فتح تكرار لجوء الشيخة حسينة إلى الهند ملف علاقات الهند ببنجلاديش الذى يعود لعام 1972 عندما تم توقيع معاهدة انديرا - مجيب للتعاون والصداقة.. حيث دعمت الهند بنجلاديش منذ حربها مع باكستان 1971.. كما تتحدث ولاية البنغال الغربية اللغة البنغالية وهى نفس لغة دولة بنجلاديش.. نفذت الهند العديد من مشروعات التنمية ببنجلاديش وتربطهما علاقات قوية فى العديد من المجالات.. وتعد العلاقات بين الدولتين نموذجًا لقوة الهند الإقليمية القائمة على العلاقات المتميزة فى محيطها القريب. سرعان ما انزلقت بنجلاديش -إحدى أكبر دول العالم الإسلامى والقارة الآسيوية- من حيث عدد السكان إلى حالة من الفوضى حيث استقالت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، بعد حكم استمر 15 سنة، وفرت من البلاد فى اللحظة الأخيرة إلى الهند، حيث نجت من غضب آلاف المحتجين الذين اقتحموا مقر إقامتها الرسمى. ليست المرة الأولى التى تلجأ فيها الشيخة حسينة إلى الهند؛ إذ وجدت نفسها وشقيقتها ريحانة فى الهندعام 1975 فى أعقاب الانفصال عن باكستان تسلّل التوتر إلى صفوف الذين رفضوا التمرّد على وحدة باكستان ثم دفع تزايد السخط على الشيخ مجيب الرحمن وحزبه «رابطة عوامى» إلى اغتياله وعائلته بالكامل. نجت الشيخة حسينة التى كانت فى ألمانيا مع زوجها وأختها ريحانة. وطلبت مساعدة نيودلهى بعدما قتل متمردون والدهما وسبعة من أفراد الأسرة، بينهم شقيقهما راسل البالغ 10 سنوات. وبالفعل عرضت عليهم رئيسة وزراء الهند السابقة أنديرا غاندى استعدادها لتوفير الأمن والمأوى لهم. فانتقلت إلى دلهى، وعاشت هى وباقى عائلتها، فى منزل بالعاصمة الهندية تحت حراسة أمنية مشددة؛ واضطروا إلى تغيير أسمائهم كى يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة فى المنفى، والنجاة من المصير الذى لقيه والداها وأقاربها الآخرون. ولدت الشيخة حسينة لعائلة مسلمة فى شرق البنجال عام 1947، لأبويها الشيخة فضيلة النساء مجيب، والشيخ مجيب الرحمن، الأب المؤسس لبنجلاديش وأول رئيس للبلاد. وداخل حرم جامعة دكا، صعد نجم حسينة كقائدة طلابيةً نشطة. وتزوجت حسينة من عالم الفيزياء البنجلاديشى محمد واجد مياه، الذى تولى رئاسة هيئة الطاقة الذرية فى بلاده. عادت الشيخة حسينة إلى بنجلاديش عام 1981 فى أعقاب تعيينها رئيسة لحزب رابطة عوامى بعد أن سافرت الشيخة إلى بلدان عديدة لتقود حملة للمطالبة بمحاكمة قتلة أسرتها. حيث قادت المعارضة إلى أن نُصّبت رئيسة وزراء لبنجلاديش عام 1996. شهدت ولاية حسينة الأولى خطوات كبيرة فى اتجاه تحرير الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات الأجنبية ورفع مستويات المعيشة وتحسين مجالى الرعاية الصحية والتعليم، وتحولت بنجلاديش لقوة بارزة على صعيد الصناعة العالمية للملابس. إلا أنها فقدت السلطة عام 2001 لصالح خالدة، ثم عادت للسلطة مرة أخرى عام 2008، وشهدت بنجلاديش، التى كانت إحدى أفقر دول العالم