شكلت الأضرحة جزءاً أصيلاً من الوجدان الشعبي المصرى والموروث الثقافى على مدار قرون متعاقبة، لذا كانت حاضرة فى العديد من الأعمال الأدبية والفنية، وظلت مثاراً للجدل والنقاش خصوصاً فيما يتعلق بالتبرك بأضرحة آل البيت والأولياء الصالحين. «روزاليوسف» تستعرض أهم تلك الأفلام، وأحدث الروايات والكتب المتعلقة بها، وسبب التعلق الشديد بتلك الأضرحة، وتأثيرها على المجتمع، والنصب باسم الصوفية، وجهود الدولة لترميم هذا الإرث الثقافى والسياحى الكبير. الأضرحة فى السينما تدور أحداث فيلم «صاحب المقام» عام 2020، للكاتب إبراهيم عيسى، حول يحيى (آسر ياسين) المنعم بالثروة، ويقرر هدم مقام «سيدى هلال» الذى يرتاده الزوار؛ من أجل إنشاء منتجع سياحى، وسرعان ما ينفذ ذلك، لتنقلب الأمور رأسا على عقب ويخسر يحيى بالبورصة ثم تحترق فيلته بالساحل الشمالى، قبل مرض زوجته راندا (أمينة خليل) المفاجئ، ويصبح الأمل الوحيد فى امرأة غامضة وهى روح (يسرا) التى توجهه من خلال عملها بالمستشفى لزيارة الأضرحة وتحقيق أمنيات البسطاء والفقراء. لم يكن فيلم «صاحب المقام» الذى أثار ضجة بسبب أحداثه، الفيلم المصرى الوحيد الذى اهتم بالروحانيات والمقامات والأضرحة؛ فهناك العديد من الأفلام التى تعبر عن قناعة عدد كبير من المصريين الذين يتبركون بالأولياء والأضرحة، وهذه الأعمال دائما ما تخلق حالة نقاش ضخمة حول فكرتها. وظهر فى فيلم «حسن ومرقص» عام 2008، للمؤلف يوسف معاطى، المقام فى أكثر من مشهد، وهو فيلم اجتماعى يتناول مسألة الوحدة الوطنية. وأيضا فى الفيلم «سارق الفرح» عام 1995 يعيش عوض (ماجد المصرى) فى أزمة عاطفية، حيث رفض والد حبيبته أحلام (لوسى) أن يزوجها له إذا لم يدبر 500 جنيه وذلك خلال أسبوع، فهناك خطاب آخرين أثرياء. وفى طريقه لمحاولة تدبير النقود، كانت إحدى وسائله هى الذهاب إلى الضريح المقام فوق تلة الجبل، وظل يبتهل إلى الضريح أن يعطيه، وبالفعل تسقط فوقه فى إحدى المرات علامة، وهى عبارة عن مخلفات إحدى الطيور، والتى تعرف فى الموروث الشعبى لدى البعض أنها تعنى الرزق واستجابة الدعاء. ورأينا فى فيلم «الكيت كات» عام 1991 لداود عبدالسيد، السيدة التى غاب عنها زوجها فى السفر، فتذهب إلى ضريح الحى الشعبى، وتدعو أن يكون يوسف (شريف منير) ابن الشيخ حسنى من نصيبها، وأن يتقرب منها، ويظهر الفيلم فيما بعد أن الدعاء قد استجيب، وتتوطد علاقتهما. وتدور أحداث فيلم «للحب قصة أخيرة» عام 1986، حول ضريح «التلاوى» وإيمان الناس الشديد بقداسته، فيقيمون له الموالد ويتبركون به، ويعرض الفيلم خوف سلوى (معالى زايد) على حياة زوجها؛ بسبب مرضه، ورغم عدم إيمانها بالمعجزات تلجأ للتبرك بالشيخ «التلاوى» والقديسة «دميانة»، ويتفق رفعت (يحيى الفخرانى) مع صديقه الدكتور لإيهام سلوى بأن هناك خطأ فى التشخيص وأنه سليم، فتعتقد أن المعجزة تحققت. وفى الفيلم «قنديل أم هاشم» عام 1968، يعيش الطالب إسماعيل (شكرى سرحان) فى حى السيدة زينب، ثم يسافر لاستكمال دراسة الطب فى الخارج؛ وهناك يتعرف على فتاة ألمانية تغير من طريقة تفكيره، ثم يعود ويفتح عيادة فى نفس الحى، ليكشتف أن سبب زيادة مدة المرض عند مرضاه هو استخدامهم قطرات من زيت قنديل المسجد، وعندما