يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21. قبل نزول القرآن الكريم كان كفار قريش حسب ثقافتهم يحتقرون الأنثى ويعتبرونها عارًا، كما أنهم جعلوا الملائكة إناثًا ثم نسبوهم كبنات لله تعالى، وجاء الرد عليهم بأنهم يفضلون أنفسهم على الله تعالى لأنهم يحتقرون إنجاب الأنثى ثم ينسبون لله تعالى ما لا يرضون أن ينسبوه لأنفسهم، أى أنهم أشركوا بنسبهم لله تعالى ولدًا وجعلوا ذلك الولد أنثى، فهم بذلك قد نظروا لله تعالى نظرة فيها دونية. نسبة البنات لله قال تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) النحل 57، توضّح أنهم جعلوا لله تعالى المَثل السوء وجعلوا لأنفسهم المَثل الحَسن، فالآية تكشف فكرهم ونظرتهم الدونية ليس للأنثى فقط؛ بل وأيضًا تصورهم السيئ لله تعالى، وبذلك تعبر الآية عن فكر المشركين ولا تعبر عن نظرة القرآن الكريم للأنثى. والقرآن الكريم رد عليهم حين نسبوا لله تعالى أولياء وجعلوهم أولادًا له: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) الزمر 3، والرد هنا جاء على إخلاص العقيدة بتوحيد الله، وأنه تعالى لو أراد أن يتخذ ولدًا أو وليًا لاختار هو بذاته، فالآيات لا تشير إلى تفضيل الذكر على الأنثى ولا تشير إلى أى نوع من النظرة الدونية للأنثى. أمّا عن قوله تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّى إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) آل عمران 35-36، عمران هو أبو السيدة مريم وجد النبى عيسى عليه السلام، فقد أرادت امرأة عمران أن تقدم لله ما فى بطنها من جنين تصورته مولودًا ذكرًا يكون فى خدمة الدعوة إلى الله، (مُحَرَّرًا) يعنى مُحَرَّر من الأهواء لا يريد إلا وجه الله، والإنسان عليه أن ينوى نية طيبة، والله تعالى يعلم ماذا وضعت لأنه خَلق ما فى بطنها، فيقول تعالى إن المولودة الأنثى تختلف عن الذكر، وقد تكون الأنثى خيرًا من الذكر، وكل منهما له خصائصه. وحتى لا تكون الأنثى لها أفضلية، فقد تم تفسير (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) باعتباره من كلام امرأة عمران وكأنه اعتذارًا منها عن إنجاب أنثى، مع أن جملة (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) هى جملة اعتراضية من قوله تعالى توسطت ما قالته امرأة عمران، ولو كان التفسير صحيحًا بأن الجملة من قول امرأة عمران لوجب عليها أن تقول: «وأنت أعلم بما وضعتُ» بضم التاء، وذلك بعد أن قالت (رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى)، أمّا عن مسألة تفضيل الله تعالى للذكر على الأنثى فهى غير صحيحة؛ لأن الله تعالى منزّه عن التحيز لأحد، ولا يكرم خَلقًا على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح. أمّا تحرير المرأة فى الإسلام فقد بدأه النبى عليه الصلاة والسلام، ولكنه لم ينتهِ لأن تحريرها مستمر حسب التطور الإنسانى، فالإسلام لا يسمح بتطور فجائى للمجتمع مما يؤدى إلى تدميره، ولكن تم وضع أسُس فى القرآن الكريم لكى تحدث هذه الأمور من خلال التطور التدريجى للمجتمعات. النبى وعمل المرأة لقد أخذت المرأة الحقوق التى يمكن أن تأخذها فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام، والمرأة لم تعمل قاضية ولم يكن لها منصبًا سياسيًا فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا لا يعنى أنه ممنوع عليها ذلك؛ حيث كافحت المرأة المسلمة مع الرجل مثل فاطمة بنت الخطاب وسمية أم عمار بن ياسر، واشتركت فى الهجرة إلى الحبشة وإلى يثرب، وحضرت بيعتَىْ العقبة الأولى والثانية وهما مثل المؤتمر التأسيسى لقيام الدولة الإسلامية فى المدينة. إن الإسلام سمح للمرأة بأن تهاجر، وأن تناضل، وأول شهيد فى الإسلام كانت امرأة.. إن