عندما استقلت عن باكستان عام 1971 طفرة اقتصادية منذ عام 2009 حيث حققت نموًا يزيد على 6 فى المائة سنويًا وانخفضت فيها معدلات الفقر بشكل حاد، وتجاوز نصيب الفرد فى الدخل نظيره فى الهند عام 2021، لتصبح قصة نمو ملهمة لجميع الدول لدرجة أن صندوق النقد الدولى توقع فى عام 2021 أن يتجاوز الناتج المحلى الإجمالى لبنجلاديش نظيره فى سنغافورة. كانت بنجلاديش بمثابة نموذج للمعجزة الاقتصادية، فقد أدى تركيزها الفريد على تصدير المنسوجات والملابس إلى تحقيق نمو سريع، وانتشال الملايين من براثن الفقر، الأمر الذى أكسب رئيسة وزراء البلاد، الشيخة حسينة، الشهرة. مع انتشار كوفيد-19 قل الطلب العالمى على المنسوجات والملابس، وفى الوقت نفسه، أدت اضطرابات سلاسل التوريد وحرب روسيا على أوكرانيا إلى ارتفاع حاد فى أسعار المواد الغذائية والوقود، ومع قلة التنوع فى اقتصادها، لم تتمكن بنجلاديش من جلب عائدات كافية من الصناعات الأخرى للمساعدة فى سداد الفواتير. مع ارتفاع التضخم، جاءت جهود حكومة حسينة للسيطرة عليه بنتائج عكسية، فى حين كانت تحاول دعم قيمة عملتها الضعيفة، أنفقت بنجلاديش احتياطياتها من النقد الأجنبى. بمرور الوقت انتعشت صادرات الملابس بعد الوباء، لكن كانت بنجلاديش غارقة فى مشاكلها قصيرة الأجل، حيث تجمع القليل جدًا من الضرائب، ويرجع ذلك إلى تساهل الحكومة من جهة وعدم رغبة العديد من المواطنين فى دفع ضرائبهم من جهة أخرى. ومع تردى الوضع الاقتصادى فى البلاد، مدعوما بالتضخم الحاد والبطالة المتزايدة، أضحى التركيز الشعبى أكبر على الفساد الصارخ الذى تكون فى عهد الشيخة حسينة، وقد ترجم هذا الإحباط إلى غضب نتج عنه احتجاجات عنيفة انتهت إلى استقالة حسينة وهروبها إلى الهند، وتشكلت حكومة مؤقتة برئاسة الدكتور محمد يونس، الخبير الاقتصادى الحائز جائزة نوبل. أدى محمد يونس، وهو اقتصادى بارز ورجل يتمتع بسمعة دولية، اليمين الدستورية كرئيس للحكومة المؤقتة، حيث اختاره قادة الطلاب الذين قادوا الاحتجاجات لقيادة البلاد. وبعد فترة وجيزة من أدائه لليمين، أعلن أن مهمته الأولى هى استعادة القانون والنظام، مما يشير إلى أن فصلًا جديدًا يُفتح فى تاريخ بنجلاديش. وتتكون حكومة يونس المؤقتة الجديدة من خبراء من مختلف مناحى الحياة، وتشمل قادة الطلاب والزعماء العسكريين والناشطين الاجتماعيين وقادة الأعمال. كان يونس، هو اختيار المحتجين الطلاب الذين قادوا الإطاحة برئيس الوزراء السابق. ومحمد يونس شخصية معروفة على المستوى الدولى، واشتهر باعتباره رائد حركة منح القروض الصغيرة. وكان معروفًا بأنه مصرفى الفقراء، حيث أسس «بنك جرامين» أو «بنك القرويين» الذى يقدم قروضًا صغيرة للفقراء والفقراء للغاية فى المناطق الريفية. وقد فاز بجائزة نوبل فى عام 2006 لعمله الرائد فى التخفيف من حدة الفقر فى بنجلاديش. وحصل أيضًا على العديد من الجوائز الأخرى، بما فى ذلك وسام الحرية الرئاسى للولايات المتحدة. 2830 2831