يكتشف أيضًا أن خطيبته تعالج بنفس الأسلوب يحطم قنديل المسجد، ويقاطعه مرضاه وأهله؛ لاعتقادهم أنه يتطاول على معتقداتهم الدينية. وقبلها بعام فى فيلم «الزوجة الثانية» لصلاح أبوسيف، قرر كل من الزوجين أن يذهبا إلى ضريح «السيد البدوى»، والدعاء لله والتشفع باسمه من أجل أن يرد عنهما شرور العمدة الذى قرر فجأة أن يفصل بين الزوجين، والزوج هنا ضعيف وعليه مغادرة القرية بعد أن سلبه العمدة بيته، فليس هناك شخصا كبيرا يلجأ إليه كى يفصل ما بينه وبين العمدة. وفى فيلم «بين القصرين» المأخوذ عن رواية الأديب العالمى نجيب محفوظ - عام 1964 - عرض لجوء الطفل كمال إلى ضريح «الحسين»؛ ليلتمس إليه أن يرد أبوه أمه إلى المنزل بعد أن طردها منه، بسبب قناعته الشديدة ببركات صاحب المقام. روايات ومقامات من الروايات التى تتحدث عن المقامات بشكل صريح هى رواية «مقام الفيضان» للدكتور طلعت شاهين، وتتناول الرواية تطور إحدى القرى المصرية فى الصعيد، ومن خلال بطلة الرواية العجوز تنطلق الأحداث، فبعد مغادرة أبنائها القرية تحاول أن تصنع حياة جديدة لتصل أن تكون مركز حياة مصر المعاصرة. وتتذكر شقيقها الذى غيبه الفيضان منذ زمن، وتتحول فكرة زيارة شقيقها لها فى المنام لأربعين يوما إلى بناء مقام وإقامة مولد سنوى ينشر بركاته على حياة القرية، لتدب حياة جديدة تعود على بطلة الرواية بالخيرات، ويظهر بعد ذلك أناس يرتدون ملابس مختلفة عن زى أهل الصعيد، ويحاولون نشر أفكار غريبة من خلال استغلال بركات المقام للوصول إلى أهداف أخرى. وتناقش رواية «مقام عطية» للكاتبة سلوى بكر، كيف يتحول قبر عادى لامرأة عادية إلى مزار ومقام، وتتحول هى إلى صاحبة كرامات ومعجزات يتحاكى عنها كل من آتاها ملبيا! فالقصة تتعدى حدود المقام والمقابر إلى عالم الآثار وما يحدث فيه من تلاعب. وبطلة الراوية هى الصحفية «عزة يوسف» التى تعمل كمحررة فى مجلة الصباح، ويكلفها رئيس التحرير بالتنقيب حول قضية مقام «الست عطية» الذي تشوبه الغرابة والعديد من التساؤلات الغامضة، وتتوالى الأحداث. وفى كتاب «على عتبة المقام» للكاتبة سهير عبدالحميد، توضح هنا الكاتبة نشأة وتطور دولة الأولياء والمشايخ الذين صنعوا عالما من الأكاذيب والأوهام، الكرامات والخزعبلات، وكيف تلقفهم الساسة فى بعض الفترات التاريخية؛ ليروضوا بأفكارهم عقول الرعية، وكانت البداية على يد السلطان صلاح الدين الأيوبى مرورا بالمماليك ثم العثمانيين. وأخيراً فى رواية «النقشبندى» - التى فازت بجائزة خيرى شلبى عام 2021 - للكاتبة رحمة ضياء، تأخذنا الكاتبة فى رحلة ثرية مع أشهر المنشدين، بما فيها من جوانب كثيرة وغامضة ومشوقة، مع المزج بين الجانب التوثيقى والتخيلى، لتقديم جانب غير مروى عن شخصيته، وتغوص فى عوالم الصوفية، كما تكشف أيضا ملمحاً من تقلبات النفس البشرية. السياحة الدينية تقول فاطمة أمين، مدرس مساعد فى قسم الإرشاد السياحى بكلية الآثار، جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا: إن هناك فرقاً بين الضريح والمقام، فتقول إن المقام هو المكان الذى أقام فيه شخص صالح وطالت إقامته، أو مكان وضع به قدمه، أو جلس فيه أو مر من عليه، ويزار للتبرك به. أما الضريح فهو مبنى يبنى