الزبور هو أحد معجزات نبيِّ الله داوود عليه السلام، فقد قال تعالى حاكيًا عنه: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}. وقد أشار القرطبي في تفسيره إلى أنَّ الزبور هو كتاب النبيِّ داود -عليه السلام- وقد كان يحتوي على مئة وخمسين سورة لكن لا يوجد فيها أحكام تعلَّق بالحلال والحرام، بل عبارة عن مواعظ وحكم، وهو أحد الكتب السماوية الأربعة التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه عليهم السلام. الحكمة البالغة وفصل الخطاب آتى الله تعالى داوود -عليه السلام- الحكمة وفصل الخطاب؛ حيث قال تعالى في كتابه العزيز: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} والحكمة تعني النبوّة، وقيل هي السنّة أو علم السنن، أمّا فصل الخطاب فقد عبّر عنه السلف بأكثر من معنى، فقيل هو: القضاء والفهم به، وعلم القضاء، والفهم بشكل عام، وقيل هو إصابة البيّنات وتكليف المدّعي بالبيّنة وتكليف المدّعى عليه باليمين، وقيل هو الأيمان والشهود. إلانة الحديد بين يديه ليّن الله تعالى الحديد بين يدي نبيّه داوود وقال مخبرًا عن هذه المعجزة: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. فكان داوود - عليه السلام- يفتل الحديد بين يديه كما يُفتل القطن ويُلفه، وهذا يتصل بعمله حيث كان يعمل صانعًا للدروع، فساعدته هذه المعجزة في عمله، فقد كانت الدروع قبل داوود تُصنع من الصفيح وتكون قطعة واحدة، فغيَّر داوود في شكلها وجعلها من الحديد الصلب الشديد، وعلى شكل رقائق ليّنة مموّجة، كما علّمه الله تعالى أن يثقب الدرع ثقبًا لا يزيد عن حجم المسمار فيكون ذلك أكثر متانة وجودة. تسبيح الجبال والطير معه من معجزات داوود -عليه السلام- تسبيح الجبال والطير معه، حيث قال تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ* وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ}، وقال أيضًا: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَٰجِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُۥ وَ0لطَّيْرَ}. وسبب تسبيح الجبال والطيور مع داوود هو أنّ الله تعالى قد آتاه صوتًا حسنًا ومنطقًا جميلًا، فكان عندما يقرأ في الزبور تسمع الجبال والطيور قراءته فتجيبه، فإذا سبّح سبّحت وذكرت الله معه. وقد قال رسول الله -صلى اله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "يا أبا مُوسَى لقَدْ أُوتِيتَ مِزْمارًا مِن مَزامِيرِ آلِ داوُدَ". وهذا يدلّ على عذوبة صوته وحلاوته، وقال العلماء: إنّ المقصود بالمزمار هنا: الصوت الحسن، وآل داوود هم داوود نفسه، حيث يجوز في اللغة العربية أن يُعبّر عن الشخص نفسه بكلمة الآل. وفي هذه المعجزة بيان لفضل داوود وهو بلوغه مرتبة عالية جدًا في القرب من ربّه، والشفافية مع مخلوقات الله، فكان تجرّده لله وحده وسيلة لانزياح الحجب أمامه وانكشاف المستور، فالتقت معه المخلوقات في تمجيد خالقها.