عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم في مستهل التعاملات الصباحية الثلاثاء 7 مايو 2024    ملف العمل في "الجمهورية الجديدة"| الحلقة العاشرة.. "وزارة العمل والتحول الرقمي والإلكتروني"    حدث ليلا.. معارك في رفح الفلسطينية ومقتل 266 جنديا إسرائيليا منذ بدء العدوان    الإعلام الأجنبي يعلق على بيان حماس بشأن هدنة غزة.. ماذا قال؟    «القاهرة الإخبارية» تعرض لقطات لفض شرطة الاحتلال بالقوة المظاهرات في تل أبيب    «الأرصاد» تحذر من تغير مفاجئ في حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    ياسمين عبدالعزيز: كنت شقية في المدرسة.. وقررت تكون شخصيتي عكس أمي    ياسمين عبدالعزيز: ولادي مش بيحبوا «الدادة دودي» بسبب مشاهد المقالب    7 تصريحات نارية ل ياسمين عبدالعزيز في «صاحبة السعادة».. اعرفها    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    مصطفى شوبير يتلقى عرضا من الدوري السعودي.. الحقيقة كاملة    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    سعر الحديد والأسمنت اليوم في مصر الثلاثاء 7-5-2024 بعد الانخفاض الأخير    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    كاسونجو يتقدم بشكوى ضد الزمالك.. ما حقيقة الأمر؟    العاهل الأردني: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بالتسبب في مجزرة جديدة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    لا تصالح.. أسرة ضحية عصام صاصا: «عاوزين حقنا بالقانون» (فيديو)    صندوق إعانات الطوارئ للعمال تعلن أهم ملفاتها في «الجمهورية الجديدة»    التصالح في البناء.. اليوم بدء استلام أوراق المواطنين    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    النيابة تصرح بدفن 3 جثامين طلاب توفوا غرقا في ترعة بالغربية    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال اليوم بعد إصابته أمام فيوتشر    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    استبعادات بالجملة وحكم اللقاء.. كل ما تريد معرفته عن مباراة الأهلي والاتحاد السكندري    برلماني يطالب بإطلاق مبادرة لتعزيز وعي المصريين بالذكاء الاصطناعي    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    القومية للأنفاق تبرز رحلة بالقطار الكهربائي إلى محطة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية (فيديو)    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نساء فى حياة الأنبياء «ميكال».. التقية الصالحة: النبى داوود المُلك وتسبيح الطير! "9"
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 05 - 09 - 2021

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
فى الروايات أن النبىَّ دَاوُودَ عليه السلام تزوج من تسع نساء، وكانت «ميكال» ابنة شاول هى الزوجة الأولى له.. وقصة ارتباط النبىِّ دَاوُودَ بزوجته ميكال حدثت عندما كان فى الثالثة عشرة من عمره خرج يرعى أغنام أبيه، وأصبح يراقب إخوته الذين خرجوا للقتال فى جيش طالوت ضد جيش جالوت، وعندما تبيّن أن جُند جالوت الأكثر عددًا؛ لم يجرؤ أحدٌ على قتال جالوت سوى النبىِّ دَاوُودَ عليه السلام، فسقط جالوت قتيلًا بسهام النبىِّ دَاوُودَ عليه السلام، وفَرّ جيشُه هاربًا، وانتصرت القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة، وأراد طالوت أن يكرمه فزوّجه ابنته الوحيدة «ميكال»، وكانت الزوجة التَّقيَّة الصالحة.
فى القرآن أن دَاوُودَ أتاه الله المُلك أولًا ثم النبوّة، فلقد كان قَتْلُ دَاوُودَ لجالوت هو الطريق لأن يكون المَلك: (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ)، البقرة 251.
وفى الروايات اشتهر النبىُّ دَاوُودُ بأنه صاحب المَزامير، وفى القرآن الكريم للنبىِّ دَاوُودَ عليه السلام كتاب هو الزَّبُور: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)، الإسراء 55.
طبيعة الرسالة:
أقام النبىُّ دَاوُودُ دولة بنى إسرائيل وحَكمها بعده ابنُه النبى سليمانُ، وقد كان ابتلاؤهما بالنعمة وليس بالشدائد، وقد تركزت عقيدة «لا إله إلا الله» فى بنى إسرائيل بتوالى الرُّسُل والكتب السماوية، ولذلك فإن الكتاب السماوى الذى نزل على النبىِّ دَاوُودَ عليه السلام لم يركز على الدعوة إلى توحيد الله بقدر تركيزه على النواحى العلمية والإعجازات التى أعطاها تعالى لدَاوُودَ وورثها ابنه سليمان عليهما السلام ضمن الكتاب السماوى الزَّبُور.
يقول تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)، النساء 163، فى الآية تمييز للنبى داود بالنسبة للكتاب المُنزل عليه، وتكرّر ذلك فى قوله تعالى: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)، الإسراء 55، فقد مَيّز تعالى النبىَّ دَاوُودَ عليه السلام بكتاب الزَّبُور.
وكلمة الزَّبُور فى اللغة العربية تعنى الكتاب، ويأتى كوصف للكتب السماوية: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ)، آل عمران 184، ويقول تعالى عن القرآن الكريم: (وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)، الشعراء 196، بمعنى أن ما جاء فى القرآن جاء فى الكتب السابقة، وبمعنى كتاب الأعمال التى تسجلها الملائكة للناس: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِى الزُّبُرِ)، القمر 52.
ويطلق الزَّبُور على الكتاب الذى أعطى لداوود وسليمان، وهو كتاب فيه آيات التوحيد والإخبار عن المستقبل: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِى هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ)، الأنبياء 105-106.