على قبر أو مقام لأحد الأولياء تخليداً لذكراه. وتستكمل: الاختلاف بين المَقام والضريح ليس بالضرورة أن يكون المَقام مكان دفن أو قبر؛ بل من الممكن أن يصبح مكان إقامته في يوم من الأيام، أو مكان ممارسة الطقوس الدينية، أو مكان مر عليه في يوم من الأيام، ومن ثم اشتهر بين الناس على أنه أحد مقاماتهم فيشيد على هذا المكان بناء أو مكان عبادة دينى لكى يزوره الناس، وفى وقتنا الحالى يحدث اختلاط بينهما، ويطلق اسم الضريح على المقام. وترى أن ما يحرك الزوار لمصر تجاه السياحة الدينية والآثار الإسلامية، هو الفضول وحب المعرفة عن الإسلام والمعتقدات الإسلامية، والتعرف على التاريخ الإسلامى من خلال الآثار والقصص التى تروى حول هذه الآثار، فيدفعهم ذلك للتحول بمفردهم أو مع مرشد لرؤية المساجد ودخولها، مع العلم أن القرن التاسع عشر كان بداية دخول الأجانب للمساجد ورؤية ما بداخلها. أما بالنسبة للآثار القبطية واليهودية، فالدافع كان دائما التحقق من المناطق المذكورة في التوراة والإنجيل وزيارتها. وللسياحة الدينية أهمية في لفت النظر للمناطق التراثية المهملة، وتسليط الضوء عليها والاهتمام بها وتنميتها. وتشير أمين، إلى أبرز الأماكن التى يرتادها الزوار في مصر فيما يخص السياحة الدينية، حيث إن أشهر المحافظات زيارة: القاهرة والإسكندرية وسيناء، سواء كان الزوار من مصر أو من خارجها، فيحرص الكثيرون على زيارة الآثار الدينية. ومن أشهر الأماكن: شارع المعز الفاطمى (كمسجد الحاكم ومجموعة السلطان قلاوون)، الحسين والأزهر، المسجدين المشهورين (السلطان حسن والرفاعى)، منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة، مسار العائلة المقدسة (مسجد عمرو بن العاص، الكنيسة المعلقة، والمعبد اليهودى)، وهناك اتجاه هذه الأيام لزيارة الأماكن الأقل شهرة كالقرافات، منطقة الشافعى، منطقة المقطم (أضرحة الأولياء /دير الأنبا سمعان)، التجول ومشاهدة مساجد فى شوارع قديمة كمساجد الدرب الأحمر، وسوق السلاح المتفرعة من ميدان القلعة (كالجامع الأزرق ومسجد فاطمة النبوية). النظرة الصوفية من جانبه، يقول الدكتور عبد الحليم العزمى، الأمين العام للاتحاد العالمى للطرق الصوفية، إنه في العقود الماضية، كانت هناك حملة ممولة ضد التصوف وزيارة الأضرحة برعاية دول إقليمية، ألقت بظلالها على الأعمال الفنية والأدبية ضد التصوف، وكان يتم مهاجمة زيارة الأضرحة والتصوف بصورة فجة، فضلاً عن إظهار التصوف بصورة غير حقيقية لتنفير الناس منه، لكننا لمسنا اختلافًا في التناول بعد ثورة 30 يونيو 2013. ويضيف أنه نظراً لتلك الأسباب مجتمعة، ظهرت العديد من الأعمال الدرامية والسينمائية التى تظهر الوجه الروحانى للمجتمع المصرى، وتلمح إلى أن الحل للمشاكل الروحية والمادية لهذا العصر عند الصوفية، فوجدنا فيلم «مولانا» وهو ينفض الاتهامات الباطلة عن الصوفية، ثم فيلم «صاحب المقام» الذي أظهر كرامات الأولياء، ومسلسل «جمال الحريم» الذي أوضح أنه لا حل للمشاكل النفسية والروحية إلا عند الصوفية والأولياء.. وغيرها، وكان أكثر هذه الأعمال الفنية مبنية على روايات تناولت التصوف والأولياء بنفس التناول. وإن كانت هناك أعمال فنية لا داعى لذكر أسمائها، ما زالت