«الفن ضرورة وليس رفاهية، كان حلمى عند تأسيس مؤسسة أصداء الفنية هو الوصول لفئات محرومة من ممارسة هذه الفنون فى المحافظات المختلفة بعيدًا عن مركزية القاهرة وخاصة النساء والأطفال، وتنفيذ مشروعات تخدم أفراد المجتمع وتترك تأثيرًا، فالقاهرة تستحوذ دائما على كل الفرص والتدريبات»، هكذا تحكى المخرجة المسرحية ومصممة الحركة وفنانة الرقص المعاصر نرمين حبيب عن مشروعها الفنى فى خدمة النساء والأطفال فى المحافظات المهمشة بعيدًا عن القاهرة. نرمين فنانة مصرية ومصممة حركة، حاصلة على درجة البكالوريوس فى الفلسفة، خريجة مدرسة القاهرة للرقص المعاصر وعضوة بالمجلس الدولى للرقص التابع لليونسكو بفرنسا. تهتم حبيب بطرح أعمال تعكس تجارب ذاتية عن مفهوم المساحة الشخصية والمحيط الإبداعى فى البيئة المحيطة، كما شاركت فى العديد من العروض والمهرجانات والإقامات الفنية كراقصة ومصممة حركة محليا ودوليا.
تكريم وزارة الثقافة والاتحاد الأوروبي
نالت نرمين عدة تكريمات منها تكريم خاص من وزارة الثقافة والإتحاد الأوروبى عن مشروعاتها الفنية، وتكريم من مؤسسة «جومينااى أفريكا» عن مشاركتها فى التدريب وتصميم الحركة لفريق عمل فيلم «رفعت عينى للسما» الحائز على «جائزة العين الذهبية» من مهرجان كان 2024. فى البداية.. حدثينا عن شغفك بعالم فنون الأداء من الرقص المعاصر، تصميم الحركة، الإخراج المسرحى؟ - بدأ اهتمامى بالفنون بصفة عامة منذ الثانوية العامة، كنت شغوفة بعالم الحركة والرقص والتمثيل، ولكن هذه الهواية كانت غير مقبولة اجتماعيًا آنذاك أو تصلح بديًلا عن الدراسة الجامعية، فالتحقت بكلية الآداب قسم الفلسفة، وكانت فرصة جيدة للانضمام لفريق مسرح كلية آداب، وممارسة هوايتى فى التمثيل والرقص، وشاركت بالتمثيل فى حوالى 20 مسرحية، وسافرنا كفريق المسرح بمنتخب الجامعات لعدة محافظات. بعد التخرج أكملت دراستى للمسرح والرقص بشكل علمى واحترافى، فهو فن وعلم له مدارس عديدة، والتحقت عام 2011 بمدرسة القاهرة للرقص المعاصر لمدة خمس سنوات وتخرجت عام 2016،سافرت بعدها لعدة بلدان أوروبية لدراسة الرقص عبر برامج تعليمية وفنية مختلفة، وتمكنت خلال هذه السنوات من التدريب على أسس تصميم الحركة والإخراج المسرحى لعدة مشروعات فنية.
تدريب لنساء عزبة خير الله
كيف تعاملت عائلتك مع موهبتك وانتقالك من الفلسفة للرقص والمسرح؟ - لم أواجه اعتراضًا، بل كان فضولاً من جانبهم، ما معنى أن تكونى راقصة معاصرة، هذا النوع من الفن غير شائع فى مصر حتى الآن، وكان جمهوره محدودا ومتخصصا إلى حد كبير، وهو أحد الأسباب التى دفعتنى فيما بعد أن يكون مشروعى الفنى خارج حدود القاهرة والإسكندرية اللذين يستحوذان على مشهد الرقص المعاصر، أما عائلتى فبدأت أدمجهم فى العملية الفنية التى أقدمها من خلال الحكى المستمر عن أعمالى الأدائية المختلفة، وتشجيعهم على حضور العروض الفنية، وبدأوا يتقبلوا مع مرور الوقت شغفى بالفن، المسرح والرقص، وأدركوا أنه فن يحمل من الانضباط والدقة والالتزام مثل أى مجال آخر. «الفن ضرورة للحياة وليس رفاهية» هذا شعار مُؤسَستك الفنية «أصداء ECHO».. هل تحدثينا عن فلسفتك الفنية وكيف يخدم الفن المجتمع ؟ - أنا مؤسس شريك فى مؤسسة أصداء الفنية مع الصديق الفنان ماريو مسيحة المقيم بمحافظة المنيا، وتشاركنا حلمًا واحدًا وسؤالاً: «لماذا تستحوذ القاهرة على كل الفرص والتدريبات والمنح الفنية؟»