لقد أنزل الله -تعالى- كتاب الزبور على نبي الله داود عليه السلام، حيث يقول تعالى في كتابه العزيز: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}. وقال تعالى أيضًا مؤكدًا على أنَّ الزبور قد أنزل على داود عليه السلام: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}. وقد وهبَ الله تعالى لنبيِّه داود -عليه السلام- صوتًا حسنًا؛ فكان يقرأ من الزبور فيجتمع حوله الخلق من الإنس والجن والطيور والوحوش لحسن صوته.[2] فقد أشار الله تعالى في الآية إلى أنَّه فضَّل بعض الرسل على بعض، فقد اتَّخذ إبراهيم -عليه السلام- خليلًا له، وكلَّم موسى تكليمًا وكرَّم عيسى بأن جعله مثل آدم حين خلقه من تراب ووهب سليمان ملكًا عظيمًا لن يكون لأحدٍ من بعده مثله عليهم السلام أجمعين، وأمَّا داود -عليه السلام- فأحد الأمور التي فضَّله بها هو كتاب الزبور الذي آتاه إياه تعالى. لماذا سمي كتاب الزبور بهذا الاسم؟ وسمي كتاب الزبور بهذا الاسم نسبةً إلى الزُّبُر، وتأتي كلمة الزبُر بمعنى الكتابة، ويكون معنى الزبور هو المكتوب، كما في قولهم الرَّسول والرَّكوب من الرّسالة والرُّكوب، كما قرأها بعض القراء زُبُورًا، بضمِّ الباء والزاي، وهو جمع كلمة "زَبْر"، كما في فَلْس وفُلُوس، فتأتي كلمة زُبور بالضم بنفس معنى زَبور بالفتح، وتدلُّ كلمة زبور أيضًا على التوثيق؛ فيكون سبب تسمية كتاب الزبور بهذا الاسم نسبة إلى قوة الوثوق به. إلى ماذا يدعو كتاب الزبور؟ يتألف كتاب الزبور -كما مرّ- من مئةٍ وخمسين آية، لم تتضمَّن أحكامًا فيما يخصُّ الحلال والحرام كما في في القرآن الكريم، وإنَّما هي عبارة عن مواعظ وحكم أنزلها الله تعالى، وليس فيها حدود ولا فرائض. ولمّا كان كتاب الزبور واحد من الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى فإنَّه يدعو إلى التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له سبحانه، وتلك غاية جميع الكتب السماوية؛ إذ يقول تعالى في كتابه العزيز: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. بالإضافة إلى الإيمان بالغيب والرسل والبعث والنشور واليوم الآخر، كما كان يدعو إلى الالتزام بالقواعد العامة التي أرادها الله تعالى لعباده، والتي يجب على البشرية أن تعرفها وتلتزم بها.