى صدرت على الإخوان المسلمين أنفسهم.
أى أن موقفها القانونى سليم ولا تحتاج إلى قرار استثنائى من السادات لكن خصوم الإخوان والسادات معًا، رفضوا هذا التبرير وأكدوا أن قبول السادات بعودة الدعوة كان جزءًا من الصفقة والتحالف بينهما.. وأن السادات أعاد الدعوة حتى بدون ترخيص قانونى.. وتعليمات شفهية لرجال الأمن بعدم مصادرتها.
جاء صالح عشماوى إلى عمر التلمسانى ووضع الدعوة، تحت تصرفه وتصرف الإخوان وعلى الفور تكونت شركة نشر وتوزيع إسلامية لإصدارها وتولى التلمسانى رئاستها.. وظهرت فى شكل جديد.. من جديد. فى يوليو 1976 تحت شعار «صوت الحق والقوة» وأعلنت فى صفحاتها الأولى أنها سوف تدعو للإسلام، وتنادى بالقرآن وتطالب بتطبيق الشريعة والتخلص من القوانين الوضعية المدنية المستمدة من القانون الفرنسى.
وقد عبرت الدعوة عن صوت الإخوان المعتدلين الذين كانوا يطلق عليهم أحيانًا اسم الإخوان المسلمين الجدد. وكان عدد كبير من كتابها البارزين ممن وصفوا بالتعاون والتعامل مع نظام الثورة عام 1953 وطردوا من الجماعة لهذا السبب، ومن هؤلاء كان صالح عشماوي صاحب المجلة الأصلى، ومحمد الغزالى الذى شغل منصبًا رسميًا فى وزارة الأوقاف فى بداية السبعينيات، ثم تركة للعمل فى السعودية.
وقد سجلت أرقام التوزيع الخاصة بالدعوة حوالى 78 ألف نسخة.. واعتمدت فى تمويلها - بجانب الاشتراكات والتوزيع - على الإعلانات التجارية التى تدعو لترويج السلع الغذائية المستوردة والسيارات والأقمشة، وكان من نصيبها أول إعلان عن فرع المعاملات الإسلامية لبنك مصر.. الذى لا يتعامل - على حد قول الإعلان - بالربا.
إن من حسن حظ الدعوة، أنها أعيدت إلى الحياة فى وقت نشطت فيه سياسة الانفتاح الاقتصادى (التى خطط لها وأشرف على تنفيذها رئيس الحكومة فى ذلك الوقت الدكتور عبدالعزيز حجازي) فقد راحت إعلانات التجار والمستوردين والشركات الخاصة تدعم بالمال اللازم.
وقد كان عدد كبير من رجال الأعمال - الذين دعموا الدعوة. من الإخوانيين القدامى، الذين هاجروا - فى عهد عبدالناصر - إلى دول الخليج وعادوا إلى البلاد بثروات هائلة.. جعلتهم يدخلون فى نسيج الاقتصاد الانفتاحى.. ويصبحون قوة مالية واستثمارية ووضعت الصفة الإسلامية على عناوين شركاتهم ومشروعاتهم.
ويقول الباحث الفرنسى، جيل كيبيل، فى كتابه «النبى والفرعون».. أن بعض المنتمين إلى الحركة الإسلامية من ذوى الصلة بمجلة، الدعوة، أسسوا شركة بالإسكندرية أطلقوا عليها اسم «القادسية».
وكانت شركتهم تتاجر فى السلع المستوردة وفى نوع معين من العقارات تلك التى استردها أصحابها بعد رفع الحراسة عنها... إن ملاك هذه العقارات لم يكن من السهل عليهم استردادها بسبب التصرف فيها بالبيع أو التأجير من قبل الحراسة... وقد ترتب على ذلك العديد من المشاكل والمنازعات القضائية التى لا حد لها.. ورغم أن الملاك القدامى حصلوا على أحكام بممتلكاتهم فإنهم ظلوا عاجزين عن تنفيذها.
وهنا.. تقدمت شركة القادسية، باقتراح لهؤلاء الملاك بشراء عقاراتهم - الصادر بإعادتها أحكام - مقابل ثلث قيمتها السوقية.. وما أن يتم دفع الثمن وتصبح «القادسية»، هى المالك القانونى حتى يذهب رجالها لشاغلى العقار، أو الأرض، ويعلنوا ملكيتهم ببناء جامع صغير، ويفرضوا عليه الرحيل والجلاء بالذوق أو بالهراوات التى يحملها شباب الجماعات الإسلامية. وفى الغالب كانوا ينجحون.. وما أن يضعوا أيديهم على الأراضى والعقارات حتى يحولوها إلى مشروع استثمارى جديد، ينشرون عنه الإعلانات الكبيرة فى الدعوة.
