فى الوقت الذى تتسارع فيه وتيرة الأحداث الدولية المعقدة فى عالم صار يلوح فى أفقه التعددية القطبية، عقدت قمة مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع (G7) اجتماعًا هو الأكثر متابعة من قبل وسائل الإعلام العالمية، إذ تعقد القمة فى ظل أحداث دولية، ربما تكون الأكثر تعقيدًا خلال عقدين من الزمن من مشرق الأرض لمغربها، ومن أقصى شمالها حتى أدنى الجنوب.. ورغم تنوع القضايا التى طرحت على طاولة المباحثات بين قادة مجموعة السبع، إلا أن تزايد النفوذ الصينى كان محور المناقشات الجماعية، والثنائية، وحتى تلك التى عقدت على هامش القمة، إذ صارت قوة «الصين» الواضحة فى كل المجالات، تحديًا يؤرق (الغرب) بقيادة «الولاياتالمتحدة»، وحلفائها الدوليين، لتنافس فى أهميتها تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية. إدانة «الصين» رغم إدانة مجموعة السبع للصين صراحة وضمنيًا فى عدة مناسبات خلال ثلاثة أيام عقدت فيها اجتماعات القمة، إلا أن التخبط فى التصريحات ظهر بين القادة؛ وذلك، لعدم رغبتهم فى تصعيد المشهد مع ثانى أكبر اقتصاد عالمى. فشدد قادة دول مجموعة السبع على معارضتهم - لما وصفوه- بالأنشطة العسكرية التى تمارسها «الصين» فى منطقة (آسيا-المحيط الهادئ)، إلا أنهم أكدوا -فى الوقت ذاته- إرادتهم بناء علاقات بنّاءة ومستقرة مع «بكين»؛ قائلين، إنه: «من الضرورى التعاون مع «الصين» فى ضوء دورها فى المجتمع الدولى، وحجم اقتصادها فى مواجهة التحديات العالمية، والمجالات ذات الاهتمام المشترك. وعبر قادة المجموعة عن قلقهم بشأن الوضع فى (بحر الصين الجنوبى والشرقى)، إذا قالوا فى البيان: «إننا نرفض بشدة كل المحاولات الأحادية لتغيير الوضع القائم عبر القوة أو الإكراه؛ مشددين على أهمية الأمن والاستقرار فى مضيق «تايوان».. وفى الوقت ذاته، أكدت المجموعة على عدم تغيير موقفها بشأن مبدأ (الصين الواحدة)!! أما فى السياق الاقتصادى، فاتفق قادة مجموعة السبع على إطلاق مبادرة جديدة لمواجهة -ما وصفوه- بالإكراه الاقتصادى؛ متعهدين باتخاذ خطوات، من أجل ضمان فشل محاولة أى طرف تحويل التبعية الاقتصادية إلى سلاح، فى إشارة لسياسات «الصين» الاقتصادية من وجهة نظرهم. فى المقابل، أبدت السلطات الصينية استياءها الشديد إزاء بيان مجموعة السبع، واتهمتها بالتدخل فى الشئون الداخلية للبلاد. من جانبه، ندد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بإصرار مجموعة السبع على التلاعب فى قضايا على صلة بالصين، وبتشويه سمعتها ومهاجمتها؛ بينما حذرت سفارة «الصين» فى «بريطانيا» فى بيان دول مجموعة السبع من أن أى أقوال أو أفعال تضر مصالح «بكين» ستقابل بإجراءات مضادة قوية وحازمة. الأزمة الروسية - الأوكرانية يبدو أن البصمة الصينية لم تبعد كثيرًا عن تلك الأزمة المشتعلة فى أقصى الشمال أيضًا، إذ وجه قادة مجموعة السبع دعوة إلى «الصين»، من أجل الضغط على «روسيا» لوقف عمليتها العسكرية، وسحب قواتها بشكل فورى وشامل وبدون شروط من «أوكرانيا». ولم يفوت قادة القمة هذا الحدث لإعلان