يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21. من معانى كلمة كيد، التحايل لبلوغ هدف ما بكل الوسائل، وفى القرآن الكريم يأتى الكيد منسوبًا للذات الإلهية أو للأنبياء فى الخير، وتنفيذًا لمخطط فيه نصر للحق وللضعفاء لإنقاذهم، من خلال رفع الضرر عنهم. لقد وصف تعالى كيد الشيطان بأنه ضعيف: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء 76، لأن حيل الشيطان فاشلة فى مواجهة المؤمنين. أما وصف كيد النساء بأنه عظيم فقد جاء على لسان الشاهد فى قصة النبى يوسف: (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) يوسف 28، هو رأى هذا الرجل. وأقوال الشخصيات فى القصص القرآنى ليست للتشريع، مثلاً عن فرعون: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) النازعات 24، وسجل تعالى قوله، وهذا ليس اعترافًا ولا تقريرًا من الله بقول فرعون. الكيد فى القرآن: قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ) الأعراف 182-183، فالذين كذبوا وكفروا بأحكام الله، سيهزمهم تعالى بأعمالهم من حيث لا يعلمون. وقال تعالى: (إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ) طه 69، فالنبى موسى عليه ألا يخاف أمام السحرة، لأنه المنتصر عليهم، لأن ما صنعوه هو سحر من خلال الحيل، ولا يفوز صاحب الحيل بما عمل. قال تعالى عن النبى إبراهيم: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) الأنبياء 57، لما وجد النبى إبراهيم كلامه لا يأتى بفائدة فقد أقسم أن يكسر الأصنام بعد خروج القوم من معبدهم، وقد نفذ كلامه فحطم الأصنام، وأبقى على صنم كبير لهم ليرجعوا له. قال تعالى: (قُلنَا يَنَارُ كُونِي بَردا وَسَلَامًا عَلَى إِبرَ اهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيدا فَجَعَلنَهُمُ 0لأَخسَرِينَ) الأنبياء 69-70، فالقوم أرادوا به ضررًا بوضعه فى محرقة النار، لأخذ حق أربابهم بالانتقام منه، فقال تعالى للنار أن تكون خيرًا لإبراهيم، وجعلهم هم الخاسرون. وقال تعالى: (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) غافر 25، وضح أن كيد الكافرين هو تدبير فى ضلال، وأنه تعالى سيضعف هذا التدبير: (وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) الأنفال 18. النبى يوسف: تبدأ قصة النبى يوسف عليه السلام وهو طفل بالرؤيا التى رأى فيها أن أحد عشر كوكبًا مع الشمس والقمر يسجدون له وحكاها لأبيه النبى يعقوب عليه السلام، وفهم الأب أن يوسف سيكون النبى من بين إخوته، ولذلك أوصاه ألا يحكى الرؤيا لهم خوفًا من أن يحقدوا عليه: (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا) يوسف 5. أما قصة امرأة العزيز فتبدأ مع شراء العزيز ليوسف: (وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) يوسف 21، امرأة العزيز وجدته يكبر شابًا وسيمًا فرأت فيه الرجل ولم تر فيه الابن. وحاولت بالترغيب والترهيب، وبالإغراء والتهديد أن تنال رغبتها من يوسف: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ) يوسف 23. وحين ضبط العزيز زوجته وهى تقوم بإغراء يوسف فإنها لم ترتبك، بل سارعت بالاتهام وبالحكم: (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يوسف 25، ويأتى الشاهد من أقاربها: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) يوسف 26، وتم وصفه بالشاهد مع أنه لم يشهد شيئاً ولكنه جاء للحكم من خلال تحليله للأحداث. كيدكن عظيم: قال تعالى عن الشاهد: (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) يوسف 28، الشاهد لما رأى القميص مقطوعًا من الخلف، قال لامرأة العزيز هذا من تدبيرك وهو تدبير كبير، وهذا يعنى فى رأيه أن المرأة خططت ونفذت ما أرادت. وتسربت أنباء الحادثة وأصبحت حكاية تتناقلها النساء عن امرأة العزيز: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِى الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ) يوسف 30. وأرادت أن ترد مكرهن بمكر أشد لأنها تعرف حقيقة أخلاقهن، فقامت بدعوة النساء إلى وليمة تفتنهن فيها بجمال يوسف: (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) يوسف 31. وبعد كشفها لضعفهن: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِى لُمْتُنَّنِى فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) يوسف 32، تعلن أنها راودته عن نفسه فرفض، وهددت بسجنه وانضم إليها فى هذا التهديد باقى النساء. واختار النبى يوسف السجن لينجو منهن: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) يوسف 33، فقد دعا الله بأنه يفضل الحبس على ارتكاب جريمة الزنى. قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) يوسف 34، فقد حقق له تعالى طلبه وأبعد عنه مكر النسوة بدخول السجن، بأمر العزيز لوقف الشائعات عن زوجته. الاعتراف: وقد بلغ الملك أمر النبى يوسف وتفسيره للأحلام وهو فى السجن، وذلك بعد أن رأى الملك حلماً لم يجد له تفسيرًا مع اعتقاده بأهمية ذلك الحلم، فطلبه الملك، ورفض النبى يوسف الخروج من السجن، إلا بعد أن تثبت براءته باعتراف النساء بما فعلنه به. قال تعالى عن النبى يوسف: (قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) يوسف 50، ولم يكشف حقيقة الأمر للملك، واكتفى بالإشارة إلى كيدهن وتقطيع أيديهن. الساقى لما ذهب فأخبر الملك قال الملك لمن حوله ائتونى به، فلما جاءه المبعوث الذى بعثه الملك رفض النبى يوسف الخروج وقال ارجع إلى الملك فاسأله ما حكاية النساء اللاتى جرحن أكفهن فإن خالقى بمكرهن خبير، وهذا يعنى أن النبى يوسف أراد إثبات براءته وأنه دخل السجن مظلومًا. قال تعالى عن امصرأة العزيز: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى كَيْدَ الْخَائِنِينَ) يوسف 52، وضحت امرأة العزيز الحقيقة للملك، وذلك ليعرف النبى يوسف أنها لم تخنه فى غيابه، لأن الله يفضح حيل الكاذبين. والتعبير عن كيد النساء جاء على لسان الشاهد: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) يوسف 28، وهو تعبير عن موقف محدد وليس تقريرًا من الله تعالى عن المرأة، والثانية على لسان النبى يوسف: (إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) يوسف 50، فى إشارة للملك للتحقيق فى حادثة مؤامرة النساء، ولا يعبر عن حقيقة ثابتة خاصة بالمرأة. وأمام الملك اعترفن بأن ما يعرفنه عن يوسف هو رفضه للفحشاء: (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ) يوسف 51. واعترفت زليخة بأن الحقيقة سوف تظهر، وأنها هى التى حاولت إغراءه، وأنها ترجو مغفرة ورحمة الله: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِى إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّى إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَحِيمٌ) يوسف 53. قال تعالى عن يوسف: (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ) يوسف 76، بدأ التفتيش بحقائب إخوته من أبيه ثم استخرجها من وعاء أخيه، وبذلك كاد تعالى ليوسف بإنجاح المكيدة وانتقم الله ليوسف، وما كان ليعاقب أخاه بسبب سقاية الحاكم إلا أن يريد الله. الكيد والمكر: والفرق بين الكيد والمكر، أن المكر هو التخطيط للإيقاع بالغير بدون تنفيذ: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال 30، بمعنى يخططون ويجعل تعالى خططهم تفشل، ولو كان المكر سيئًا ما نسبه تعالى لذاته، قال تعالى عن امرأة العزيز: (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) يوسف 31، بمعنى علمت بخططهن ضدها ولم يقمن بتنفيذها. أما الكيد فهو تنفيذ للمكر فى الخير أو فى الشر: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) النساء 76، فالشيطان لا يملك تنفيذ الشر بالقوة لأن كيده ضعيف، ولذلك يقول الشيطان للناس يوم القيامة: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ) إبراهيم 22، أما المرأة فالناحية التنفيذية عندها عظيمة لاهتمامها بالتفاصيل ودقائق الأمور. قال تعالى عن أصحاب الفيل: (أَلَم يَجعَل كَيدَهُم فِى تَضلِيل) الفيل 2، فقد أبطل تعالى تنفيذهم لهدم الكعبة، ويقول تعالى عن ذاته: (إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ) القلم 45، بمعنى أن تنفيذه تعالى دقيق وقوي، ولذلك نسب تعالى الكيد فى الخير لذاته: (وَأَكِيدُ كَيْدًا) الطارق 16. كيد الإنسان رجلًا أو امرأة فى الشر سيئ، فى التخطيط بالمكر والاحتيال فى التنفيذ للوصول إلى إيقاع الضر والأذى بالغير. 1