ورغم أن عثمان أحمد عثمان كان متعاطفًا مع الإخوان إلا أنه لم ينشر إعلانًا باسمه أو لإحدى شركاته فى مجلة «الدعوة».. ولا يقارن هذا بسيل الإعلانات التي قدمها إلى صحف المعارضة التي كانت تهاجمه فيما بعد... فى عهد الرئيس حسنى مبارك رغم عداوته الواضحة للأحزاب والتيارات التى تعبر عنها هذه الصحف. لم تكن، الدعوة، المجلة الوحيدة (الإسلامية) التى سمح لها بالصدور.. كانت هناك أيضًا مجلة الاعتصام، لسان حال الجمعية الشرعية، التى أسسها الشيخ، محمود خطاب السبكى، بهدف بناء المساجد فى أربعة أنحاء البلاد. وقد صدرت الاعتصام، عام 1936 على يد أحمد عاشور، مستغلة الآية الكريمة، «واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا»، شعارًا دائمًا لها، وقد كانت «الاعتصام» أكثر حدة وعنفًا من «الدعوة» وكان كتابها أكثر شبابًا وأكثر راديكالية من كتاب «الدعوة». وبجانب، الدعوة، والاعتصام.. كانت مجلة المختار الإسلامى، التى صدرت - على غرار مجلة «ريدرز دايجست»- الأمريكية - عام 1979 (فى شهر يوليو) وتميزت بالمقالات الطويلة، والأقل إثارة. وفيما بعد... فى سبتمبر 1981 تعطلت المجلات الثلاث لكن... فيما بعد ذلك التاريخ أعيدت «الاعتصام» و«المختار الإسلامى».. ولم تعد «الدعوة»، رغم لجوء الإخوان إلى القضاء واعتمادًا على أعداد الدعوة، فى عهدها الأخير من (يوليو 1976 حتى سبتمبر 1981) يمكن أن تعرف بسهولة ويسر كيف يفكر الإخوان الآن وما هى بالضبط المشاكل والقضايا التى تؤرقهم؟ إننا نستطيع أن نلخص كل مجلدات الدعوة. عن تلك الفترة على النحو التالى: 1 - أعداء الإسلام أربعة هم اليهود. والصليبيون، والشيوعيون.. والعلمانيون... وبينهم جميعًا علاقة قوية لضرب الإسلام والمسلمين. 2 - النقد الذى يصل إلى حد التشهير والتجريح للعهد الناصرى. 3 - التركيز على بطولات وأمجاد المسلمين الأوائل. 4 - الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. 5 - الهجوم - فى مرحلة متأخرة - على الفساد الاقتصادى لعهد السادات. إن الدولة العبرية فى فلسطين - فى رأى، الدعوة كانت نتيجة مؤامرة صليبية.. وكذلك «الأندلس».. التى على المسلمين الآن أن يتذكروا أنهم يجب أن يسترجعوها فى يوم من الأيام.. وتعتقد «الدعوة» أن المؤامرة الصليبية على الإسلام لا تزال مستمرة.. من خلال البعثات التبشيرية والأساليب غير المباشرة التى يروج لها المبشرون وتثير الفوضى فى أذهان المسلمين حول فقههم. وفجرت «الدعوة» - فى هذا الصدد - القضية التى عرفت باسم، قضية ميتشل.. وميتشل هو ريتشارد ميتشل المستشرق الأمريكى، ومؤلف الكتاب الشهير «الإخوان المسلمون».. ففى عام 1979، وبينما ميتشل فى زيارة مصر نشرت «الدعوة»، وثيقة باللغة العربية موجهة من ميتشل إلى رئيس محطة المخابرات المركزية تطالب بالقضاء على الحركة الإسلامية بمعرفة الحكومة المصرية... وقد كان الشك كبيرًا فى هذه الوثيقة، التى رد الأمريكان عليهم بقولهم: ولماذا يكتب ميتشل مثل هذه الوثيقة باللغة العربية إذا كانت موجهة إلى المسئولين الأمريكيين؟ ولم ترد الدعوة وهاجمت، «الدعوة» الشيوعية. التى يعتبرها الإخوان هى الإلحاد أولًا وأخيرًا. وبالتالى فإن الشيوعيين هم أعداء الإسلام الألداء.. وهم يحاربون الإسلام فى أنحاء العالم المختلفة. متحالفة فى ذلك من الصليبية. واعتبرت، الدعوة، نظام حكم عبدالناصر نظامًا شيوعيًا... وقد كان رأيها، كالسرطان الذى لا يمكن بسهولة استئصاله. فقد احتل الشيوعيون ما كان يسمى بالاتحاد الاشتراكى العربى وعلى التنظيم الطليعى وعاشوا كملوك، وفرضوا حالة من التجسس العام، وسيطروا على الصحافة وعلى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذى كان شعاره «الاشتراكية طريقنا والميثاق دستورنا والناصرية عقيدتنا». وربط الإخوان بين الشيوعية والصهيونية على أساس أن كارل ماركس كان يهوديًا! وقد وجد نظام السادات فى هذا الهجوم - الذى لا يحتاج إلى رد أو مناقشة - ما يريحه. كان أن هذا النظام لم يتردد فى دعم الإخوان عندما راحوا يهاجمون النظم العربية المختلف معها.. مثل نظام الرئيس السورى حافظ الأسد! أما العلمانية فهى أيضًا فى رأى، الدعوة، من أسباب الشر لأنها تعمل على نسف القاعدة الرئيسية التى تقول إن الإسلام دين ودولة. وكمال أتاتورك فى رأيها خائن.. وهو لم يقض على الخلافة لأنه كان يريد أن يضع تركيا على طريق العصر، وإنما لأنه كان - مثل كارل ماركس - يهوديًا من يهود الدونمة... وهى جماعة - على حد قول «الدعوة».. تظهر الإسلام وتبطن اليهودية.. حقيقة أن بعض أفراد «تركيا الفتاة»، جاءوا من هذه الجماعة مثل داود بك وزير مالية حكومة أتاتورك، إلا أنه ليس هناك أي دليل على أن أتاتورك ينتمى إلى هذه الجماعة وهذه الشائعة أطلقها خصومه الذين نفاهم، فتجمعوا فى مصر. لقد كان من مصلحة الإخوان - على ما يبدو - أن يكون أتاتورك يهوديًا أى غير مسلم، ذلك أن أى دعوة للقومية - كالتى نادى بها أتاتورك - هى دعوة غير مسلمة.. بل دعوة علمانية.. وعلى ذلك فالوحدة العربية والقومية العربية هى اتجاهات غير إسلامية. وفى تلك الفترة فتحت الدعوة النيران على الصحف والمجلات التى تدافع عن العلمانية. وكان على رأس هذه الصحف مجلة روزاليوسف التى كانت فى عرف الإخوان مجلة شيوعية هكذا ببساطة (كان يتولى قيادة روزاليوسف فى ذلك الوقت عبدالرحمن الشرقاوى وصلاح حافظ وفتحى غانم). وفى تلك الفترة نشر صلاح جاهين، كاريكاتيرًا فى جريدة الأهرام، رسم فيه مصر فى صورة امراة وقورة تضم ثلاثة أبناء هم الوحدة والتعايش والعلمانية، فهاجم الرسم صالح عشماوى بنفسه، وطالب الحكومة بالاستقالة لأنها نشرته. وفيما بعد... وقبل أن يموت صلاح جاهين من الاكتئاب (فى ربيع 1986) بأيام نشر رسومًا هاجم فيها النقاب الذى جاء من إيران فتلقى أكثر من تهديد بالقتل، وضاعفت هذه التهديدات من إحساسه بالاكتئاب وقربته من حافة الموت. وقد قطع هجوم صالح عشماوى - على ما يبدو - شعرة معاوية بين الإخوان والحكومة.. وأحسوا أن السادات غير متحمس - بما فيه الكفاية - لتطبيق الشريعة الإسلامية فانقلبوا عليه، وراحوا ينتقدون سياسة الانفتاح، والربا، والفساد، والميل ناحية الاستهلاك، والاحتكار والسوق السوداء والمناخ الذى أفرز اللصوص والمرتشين وتجار المخدرات والسوق السوداء، وفسر الإخوان كل هذه الظواهر تفسيرًا إسلاميًا فكل هذه الظواهر سببها فى رأيهم - الابتعاد عن شرع الله وطريق الله! ورغم الهجوم الذى قادته «الدعوة» على جماعات عديدة فى المجتمع المصرى فإن عمر التلمسانى كان يكتب دائمًا أن الحب هو شعار الإخوان المسلمين. ومهمتهم توحيد الناس وتجميعهم. وقدم التلمسانى، أغرب تفسير لحل جماعة الإخوان عام 1954، فقال: إذا كانت الجماعة قد حلت عام 1954 فليس ذلك إلا لأنها كانت تهدد بقاء إسرائيل وكان هذا سبب اضطهادها. ومهما كانت أفكار الإخوان المسلمين (الجدد) والتى عبرت عنها الدعوة، بوضوح (على النحو الذى حاولنا تلخيصه بأمانة) فإنه لابد من الاعتراف أنهم غيروا أسلوبهم القديم تمامًا ولم يعودوا راغبين فى العنف ولا فى قلب نظام الحكم، وكان كل ما يسعون إليه، هو إعادة الكيان الشرعى للجماعة، ودخول ممثلين لهم البرلمان (مجلس الشعب) وقد تصوروا أنهم سيكون لهم فرصة كالتى حصل عليها اليمين واليسار بعد المنابر، والأحزاب وحتى آخر يوم فى حياة عمر التلمسانى كان هذا هو بالضبط الحلم الذى يتمنى أن يحققه. وكان التلمساني يتصور أن التحالف مع السادات هو أقصر الطرق لتحقيق هذا الحلم لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.. وجاءت الأحداث بما لا يشتهي الإخوان. جاءت زيارة القدس.. و.. معاهدة «كامب ديفيد» فوصل تحالف السادات والإخوان إلى ما يمكن أن نسميه بنقطة اللاعودة. وبدأت مرحلة جديدة بين طرفي ذلك التحالف.. التفاصيل الأسبوع المقبل. 2 3 4