كل من مارس العمل السياسى بتنظيم سرى أو علنى. مؤمنًا بمبادئه. مهما كان حجم انتشارها بين الناس يدرك أن الإخوان يربحون بعد كل ضربة يتعرضون لها، منذ أن عادوا لممارسة نشاطهم عام 1974.. صحيح أن الرئيس الراحل أنور السادات- عليه رحمة الله- بعد أن أفرج عن العشرات منهم الذين كانوا فى السجون، وسمح لهم بإعادة إصدار مجلة الدعوة - الشهرية- لتعبر عنهم ومقر لمكتب الإرشاد فى شارع سوق التوفيقية بوسط القاهرة وقابل مرشدهم العام الثالث، المرحوم عمر التلمسانى- عليه رحمة الله- وأطلق لهم العنان للحركة لدرجة أن وزير الداخلية وقتها المرحوم اللواء محمد النبوى إسماعيل وصديق التلمسانى، كان يستعين به لتهدئة الطلاب المنتمين للجماعات الإسلامية وجامعة القاهرة بالتحديد، وكان لكل منها أمير ووصل الحال عام 1981 إلى نجاح الإخوان بطريق غير مباشر فى الدفع بهذه الجماعات لتكوين تجمع فيما بينها أطلقوا عليه اسم المؤتمر الإسلامى الدائم للدعوة الإسلامية- واختاروا التلمسانى رئيساً له، وكان هذا أبرز وأخطر نجاح حققه الإخوان لسيطرتهم على هذه الجماعات التى اختارت الطبيب حلمى الجزار أمير أمراء الجماعات، بينما فشلوا فى السيطرة على الجماعة الإسلامية خاصة فى الوجه القبلى، وعلى «الجهاد»، وعقد التجمع الجديد مؤتمرات شعبية.. واحداً فى الأزهر فى 29 مايو سنة 1981، وبعده مؤتمر فى يونيو فى مسجد النور بالعباسية بالقاهرة بحضور التلمسانى، ومؤتمر ثالث فى يوليو فى مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.. ورغم الامتنان الشديد الذى أبداه الإخوان نحو السادات، فإنهم لم ينسوا له أنه من قادة ثورة يوليو وشارك فى المحاكمات التى أجريت لهم، وهاجمهم علناً فى خطبه ويعيد التأكيد عليهم أنهم يعملون بشكل غير شرعى وبأوامر منه رغم أنه لا يطمئن إليهم، وصادر لهم أحد أعداد مجلة الدعوة، وأغلق مقر مكتب الإرشاد ثم أعاده، وكان تغير موقف السادات نحوهم سببه الأول ليس إحساسه بالخطر منهم، وإنما لإظهارهم معارضة عنيفة لزيارته القدس فى نوفمبر 1977، وتوقيعه اتفاقية كامب ديفيد فى سبتمر 1978، ومعاهدة السلام فى مارس 1979، ثم وجه ضربته لهم ضمن الضربة الأشمل لجميع رموز القوى السياسية فى سبتمبر 1981 باعتقال التلمسانى والكثير من عناصرهم، لكن الإخوان بعد هذه الضربة سرعان ما أخذوا فى التحول إلى لاعب سياسى ماهر، والأقوى على الساحة رغم عدم سماح الرئيس مبارك بإعادة جمعيتهم، كما رفض النظام إعادة إصدار مجلة الدعوة، إلا أنه سمح لهم باستمرار النشاط السياسى بالتنقل تحت مظلات أحزاب الوفد والعمل والأحرار، ثم دخول الانتخابات بدونهم. أما النصر الحقيقى الذى أحرزوه ويعود الفضل فيه للسادات، فكان تغير موقفهم من التعددية الحزبية والاتجاه للإيمان بها خروجاً على خط حسن البنا، والاقتراب من أعدائهم التاريخيين، وهم الناصريون والشيوعيون والوفديون، عندما جمعهم فى المعتقلات ورأى بعضهم بعضاً وتحاوروا معاً، أى أن الميلاد الثانى والأهم للجماعة كان على يد السادات.. وهذا ما يقودنا إلى ملاحظة أن سلسلة الضربات المتتالية التى تعرضوا لها على يد النظام كانوا يخرجون منها أكثر قوة وانتشاراً ولن يكون مصير الهجمات الحالية بتصويرهم وكأنهم تحولوا إلى خط المرحوم سيد قطب بسبب تولى العناصر التى شاركت فى تنظيم 1965، قيادة الجماعة، أفضل من مصير ما سبقها، لأن النظام يدرك أنها مرحلة ولت وتركوها إما إيماناً أو اضطراراً، والأمن مطمئن لذلك لكن هذا شىء والمحاولة التى قام بها صديقنا المحامى والقيادى الإخوانى البارز الذى جمد نشاطه- مختار نوح- لنفى وجود تنظيم 1965 وعضوية المرشد الحالى الدكتور محمد بديع فيه وتلقيه تدريباً على استخدام السلاح، فى مقاله ب«المصرى اليوم» يوم الثلاثاء قبل الماضى رداً على إعادة زميلنا وصديقنا صلاح عيسى، نشر تحقيقات النيابة مع بديع واعترافاته مفاجأة لى- على الأقل- لأن مختار يعلم الحقيقة، وقرأها بأقلام بعض من كانوا فى التنظيم فى كتب لهم صدرت بعد الإفراج عنهم فى عهد السادات ومنهم زميلنا وأخى الراحل جابر رزق- عليه رحمة الله- وهو من المقربين للتلمسانى، والمستشار الصحفى للجماعة، فى كتابه «مذابح الإخوان فى سجون ناصر» وفيه تفاصيل عن التنظيم وقياداته وتدريباتهم على الأسلحة- وتجنيد إسماعيل الفيومى أحد حراس الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر لاغتياله إذا صدرت له الأوامر، كما أن مختار قرأ كتاب سيد قطب «معالم الطريق» الذى ألفه وهو فى السجن ونشرته مكتبة وهبة عام 1964 وتم عرضه فى إذاعة القرآن الكريم وعدة صحف رغم تكفيره للمجتمع وبعدها أفرج عنه ولم يصادر إلا بعد انكشاف التنظيم صدفة وأنه كان الأساس الفكرى له فهل هذه هى الموضوعية؟ إننى أتفهم حق ودوافع مختار فى الدفاع عن بديع، ومهاجمة عهد عبدالناصر لما حدث فيه من تجاوزات نستنكرها قبلهم لكن الحقيقة التاريخية ثابتة وبأقلام أصحابها فهل عذب المرشد الثالث عمر التلمسانى جابر رزق وزينب الغزالى ليعترفا بها؟