هز التمرد المجهض الذى قام به زعيم جماعة فاجنر باتجاه موسكو نظامَ القيصر الروسى. ولعل من السابق لأوانه التنبؤ بتداعيات ذلك على الأحداث فى روسيا وربما أوكرانيا، ولكن إحدى نتائجها الأوسع نطاقا ستكون على الأرجح إعادة تقييم بعض لفائدة استخدام المرتزقة. فعلى الرغم من أن «فاجنر» هى أشهر مجموعة مرتزقة تعمل على المستوى الدولى، فهى ليست فريدة من نوعها، إذ كان صعودها جزءا من توجه أوسع نحو استخدام المرتزقة فى العقد الماضى، حيث كان الشرق الأوسط، وهو أول تمركز قوى انتشرت فيه قوات فاجنر وأثبتت وجودها كمنظمة قوية على نطاق واسع، فى مقدمة الأماكن التى تم استخدام المرتزقة فيها. ومنذ اندلاع الانتفاضات الشعبية فى أعقاب 2011 والحروب التى تلتها، لجأ العديد من الحكومات إلى المرتزقة للمساعدة فى تحقيق أهدافها فى مجموعة من النزاعات، وكانت حكومات إيران وتركيا وقبلهم الدول الغربية على راسهم بريطانيا وفرنسا، إلى جانب الحكومة الروسية أبرز من استعان بالمرتزقة. والآن، بعد أن أثارت تصرفات يفجينى بريجوجين الشكوك حول الحكمة من الاعتماد الكبير على القوات الخارجية المأجورة، هل ستدفع التطورات فى موسكو الدول الأخرى إلى إعادة النظر فى هذا الأمر؟ نزع المخالب لمدة يومين بعد أن ألغى زعيم شركة فاجنر العسكرية الروسية يفجينى بريجوجين تمرده الفاشل، لم يصرح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين شيئا بشكل علنى، بعد أن واجه أكبر تحد لسلطته منذ 23 عاما، وكاد أن يشهد انزلاق بلاده نحو حرب أهلية، بينما توقع الكثيرون أن يرد الرئيس الروسى بصوت عال وغاضب.. وفى خطوة انتقامية اتجه بوتين إلى اللعب المخابراتى لتدمير إمبراطورية فاجنر من أساسها، حيث شنت موسكو عمليات للاستحواذ على واحدة من أكثر الشركات تعقيدًا فى التاريخ فى أعقاب التمرد الذى وصل إلى موسكو تقريبًا. يأتى ذلك بعد أن داهم عملاء من خدمات الأمن الفيدرالى «FSB» المقر الزجاجى المغلق لمجموعة فاجنر فى سانت بطرسبرج، بحثًا عن أدلة ضد يفجينى بريجوجين، رئيس فاجنر، كما أطلق الكرملين حملات تجنيد على شبكات التواصل الاجتماعى الروسية لاصطياد بعض من 30 ألفا من المرتزقة والمتسللين وأموال فاجنر، الذين نشرهم حليف الرئيس بوتين منذ فترة طويلة فى أوكرانيا والشرق الأوسط وإفريقيا، وفقًا لما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال». كما كشفت الصحيفة الأمريكية أن الأجهزة الأمنية استولت على مجموعة «باتريوت ميديا» التابعة ل«بريجوجين»، وهى جزء أساسى من إمبراطورية الاتصالات التابعة ل«فاجنر»، وهى منظمة وسائل التواصل الاجتماعى. وكشفت الصحيفة أن المالك الجديد المحتمل ل«باتريوت ميديا»، هى مجموعة «National Media Group»، برئاسة ألينا كابيفا، لاعبة الجمباز الإيقاعية السابقة والتى وضعتها واشنطن على قائمة العقوبات. وقبل أن يسقط طباخ بوتين فى براثن تمرده قام ببناء واحدة من أكثر هياكل الشركات تعقيدًا وغير خاضعة للمساءلة فى العالم، وهى عبارة عن مجموعة من مئات الشركات فى روسيا وغيرها من الولايات القضائية التى كانت تدفع نقدًا، فى كثير من الأحيان لآلاف العمال والمرتزقة والطهاة وعلماء التعدين، والمتصيدين على وسائل التواصل الاجتماعى. وقال مسئولون غربيون وعرب وأفارقة إن العديد من الصفقات التى أبرمتها الشركات المرتبطة بفاجنر مع الحكومات الإفريقية كانت غير رسمية، وتعتمد على التهريب والتحويلات غير المشروعة، وتفاوض عليها شخصيًا بريجوجين نفسه.. وكشفت «وول ستريت جورنال» عن أحد الرسائل النصية لاحد موظفى الشركة قال فيها أن بريجوجين نقل بعض ممتلكاته إلى الموظفين فى الأسابيع التى سبقت التمرد، مما قد يزيد من تعقيد الأمر بالنسبة للحكومة. شبكة عالمية وتملك «كونكورد القابضة» شركة «Broker Expert LLC»، وهى شركة تجارية فى روسيا أرسلت حفارات إلى منجم ذهب تسيطر عليه شركة «فاجنر» فى السودان، كما تمتلك شركة «Bois Rouge»، وهى شركة أخرى تمتلك امتيازًا للخشب الأحمر فى جمهورية إفريقيا الوسطى وكذلك فى السودان. كما أن الشركات المستخدمة تقع ضمن سلاسل شركات أخرى، وفقًا لمخططات تنظيمية. ومن بينهم «Sewa Security Services»، التى نشرت عملاء أمن، وهى شركة تابعة لشركة «M-Invest»، وهى شركة مالية مقرها سانت بطرسبرج. بالإضافة إلى «Evro Polis»، شركة مرتزقة أخرى تحرس أكبر حقول الغاز فى سوريا ويقدر المسؤولون الغربيون أنها تحصل على ما يصل إلى ربع أرباح الإنتاج، داخل سلسلة شركات تؤدى إلى «Service K LLC»، وهى شركة موارد بشرية.. وتتعامل أكثر من 6 شركات تسيطر عليها شركة «فاجنر» أيضًا فى التعدين، والذى يتم تسهيله من خلال شبكة أخرى من شركات التوريد والخدمات اللوجستية المملوكة أيضًا للمجموعة. فى جمهورية إفريقيا الوسطى، سيطرت شركة «Midas Resources SARLU» التى تسيطر عليها «مجموعة فاجنر» على الكثير من الإنتاج فى منجم الذهب «Ndassima»، مع موارد غير مستغلة تقدر بنحو مليار دولار، وفقًا لادعاءات الحكومة الأمريكية. فى المقابل، يتم تصدير الذهب والماس الذى تقوم فاجنر بتعدينه فى البلاد من قبل شركة أخرى تابعة لبريجوجين وهى «Diamville SAU». ونقلت «وول ستريت جورنال» عن محللون ومسؤولون أمريكيون وأوروبيون درسوا عن كثب المجموعة، أن الكثير من شبكة الشركات الأوسع التى تشكل ممتلكاته لفاجنرلا تزال سرية أو غير معترف بها. وتساءل أحد كبار المسئولين الأمريكيين السابقين الذى راقب عن كثب صعود «فاجنر»: «السؤال هو ما إذا كانت الكيانات العديدة المنشأة بشكل منفصل ولكنها منسقة والتى تعمل فى جميع أنحاء إفريقيا وخارجها ستستمر فى العمل كشبكة فى غياب التوجيه، وربما خوف بريجوجين لإبقائها معًا». وفى جمهورية إفريقيا الوسطى ومالى وسوريا، بدا أن المديرين التنفيذيين فى مجال الأمن والتعدين فى الشركات المرتبطة بفاجنر يتراجعون وينتظرون إشارات من موسكو وفقًا ل «All Eyes On Wagner»، وهى مجموعة بحثية مفتوحة المصدر قالت إنها فحصت سجلات الشركات فى 30 شركة تابعة ل«فاجنر» منذ التمرد ولم تجد أى تغييرات فى الملكية. توغل عالمى فاجنر أصبحت شبحا يهدد الكثير من البلاد التى تعمد على الشركات الخاصة فى حروبها سواء فى الداخل لمنع تمرد أو كأذرع خارجية لحماية مصالحها، وفى كتابها «عقيدة الصدمة»، تكشف الكاتبة الأمريكية نعومى كلاين، عن تغلغل الشركات العسكرية الخاصة وتعاقداتها فى أمريكا، عندما وصلت تعاقدات البنتاجون مع الشركات الخاصة عقب هجمات 11 سبتمبر، إلى 270 مليار دولار، بارتفاع قدره 137 مليار دولار، كما ارتفعت تعاقدات الاستخبارات الأمريكية مع الشركات الخاصة إلى 42 مليار دولار، أى أكثر من الضعف، وارتفع عدد الشركات العسكرية الخاصة إلى 543 شركة بعد كانوا شركتين فقط قبل هجمات سبتمبر. وعلى الرغم من موقفها القانونى، واعتبارها خارجة على القانون بحسب اتفاقية جينيف، إلا أن قدراتها باتت فوق أحلام بعض الدول، وهو ما كشف عنه الكاتب ب. دابليو سنجر، مؤلف كتاب «محاربو الشركات.. صعود الصناعات