دعمهم الكامل لأوكرانيا فى مواجهة «روسيا»؛ مؤكدين التزامهم بتكثيف الدعم الدبلوماسى، والمالى، والإنسانى، والعسكرى لكييف. هذا بالإضافة إلى دعوة الرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكى» لحضور القمة وعقد عددٍ من اللقاءات الثنائية مع قادة وضيوف الدول المشاركة، ناهيك عن حصول «زيلينسكى» على تعهدات جديدة بمعدات عسكرية جديدة، بالإضافة إلى وعد أمريكى بتسلم بلاده ذخيرة ومدفعية ومدرعات جديدة بقيمة 375 مليون دولار، إلى جانب إمداد القوات الأوكرانية بطائرات مقاتلة من طراز (F-16)، التى تطالب «كييف» بالحصول عليها منذ فترة طويلة، فى تحول كبير لسياسة الغرب بشأن الإمدادات العسكرية لأوكرانيا. فى المقابل، أعلنت المجموعة فرض حزمة عقوبات جديدة على «روسيا» بسبب عمليتها العسكرية، حيث أفاد بيان مجموعة السبع بأن القيود ستغطى صادرات الآلات الصناعية، والأدوات، والتكنولوجيا المفيدة للجهود الحربية الروسية، بينما ستُبذل جهود لخنق الإيرادات الروسية من تجارة المعادن والألماس. من جانبها، اعتبرت روسيا أن قمة مجموعة الدول السبع فى اليابان تحولت إلى عرض دعائي؛ منتقدة رسائلها المناهضة لدولتى «الصين»، و«روسيا».. حيث علق وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف»، إن قرارات دول (G7) تستهدف تطويقًا مزدوجًا لموسكو وبكين. أما نائب وزير الخارجية الروسى «ألكسندر جروشكو» فحذر من إمكانية أن يواجه الغرب مخاطر هائلة، إذا أمد «أوكرانيا» بطائرات (F-16)؛ معتبرًا أن دول الغرب لا تزال ملتزمة إزاء سيناريو التصعيد، وأن ذلك ينطوى على مخاطر هائلة عليها. التهديدات النووية ومن منطلق إدانة العملية العسكرية الروسية، حذر قادة دول مجموعة السبع من اندلاع حرب نووية لا يمكن الانتصار فيها؛ منددين بالتهديدات الروسية فى هذا الصدد، ونية السلطات الروسية لنشر أسلحة نووية فى «بيلاروسيا»؛ مؤكدين أهمية الحفاظ على سجل عدم استخدام الأسلحة النووية الممتد منذ 77 عامًا. وفى السياق ذاته، كان للصين نصيب من هذا التنديد النووى، إذ عبر القادة عن قلقهم - أيضًا من تعزيز «بكين» لترسانتها النووية. أما فيما يخص قدرات «إيران» النووية، فجددوا تصميمهم على منعها من تطوير السلاح النووى؛ معربين عن قلقهم العميق إزاء تصعيد «إيران» فى برنامجها النووى. وأكد بيان المجموعة فى هذا الصدد أن الحل الدبلوماسى هو أفضل طريقة لحل هذه المشكلة؛ داعين «إيران» إلى اتخاذ إجراءات فورية وملموسة، من أجل الوفاء بالتزاماتها القانونية السياسية، بما فى ذلك: التزاماتها المتعلقة بعدم الانتشار النووى. أزمة الكوريتين وفى سياق تطرق قادة المجموعة الى التهديدات النووية، فإنهم لم ينسوا أزمة الكوريتين، مع التركيز -تحديدًا- على تهديدات «كوريا الشمالية»، حيث جدد القادة تأكيدهم على التزامهم بتحقيق الهدف المتمثل فى تخلى «بيونج-يانج» تخليًا تامًا، ولا رجعة فيه، عن أسلحتها وبرامجها النووية الحالية، وأى أسلحة دمار شامل أخرى، وبرامج الصواريخ الباليستية. كما أدان بيان القمة بالعدد غير المسبوق