المجتمع الذى أقامه النبى عليه الصلاة والسلام هو المجتمع الأول للإسلام؛ حيث تصرَّف عليه الصلاة والسلام بما يتناسب مع ظروف المجتمع، وأن الظروف وقتها لم تكن تسمح بقيام مجالس تشريعية ولا تسمح بأن تتقلد المرأة منصب قاضى أو قائد. لم يمنع الإسلام المرأة من العمل، فقد عملت المرأة فى التجارة مثل أم المؤمنين السيدة خديجة، ومثل أم المؤمنين السيدة زينب بنت جحش التى امتلكت مهارة الدباغة وعملت بها. وفى المجالات الطبية مثل رفيدة الأسلمية، وفى الزراعة وتربية الأغنام مثل أسماء بنت أبى بكر، وفى التعليم والإدارة والحسبة مثل الشفاء بنت عبد الله حتى جعلت الخليفة عمر بن الخطاب يأخذ مشورتها فى أمور الإدارة وشئون السوق. كما كان للمرأة دور فى الحروب، فقد قامت أم عمارة بالقتال فى غزوة أحد، وخولة بنت الأزور فى قتال الروم، وقامت المرأة بمعالجة الجنود فى الحروب والغزوات. المرأة كمَلكة لقد دخلت المرأة المسلمة ميدان النضال مع النبى عليه الصلاة والسلام، وهى لم تحكم بسبب الظرف التاريخى وقتها وليس بسبب تحريم أو نهى فى التشريع الإسلامى، أمّا عن القول المنسوب للنبى عليه الصلاة والسلام: «لن يفلح قوم ولّوا أمرَهم امرأة»، فقد جاء تعليقًا على أن ابنة ملك الروم خلفته على عرشه بعد موته، وهذا الحديث لا يُعتبر تشريعًا وإنما هو تعليق على حادثة بعينها. إن الله تعالى ذكر فى القرآن حالة امرأة حاكمة لسبأ ولم ينكر وجودها كمَلكة وإنما أنكر سجودها وقومها للشمس: (إِنِّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) النمل24-23، ثم أوضح تعالى فى نهاية القصة أن المَلكة استجابت للحق وأسلمت لله رب العالمين. وفى قوله تعالى: (وَاللاَّتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) النساء 15، فالحبس فى المنزل هو عقاب للمرأة التى ترتكب الفاحشة. حق العمل قد يقال إن عمل المرأة يجعلها تختلط مع الرجل، لكن الإسلام نظم التعامل بين النساء والرجال، ومنع الخلوة بين الرجل والمرأة من غير المحارم فى مكان مغلق، أمّا عن بعض المهن الشاقة التى لا تستطيع أن تقوم بها المرأة فعليها أن تحدد بنفسها نوعية المهن التى لا تستطيع أن تمارسها. إن حرمان المرأة من العمل يرجع إلى الممارسات الاجتماعية ولا يرجع للإسلام، فالإسلام قرر حق العمل للمرأة مثلها مثل الرجل، وأن تقوم بالأعمال التى تحسن أداءها، وتلتزم عند خروجها للعمل بالقيم والأخلاق الإسلامية، وأن يتناسب هذا العمل مع طبيعتها وقدراتها، مع عدم التقصير فى واجباتها نحو زوجها وأولادها، وبذلك يكون عمل المرأة سببًا فى جعل العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكاملية وليست عدائية. والإسلام أعطى المرأة حق المشاركة فى تأسيس الدولة، فالبيعة التى حدثت فى المدينة هى عقد بين المسلمين والنبى يضمن التعهد بطاعة القائد وهو النبى محمد عليه الصلاة والسلام، فمن يبايع النبى القائد إنما يبايع الله، ويلتزم أمام الله تعالى بالوفاء بالعهد والميثاق، والبيعة شملت الرجال والنساء معًا بما يعنى المساواة بين الرجل والمرأة. فالمرأة المسلمة لها الحق فى أن تنتخب وأن تترشح للانتخابات، وأن تصل لمراكز المسئولية فى الدولة، وتشارك فى مسئوليات السُّلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ولذلك فإن دعوة البعض إلى حبس المرأة فى البيت وحرمانها من العمل لا علاقة له بالإسلام من قريب أو بعيد، فالعمل مادام مشروعًا فهو حق للمرأة كما هو حق للرجل. إن عدم وضوح المفاهيم الخاصة بالمرأة فى القرآن الكريم أدى بنا إلى التمييز ضد المرأة، حتى أصبح هذا التمييز أساسًا لأفكارنا وعاداتنا وتقاليدنا مما أصاب المرأة والمجتمع بالسلبية فى جوانب كثيرة. 11 9 Untitled-3_copy