تطعن في الصوفية والأولياء، لكنها بصورة مستترة، وليس بالصورة الفجة التي عقدناها في العقود الماضية. ويشير إلى أن السياحة الدينية بالطبع تفيد مصر كثيرًا، فمصر حباها الله بروضات اثنين من أحفاد رسول الله: الإمام الحسين والسيدة زينب رضي الله عنهما، بالإضافة إلى مئات الأضرحة للأولياء وآل البيت، وكلها إذا وضعت في خطة سياحية، مثل خطة رحلة العائلة المقدسة، ستؤتي بالكثير من الدخل لمصر، وقد يصل العائد منها لمليارات الدولارات سنويًا. ويقول: لمسنا فى السنوات الأخيرة جهودًا حثيثة من الدولة المصرية لترميم وتطوير مقامات وأضرحة أهل البيت، كما تابعنا المخططات الجديدة لتطوير مساجد: الإمام الحسين، السيدة زينب، السيدة نفيسة والسيدة عائشة، ووجدنا فيها نية صادقة في تطوير هذه المشاهد، وإعطائها جزءًا مما تستحق من مكانتها التاريخية والدينية. ويؤكد على أن هناك نصابين انتشروا هذه الأيام تحت مسمى «خبراء الطاقة»، الذين يدعون علمهم بعلم الطاقة ويقرأون الطالع والفنجان والكف، وهؤلاء ليسوا من الصوفية، وليس لهم علاقة بالتصوف وأهله، وإنما هم مدعون وجدوا ميلاً فى المجتمع للتصوف، فذهبوا ليجلسوا على المقاهى حول مساجد أهل البيت، وبدأوا ينصبون على الناس بهذه الصورة. وبالإضافة لذلك، هناك ظاهرة بدأت تنتشر نتيجة غلق مقامات الأولياء وأهل البيت، وهى ظاهرة «الكازينوهات الدينية»، وهي عبارة عن مقاهٍ بعضها في بيوت أو على الأسطح، فى الأحياء القريبة من مساجد أهل البيت، يتم فيها تقديم المأكولات والمشروبات، ويقوم مطرب بالإنشاد الدينى، تمامًا كما فى الكازينوهات الليلية لكن مع عدم تقديم الخمور، ويدعى أصحابها أنهم متصوفة، وليس لهم علاقة بالتصوف. الإباحة بشرط من جانبه يوضح الشيخ محمود حمودة، عضو لجنة الفتوى، وأحد علماء الأزهر الشريف، حكم الصلاة فى مسجد فيه قبر، فيقول: روى البخارى ومسلم فى أكثر من حديث أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وتحدث العلماء عن هذه الأحاديث فقال بعضهم: محل الذم أن تتخذ المساجد على القبور بعد الدفن، وليس ذلك مذموما إذا بنى المسجد أولا وجعل القبر فى جانبه ليدفن فيه. ويتابع: والأئمة الثلاثة قالوا بصحة الصلاة وعدم كراهتها، إلا إذا كان القبر أمام المصلى فتكون مكروهة مع الصحة. أما أحمد بن حنبل فهو الذى حرم الصلاة وحكم ببطلانها، ومحل هذا الخلاف إذا كان القبر فى المسجد، أما إذا كان مفصولا عنه والناس يصلون فى المسجد لا فى الضريح أو الجزء الموجود فيه القبر فلا خلاف أبدا فى الجواز وعدم الحرمة أو الكراهة. وأختار أنه إذا كان القصد من الصلاة إلى القبر تعظيمه فهى حرام وباطلة بصرف النظر عن وضع القبر، وإذا انتفى هذا القصد كانت مكروهة مع الصحة إذا كان القبر أمام المصلى وإلا فلا كراهة. ويؤكد على أن النذر لأصحاب الأضرحة والأولياء والصالحين باطل بالإجماع؛ لأنه نذر لمخلوق وهو غير جائز لأن النذر عبادة وهى لا تكون لمخلوق أبدا. وإذا ظن الناذر أن الميت يتصرف فى الأمور دون الله فاعتقاده ذلك كفراً، إلا إذا قال إنه ينذر لله إذا شفى مريضه أو قضى حاجته أن يطعم الفقراء الواقفين بباب السيدة نفيسة أو الإمام الشافعى، إلخ.. مما يكون فيه نفع للفقراء فيكون جائزاً. 2 3 4