الثورة التى تجتاح ليبيا خلال هذا الأسبوع أخذت طابعا مختلفا عن الثورات الشعبية التى هبت فى أكثر من بلد عربى معبرة عن يقظة الأمة العربية للتحرر من قهر بعض الأنظمة التى ركزت كل اهتمامها على مصالحها الذاتية دون اهتمام بأحوال الجماهير التى عانت من البطالة والجهالة والفقر. ونظام ليبيا هو أقدم الأنظمة فى المنطقة، إذ دام حوالى 42 عاما دون تغيير.. انفرد فيها معمر القذافى بالقيادة وحده دون زملائه الذين شاركوا معه فى ثورة الفاتح من سبتمبر وطبق العقيد القذافى تجارب من أجل نظام جديد للحكم اختار له اسم الجماهيرية.. واعتمد على تشكيل لجان شعبية بدلا من وزارات.. واعتبر ذلك قمة الديمقراطية. لذا كانت ثورة الشعب الليبى موضع تساؤل عند الكثيرين الذين جسمت لهم الدعاية الليبية قبول الشعب لأساليب العقيد.. وكانت اختباراً لأسلوب القذافى فى التعامل مع شعبه. وعندما ثار الشعب الليبى ضد السيطرة والهيمنة التى دامت عقودا طويلة.. كان ذلك تعبيرا عن المطالبة بحقوق ديمقراطية ومن أجل حياة إنسانية يتمتع فيها بخيرات وطنه الوفيرة وكانت مواجهة النظام الحاكم لثورة الشعب مفرطة فى قسوتها مما أدى إلى استشهاد وجرح المئات والاعتماد على سابقة خطيرة وهى استعانة النظام بالمرتزقة لقمع المتظاهرين من الشعب الليبى مما يدل على استمساك الحكام بمواقعهم رغم رفض الشعب لهم، مهما كان الثمن، حتى وإن كان ذلك الثمن هو دمار بلدهم وإبادة شعبهم وارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وتمادى هؤلاء الحكام أيضا فحاولوا إدارة أو توجيه غضب الجماهير عليهم إلى غضب ضد مواطنين عرب آخرين يعملون فى بناء وتعمير ليبيا مما يحول المذبحة إلى كارثة قومية وقد تعرض المصريون فى ليبيا الذين يبلغ عددهم حوالى المليون ونصف المليون إلى متاعب شديدة واعتداءات غير مبررة مما دفعهم إلى الهجرة والعودة فى ظروف بالغة الصعوبة وخاصة هؤلاء الذين تجمعوا على الحدود الليبية التونسية. وقد سعدت عندما علمت أن بعض الشخصيات القيادية فى النظام الليبى قد رفضت المشاركة فى هذه المجزرة التى ارتكبت ضد الثوار فقد استقال أحمد قذاف الدم ابن عم معمر القذافى والشخصية التى لعبت دوراً إيجابيا فى السياسة الليبية.. احتجاجا على أسلوب المعالجة الذى يتم فى الأزمة الليبية... وغادر ليبيا بعد أن أصدر مكتبه الإعلامى فى القاهرة بيانا يدعو فيه إلى وقف حمام الدم والاحتكام إلى العقل من أجل ليبيا ووحدتها ومستقبلها. وقد شعرت بارتياح شخصى لاستقالة أحمد قذاف الدم لمعرفتى بالدور الذى كان يلعبه فى توثيق العلاقات بين الشعبين المصرى والليبى.. وفى أداء دور فى التضامن العربى الذى يعزز روح القومية العربية.. ويدعم الدور الذى تقوم به منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية وهو ما قام به فى قمة عدم الانحياز الخامسة عشرة التى عقدت فى شرم الشيخ خلال يوليو .2009 ولذا أيقنت أن الأسلوب الذى لجأ إليه القذافى فى التعامل مع المتظاهرين هو أمر مرفوض فى ليبيا أيضا، كما كان مرفوضا فى تونس ومصر التى حرص جيشها ممثلا فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يكون تعامله مع المتظاهرين تعاملا إنسانيا يحمل معنى التقدير للشباب. ولم يقتصر الأمر على استقالة أحمد قذاف الدم.. فقد استقال وزير الداخلية اللواء عبدالفتاح يونس العبيدى وانضم للمتظاهرين وزير العدل مصطفى عبدالجليل بسبب استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين وكذا وزير الهجرة والمغتربين على الريشى، وهناك استقالات عدة من سفراء ليبيا فى بريطانيا والهند وإندونيسيا وبنجلاديش والسويد والصين والجامعة العربية والأمم المتحدة، وعدد كبير من الدبلوماسيين فى سفارة ليبيا بواشنطن. وهكذا اكتملت إدانة النظام الليبى برفض عدد من كبار المسئولين فيه المساهمة فى استخدام القسوة والوحشية التى راح ضحيتها آلاف الشهداء.. التى عبرت عن يقظة الشعوب العربية ضد قهر الأنظمة الاستبدادية التى لا يمكن أن تنتصر بالعنف واستخدام الأسلحة ضد الشعوب الثائرة ومازلنا نتابع ما يدور فى ليبيا من ثورة متجددة للشعب الليبى.. نأمل أن يحقق بها أهدافه الإنسانية.