لعمليات إطلاق الصواريخ الباليستية من جانب «كوريا الشمالية»؛ معتبرين أن بعض عمليات الإطلاق انتهكت العديد من قرارات مجلس الأمن. وطالب البيان «كوريا الشمالية» بالامتناع عن أى أعمال أخرى مزعزعة للاستقرار أو تصعيدية، بما فى ذلك أى تجارب نووية أخرى، أو عمليات إطلاق تستخدم تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، مما يقوض الاستقرار الإقليمى، ويشكل تهديدًا خطيرًا للسلم والأمن الدوليين، من وجهة نظرهم. كما شدد البيان أيضًا- على ضرورة أن تقابل هذه الأعمال برد دولى سريع، وموحد، وقوى، وبمزيد من الإجراءات على مستوى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. التحديات الدولية ورغم تصدر «الصين»، و«روسيا»، و«أوكرانيا» المشهد، إلا أن بيان قمة مجموعة السبع شمل تعليقهم على عدد من الأحداث الدولية، وإن لم تكن بنفس القدر من أهمية القضايا السابقة، ومنها: أزمة «السودان»، حيث أدانت المجموعة المواجهات الدائرة بين الجيش السودانى والدعم السريع، التى تهدد أمن وسلامة المدنيين، وتؤثر على استقرار المنطقة. وحث البيان الطرفين على إنهاء المواجهات فورًا دون شروط مسبقة، فيما دعا جميع الجهات الفاعلة فى «السودان» إلى نبذ العنف، واتخاذ خطوات فعالة، من أجل الحد من التوترات، وضمان سلامة جميع المدنيين، بمن فيهم العاملون فى المجال الإنسانى. كما أعرب قادة المجموعة عن قلقهم بشأن التهديدات المتزايدة للاستقرار فى «أفغانستان»؛ مجددين الدعوة لحركة طالبان إلى الوفاء بالتزاماتها فى مجال مكافحة الإرهاب، وضمان عدم استخدام أراضى «أفغانستان» لتهديد أو مهاجمة أى دولة، أو التخطيط لأعمال إرهابية أو تمويلها، أو لإيواء الإرهابيين وتدريبهم. ولأول مرة، يتطرق قادة مجموعة السبع لقضية برزت مؤخرًا على قائمة التحديات، وهى الوجه الآخر للذكاء الاصطناعى، التى لطالما حذر عدد من الخبراء منها طوال السنوات الماضية، إلا أن المجموعة اهتمت بالقضية مع تحذيرات شديدة اللهجة أصدرها عدد من رؤساء كبريات شركات التكنولوجيا حول العالم من مخاطر وتداعيات الذكاء الاصطناعى على البشرية. فأعلنت (G7) عزمها تشكيل مجموعة عمل للذكاء الاصطناعى قريبًا، من أجل قيادة المناقشات بشأن الاستخدام المسئول لهذه الأدوات والمخاطر التى تمثلها، بما فى ذلك المعلومات المضللة. كما أعرب قادة المجموعة عن إدراكهم لأهمية الإجراءات التى تعزز الشفافية، والانفتاح، والعمليات العادلة، والحياد، واحترام الخصوصية، والإدماج، من أجل تعزيز الذكاء الاصطناعى المسئول. فى النهاية، أوضح (الغرب) بقيادة «واشنطن» وحلفائها على مدار ثلاثة أيام متتالية ملامح سياساتهم، وأبرز التحديات التى يسعون لمواجهتها خلال المستقبل القريب.. فبرزت «الصين» التى لم تدخل فى أى مواجهة عسكرية مع أى دولة حتى الآن فى مقدمة التحديات، لتتجاوز تداعيات العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، واختبارات «بيونج-يانج» للصواريخ الباليستية فيما يخص أزمة الكوريتين، ناهيك عن التطور النووى الإيرانى، وتهديدات «طالبان» الإرهابية.