الزَّبُور والمعجزات:
تحدَّث تعالى عن آيات ومعجزات النبيَّيْن داوود وسليمان: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ)، الأنبياء 79-82.
قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)، النمل 15. وقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)، سبأ 10-13.
وقال تعالى: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)، ص 17-20.
فالنبىُّ داوود قد أعطاه تعالى معجزات إدراك تسبيح الطير والجبال وصناعة الحديد، أمّا ابنُه سليمانُ فقد أعطاه تعالى تسخير الريح وتسخير الشياطين والجن ومعرفة منطق الطير أو لغة الطيور وإسالة أو إذابة النحاس.
وواضح أن المعجزات منها ما يقع خارج إمكانات البشر مثل تسخير الشياطين والجن ومعرفة تسبيح الطير والجبال، ومنها ما يقع فى إمكانات البشر مثل صناعة الحديد وإذابة النحاس، والزَّبُور أو ذلك الكتاب العلمى الإلهى هو الذى مَكّن النبىَّ دَاوُودَ من ذلك التسخير وتلك المعرفة.
وعندما ورث ابنه سليمان ذلك الكتاب توسّع فى الاستفادة به؛ بل كان هناك من المحيطين به مَن يستطيع استعمال نفس الكتاب (الزَّبُور) وقد استطاع به أن يحضر عرش مَلكة سبأ فى أقل من لمْح البَصر، أى كانت له قدرة الإفلات من قبضة الجاذبية الأرضية واستحضار الأشياء بأسرع من سرعة الضوء، وتلك مرحلة يتمنى البشر الوصول إليها.
الزَّبُور والسُّلطان:
المعنى المفهوم أن هذا الكتاب (الزَّبُور) هو السُّلطان أو القدرة الذى به يمكن الإفلات من قبضة الزمن والجاذبية، أى بهذا السُّلطان يستطيع الانسانٌ والجنُ الخروجَ من أقطار السماوات والأرض: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)، الرحمن 33، ومن دون هذا السُّلطان يتعرض البشر للاحتراق والفناء فى طبقات الفضاء: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ)، الرحمن 35.
لو كان هذا مستحيلًا على البشر لما جاء رَبُّ العزة بالاستثناء (إِلَّا بِسُلْطَانٍ)، أى أنه فى نطاق الممكن وفى إطار مشيئة الرحمن يمكن للبشر الوصول إلى الإحاطة ببعض علم الله تعالى فى هذا الكون: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء)، البقرة 255.
وربما يستطيع البشر تحقيق ذلك قُبَيل قيام الساعة حين تأخذ الأرض زخرفها وتتزين ويظن أهلها أنهم قادرون عليها: (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، يونس 24.
وقدر فى السرد:
المعجزة فى كتاب الزَّبُور أنه لم يخبر فقط عن معلومات أو حقائق سابقة لعصرها؛ وإنما كان يتبعها تطبيق تلك الحقائق على أرض الواقع، فالمكتوب فى الزَّبُور عن تسخير الجاذبية والخروج منها تم تطبيقه فى نقل عَرش مَلكة سبأ، والمذكور عن الحديد وعن النحاس تم تطبيقه فى الصناعة، وهكذا فى تسخير الجن والشياطين والكلام مع الطيور والنمل.
وعن التطبيقات الممكن تنفيذها: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)، سبأ 12، وذلك عن معجزة النبى سليمان فى إذابة ليس النحاس ولكن عين النحاس، بمعنى التحكم فى تركيبه الذّرّى بالإذابة.
وعن استعمال النبى داوود لعنصر الحديد: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)، سبأ 10، ليس إذابة الحديد وتسييله؛ ولكن تطويعه بطريقة يمكن بها تحويل الحديد إلى ملابس لينة مريحة يرتديها البشر: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ)، سبأ 10-11، بمعنى اعمل من الحديد دروعًا كالملابس يرتديها الإنسان فلا تعوق حركته.
ولفهم طبيعة التدرُّج العلمى فى التاريخ نقرأ قوله تعالى للنبى داوود: (وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ)، بمعنى التقدير فى الحساب وعمل خطة يتم على أساسها تطبيق عملى لشىء جديد، هذا التقدير يتعامل مع واقع الناس بكل ظروفه.
أمَّا السَّردُ فهو التتابُع الزمنى فى الأحداث من خلال قصة أو حادثة تاريخية، لقد أمَرَ تعالى النبىَّ دَاوُودَ عليه السلام وهو يقوم بتطبيق الآيات السابقة لزمنها أن يراعى ويُقدّر الزمنَ الذى يعيش فيه الناس؛ لأن ثقافة الناس وظروفهم لا تستوعب هذا التقدم والذى ستصل إليه البشرية بعد قرون، ووقتها سيعتاد عليه الناس لأنهم أصبحوا مؤهلين لهذا التقدم، وكان على النبىِّ دَاوُودَ وهو يصنع من الدروع الحديدية ملابس لينة للناس أن يُعلمهم كيفية استعمالها.
لقد مدَح تعالى النبىَّ دَاوُودَ عليه السلام: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، ص 17، وفى قوله تعالى عن النبىِّ دَاوُودَ (عَبْدَنَا دَاوُودَ)، (ذَا الأَيْدِ)، بمعنى صاحب القوة الايمانية، (إِنَّهُ أَوَّابٌ)، بمعنى كثير الرجوع والخشوع لله تعالى.
وفى قوله تعالى: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)، ص 24، بمعنى يسارع بالركوع لو تخيَّل وقوعَه فى ذنب، ولذلك قال تعالى عن مكانته وجزائه يوم القيامة: (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ)، ص 25.
12


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.