العسكرية المخصخصة»، فى تصريحات لصحيفة The Sun البريطانية، حيث كشف عن أن هذه الشركات العسكرية تعمل فى 50 دولة، وبعضها تمتلك قدرات لا يمكن للعديد من الدول إلا أن تحلم بها. وتنطوى ممتلكات تلك الشركات العسكرية الخاصة على الصناعات العسكرية المخصخصة ومئات الشركات وآلاف الموظفين، وتحقق عائدات بالمليارات. وليس غريبًا أن هذه الشركات العسكرية الخاصة شاركت فى حروب اشتعلت فى إفريقيا والبلقان وآسيا وأمريكا اللاتينية، وأصبحت عنصرًا رئيسًا فى الحروب العسكرية الأمريكية فى الآونة الأخيرة. أشهر الشركات العالمية Silentpro fessionals أو Black water سابقًا واحدة من أشهر شركات الأمن الخاصة العالمية، وهى أمريكية المنشأ ظهرت فى أعقاب الغزو الأمريكى على العراق، وهى تمتلك وتدير واحدة من أكثر وحدات التدريب الخاصة والعسكرية تقدمًا فى العالم. خفضت أكاديمى عدد عناصرها بعد عدة عمليات قتل خارج إطار القانون وخلافات أخرى أثارت غضب الحكومة العراقية، وهددت مهام الشركة. خارج الشرق الأوسط كانت أكاديمى تتولى حراسة شوارع نيو أورلينز بعد إعصار كاترينا، وحماية نظام الدفاع الصاروخى فى اليابان. ديفاين إنترناشيونال، وتستقطب الشركة آلاف المقاتلين من الدول النامية، وفى بعض الحالات يتقاضى هؤلاء المقاتلون 1000 دولار شهريًا فقط، ويقع مقر الشركة فى ليما، عاصمة بيرو، وتقوم بتجنيد وتدريب الأفراد وموظفى الخدمات اللوجستية والموظفين الإداريين وموظفى الخدمات المهنية لتقديم الخدمات فى جميع أنحاء العالم، كما تمتلك مكاتب فى الفلبين وسريلانكا والعراق، كانت عقودهم الرئيسية مع شركة تريبل كانوبى الأمنية الخاصة، وفريق وزارة الخارجية الأمريكية فى العراق. إيجيس لخدمات الدفاع، تمتلك شركة إيجيس للخدمات الدفاعية حوالى 5000 جندى يعملون مع الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة وشركات النفط. ظهر اسم هذه «الشركة العسكرية الخاصة» إلى العلن عام 2005 عندما اتهم أفرادها بإطلاق النار على مدنيين عراقيين. يقع مقر إيجيس فى اسكتلندا، وهى شركة رائدة فى مجال الأمن وإدارة المخاطر ولديها خبرة فى المشاريع فى أكثر من 60 دولة، ولديها قاعدة عملاء عالمية، بينها حكومات ووكالات دولية وقطاع الشركات الدولية. المستعربين فى اسرائيل وهذه وحدة تم تأسيسها فى ثلاثينات القرن الماضى فى البداية كانت مشاركة العرب الخونة المتعاونيين مع الصهاينة فى استهداف العرب المقاومين للجيش الصهيونى ثم كبرت هذه الوحدة وأصبحت تقوم بعمليات كبيرة من داخل الضفة الغربية لرصد حماس وحركة الجهاد والتجسس عليهم. كذلك يوجد وحدة سادات التركية، وهى مجموعة عسكرية هدفها الربح وليس تقديم مساعدات فقط للجيش التركى فى حروبه المختلفة، وغيرها من الجماعات والشركات فى مختلف دول العالم.. ولكن هل يمكن أن تواجه هذه الدول تمردًا مثلما حدث مع فاجنر؟ الإجابة فى الأغلب لا فلم تمنح تلك الدول قواتها من الشركات الأمن الخاصة والمرتزقة أيا من السلطة والقوة التى تراكمت لدى قوات فاجنر، لذلك، سيوفر تمرد قوات «فاجنر» دروسا لباقى الدول حول عدم تمكين القوات المرتزقة أكثر من اللازم، لكن بالتأكيد لن يتم التوقف عن استخدام المرتزقة والشركات الخاصة فى الحروب الخارجية تحديدًا فالتضحية برجل واحد من هذه الجماعات مهما كان تكلفته لن يكون بمثابة التضحية برجل من الجيش النظامى لأى من الدول ويبقى النظر إلى المرتزقة على أنهم أداة قيمة لن يتم الاستغناء عنها بأى حال فى الوقت الحالى.