، وكان هدفنا عندما أسسنا مركز أصداء الفنى المتخصص فى الرقص والحركة والفنون البصرية أواخر عام 2019 الانطلاق خارج حدود العاصمة وتقديم التدريبات المختلفة من الرقص والتمثيل والأداء الحركى، ونجحنا فى تنظيم عشرات التدريبات فى شمال وجنوب مصر مثل ؛ أسوان، الأقصر، سوهاج، المنيا، الإسماعيلية، ومدن الدلتا. وفلسفتنا توفير برامج تدريبية وإنتاج فنى خاصة خارج العاصمة، وإنشاء مشاريع مجتمعية تترك صدى قويًا فى الذاكرة، نُقدم خدمة فنية لها علاقة بدمج الفن المعاصر والفنون الحركية مثل الرقص المعاصر، العلاج بالحركة والمسرح الجسدى مع الفنون البصرية. ما الفئات المستهدفة من هذه الخدمة الفنية ؟ - نحن نستهدف النساء والأطفال وقريبًا لدينا مشروع مع كبار السن، ونذهب للمناطق المهمشة مثل «عزبة خير الله» فى القاهرة، هذه رؤيتنا وطموحنا الوصول لفئات محرومة من ممارسة هذه الفنون فى المحافظات المختلفة بعيدًا عن مركزية القاهرة وتنفيذ مشروعات تخدم أفراد المجتمع وتترك تأثيرًا. «15 سنة من غير بلكونة» عرض راقص منفرد من أدائك وإخراجك المدعم من مركز المورد الثقافى.. سافرت به لمحافظتى المنياوالإسماعيلية.. هل تحدثينا أكثر عن فكرته؟ - العرض مستوحى من تجربة ذاتية عشتها لسنوات، بدأت بميلادى فى منزل يضم بلكونتين ثم انتقلنا فى بيت آخر بالهرم بلا بلكونة، أمضيت فيه 15 سنة فعًلا من غير بلكونة!. العرض مُدعم من مركز المورد الثقافى ويتعدى فكرة البلكونة بحضورها المادى فقط ولكن البلكونة بوجودها المعنوى ذلك الحيز من الاهتمام والسكينة الذى كانت تتمتع به بيوتنا القديمة، هذه المساحة التى لم تعد موجودة رغم أنها كانت الحيز للتجمع العائلى والبراح الذى يحتوى خروج مشاعر معينة لم تكن تخرج داخل غرف المنزل، وكانت البلكونة الملاذ الآمن لها دائمًا وأبدًا.
دورة تدريبية ضمن ورش إيزيس الدولى للمسرح
البلكونة بمعناها الأعم والأشمل ذلك الحيز المكانى الموجود داخل وخارج البيت، عندما يعانى أحد أفراد المنزل من مشكلة كان يحملها ويخرج بها خارج المنزل عبر البلكونة، ونتذكر البلكونة ودورها المحورى فى حياتنا أثناء جائحة كوفيد، وكيف كانت المتنفس الوحيد لنا مع حظر التجوال.. أين ذهبت البلكونة وأين اختفت هذه المساحة الشخصية الحميمية للنساء. هنا يشتبك الخاص مع العام ومساحات النساء التى تتقلص.تقصدين ذلك؟ - نعم، هذا ما حاولت التعبير عنه فى العرض، الذى يتعدى البلكونة لفكرة المساحة الشخصية لكل ست، خصوصا النساء اللاتى يكافحن فى القاهرة، فالمساحة محدودة للغاية لهن، البلكونة هنا امتداد للمساحة الشخصية للستات التى لم تعد موجودة وغائبة مثل البلكونة تمامًا فى ظل التغير البيئى والعمرانى السريع الذى نشهده فى السنوات القليلة الأخيرة. وحاولنا التعبير عن الفكرة عبر سينوغرافيا المسرح، بالأ يكون العرض فى مسرح، لرغبتى فى كسر الحاجز الرابع بينى وبين الجمهور، وتمكينه من مشاهدته عبر زوايا مختلفة، وأن تكون خلفية المساحة نابعة من طبيعة المكان ذاتها، فمثًلا فى عرضنا فى مركز الجيزويت الثقافى بمحافظة المنيا على سطح المركز وكانت الخلفية مكونة من شبابيك وبلكونات المبانى المجاورة، بينما فى محافظة الإسماعيلية كانت خلفية المساحة بلكونة حقيقية، وهذا الاختلاف أثرى العرض للغاية، وساهم فى قراءته والتفاعل معه بطرق مختلفة من المشاهدين. وماذا عن ردود فعل الجمهور؟ كان هناك احتفاء شديد ظهر من النقاش والأسئلة بعد انتهاء العرض، واسعدنى حديث إحدى سيدات الإسماعيلية التى عبرت عن شعورها بالحزن والقوة فى ذات الوقت من العرض، الحزن على مساحتها الشخصية التى تتقلص وقوة من فى الحركة والرقص ومحاولة الحفاظ على المساحة. والعرض بجانب الأداء الحركى، ضم مزيجا بين الأرشيف البصرى والصوتى. المرأة محور موضوعات معظم مسرحياتك وعروضك الأدائية.. هل تصنفين نفسك مخرجة نسوية؟ - فى النهاية أنا امرأة، وهناك جانب شخصى وتجارب ذاتية فى كثير من أعمالى، لدى اهتمام بالتعبير عن قصص واقعية عشتها بنفسى أو تعكس واقع نساء أخريات، مثل عرض « يوم وليلة». أميل بصراحة عاطفيًا للنساء، لأنى أرى فيهن قوة وإمكانيات رهيبة على المستوى الاجتماعى، الفنى، الإنسانى، التقنى كأجساد تتحرك وترقص وتعبر عن ذواتها، ولكن بعضهن لا يدركن هذه القوة، وهنا وظيفتى فى إتاحة المساحة لهن للتعبير عن قوتهن وطاقتهن.
أخيرًا.. ما مشروعك الفنى القادم؟ نجهز للعرض الختامى لمشروع «ذاكرة الشاطئ» وهو برنامج فنى ثقافى للتواصل وإعادة الرؤية والاكتشاف للتراث الحضرى داخل المجتمعات المحلية. من خلال توظيف الفنون لإعادة صياغة علاقتنا بالبيئة المحيطة فى محافظة دمياط، فهى مدينة تتمتع بتميز جعرافى ولها مقاومات فريدة فى تراثها الفنى والثقافى، ولم تتعرض من قبل لفنون الأداء الحركى وخاصة الرقص المعاصر، فهى مدينة محرومة من وجود مسرح يذهب له أهالى المحافظة، حيث يوجد فقط مسرح داخل مدرسة أو كلية، بينما قصر ثقافة دمياط الجديدة معطل، وقصر ثقافة دمياط القديمة تحت التطوير. البرنامج استهدف نساء المحافظة من أعمار 18 – 40 سنة، وكان العدد المستهدف 15 سيدة، ولكن استقبلنا 150 استمارة، وهو يعكس تعطش النساء للمشاركة فى هذه الفاعليات الفنية الجديدة، ذاكرة الشاطئ يُقدم ورش عمل فى 3 برامج تدريبية متخصصة فى (الرقص المعاصر والمسرح الجسدى) – (الرسم والتصوير الفوتوغرافى) – جلسات وجولات ميدانية عن (التراث الحضرى والبيئي) داخل المدينة. وكيف صارت الورش الثلاث وما هى برامجها؟ ورشة الحركة والرقص المعاصر: كأحد أهم الفنون القائمة على منهج محكم على المستويين النظرى والعملى تعمل على استكشاف تقنيات مختلفة من التعبير بالحركة تعبر عن السيدات لتطوير المرونة الديناميكية، وخلق مساحة آمنة للإبداع واكتشاف الذات تعزز الشعور بالسعادة من خلال الحركة فى المساحة، وفرصة للتعبير بشكل إبداعى داخل بيئتهن الخاصة، والتعامل مع الجسد كنقطة قوة وصلابة. أما ورشة الرسم والتصوير الفوتوغرافى فكانت تستهدف تعليم المتدربات على أساسيات التشكيل وأسس التصميم وقواعد التكوين, والتدريب على النظر بعمق أكثر فى تفاصيل المدينة، لإنتاج مجموعة أعمال فنية بعدسة مختلفة تعبر عن الهوية الثقافية لمحافظة دمياط. والورشة الأخيرة «التراث الحضرى والبيئى» كانت تستهدف التعرف بشكل أكبر على الثقافة المحلية لمحافظة دمياط تكمن فى تأثيرها الإيجابى على تعزيز هوية المدينة لدى المتدربات.
والعرض الختامى سوف يكون أواخر شهر سبتمبر الجارى بعد انتهاء فترة التدريب، حيث يتم إنتاج عرض فنى يمزج بين الحركة والتصوير الفوتوغرافى والتراث الحضرى لمحافظة دمياط تقدمه السيدات الخريجات من البرنامج.