يلاحظ أثناء الموسم الرمضانى لعام 2021 تناوُل شخصية المرأة فى أكثر من عمل ما بين الدور البطولى والمحورى، ومنها مسلسل «خلى بالك من زيزى» و«الطاووس» و«ضد الكسر»، «حرب أهلية»، «ضل راجل»، و«القاهرةكابول» فتكشف كل هذه المسلسلات عن مشاكل المرأة، وعلاقتها، وكيفية النظر إليها، فى كل المراحل المختلفة، ولكن اللافت للانتباه هذا العام فى هذا التناوُل تحديدًا مسلسل «لعبة نيوتن» والذى تم تناول المرأة فيه بنمط مختلف يشير إلى سياسة السهل الممتنع. المرأة فى «لعبة نيوتن» قدّم المخرج «تامر محسن» قضيته من خلال امرأة مصرية فى مراحل الإنجاب الأولى، وتسمى «هنا» التى دائمًا ما تعانى من تقليل الشأن من قبل زوجها «حازم»، والذى يشاهدها دائماً بأنها لا تصلح للاعتماد عليها، ويؤكد ذلك المخرج من خلال المَشاهد الأولى عندما ينقطع عنها تيار الكهرباء داخل منزلها وهى بمفردها، فتخرج خائفة بملابس المنزل، ثم نراها تغضب من رؤية رد فعل زوجها عن هذا الفعل، واتهامها بعدم الاعتماد. نراها فى المشهد التالى وهى تحاول فتح باب يُغلق عليها باستخدام فرشاة الأسنان، فهى تحاول ولا تستسلم وتردد بأنها ستقدر على فتح الباب، فنعلم أنها خائفة من الهزيمة ومن انتقاد زوجها الدائم. من هنا يظهر المخرج مبادئ التحدى لهذه المرأة من خلال هذا المشهد الذى يبدو شكليّا بأنه محاولة لفتح باب، ولكنه داخليّا يترجم معاناة وكبت هذه المرأة التى تشعر بالتقليل من زوجها، وأيضًا يُعتبر هذا المشهد هو القائد للأحداث التى سنشاهدها بتوسُّع فى أحداث المسلسل، من محاولات التغيير التى تحدث لهذه المرأة، وهى إنجاب طفلها داخل أمريكا كى يحصل على الجنسية الأمريكية. وتكون هذه الرحلة هى الثورة النفسية على كل التقاليد والخوف، فتحاول «هنا» مقاومة كل الأشياء الصغيرة، التى تنتهى بإنجابها لطفلها بمفردها داخل بلد غريبة، فيكون الدافع هنا هو الدفاع عن الوجود، والأفكار حتى ولو كانت تبدو غير مهمة فى أبسط المواقف عند المرأة، ويؤكد بذلك المؤلف من خلال ظهور الشخصية الضد المعاكسة للزوج ويدعى «مؤنس»، المصرى الذى يظهر داخل أمريكا، والذى يعوّض هذا الاتجاه والشعور المضاد من تقليل الشأن إلى التقدير. فيثنى «مؤنس» إعجابه المتواصل بشخصية «هنا»، وبمواقفها وشخصيتها، وهنا يظهر ذكاء المخرج المؤلف النفسى والفنّى بهذه المعالجة، فهو يذكرنا بمعادلة قدمت فى رواية تسمى «رحلات جاليفر» للمؤلف «جوناثان سويفت» عام 1726، والتى تدور حول فكرة العملاق فى أرض الأقزام، وتم معالجتها عام 2010 تحت عنوان فيلم «رحلات جاليفر»، إخراج «روب ليترمان». يدور سيناريو الفيلم حول البطل البدين جاليفر «جاك بلاك» فيجد نفسه نُقل إلى جزيرة فى وسط مثلث برمودا، وذلك بعد ما تحطمت به السفينة فينزعج أهالى جزيرة «ليليبوت» لكونه عملاقًا بين المواطنين الأقزام؛ حيث يكون عملاقًا بطول البرج بالنسبة لسكانها الذين فى حجم عقلة الإصبع، ولذلك اتخذوه فى البداية سجينًا، ثم يصبح «جاليفر» بطلاً لأهالى جزيرة «ليليبوت»، ثم ينتقل إلى منافسيهم فى جزيرة «بلوفسكنديا» فيعود مرّة أخرى قزمًا بجانبهم، فيصبح دُمَى لفتاة من العمالقة. هنا يلخص الفيلم رؤية تقليل الشأن التى تصبح مصطلحًا نسبيّا، نسبة إلى البطلة التى كانت تابعة تعمل مع زوجها «حازم» وتقبل قراراته، فهى لا تقدر حتى على الإفصاح عمّا بداخلها، وحتى سفرها الذى كان معظم أحداثه صدفة، ولكنها تغلبت على صعوباتها ومخاوفها وأصبحت شخصية أخرى، فأصبحت «هنا» عملاقة بالنسبة «لمؤنس»، وقزمة بالنسبة لزوجها « حازم». هذا هو الفارق أيضًا بين الثقافة العربية والثقافة الغربية، من خلال المَشاهد التى شاهدناها داخل أمريكا، فيصبح الفعل والقول مختلفين رأسًا على عقب نتيجة اختلاف الثقافات، فكما جاء على لسان البطلة «هنا» (احنا لمّا بتقول لحد فى مصر احنا بنموت فيك، منقصدش أننا هنقتله، ده بيبقى من كُتر حبنا فيه)، فهذه هى موروثاتنا فى مصر وليست فى أمريكا. حتى فى تقديم باقى الشخصيات داخل العمل التى ما تأخذ فكرة النسبية أيضًا نتيجة للأفعال ورد فعلها، فيصبح «حازم» قزمًا، ل«هنا»، ويصبح، «بدر» قزمًا لأمينة، ويصبح «مؤنس» قزمًا ل«هنا» ولكنه عملاق نسبة لزوجته. وتتجلى أيضًا فكرة قولبة الأشياء (النسبية) فى شخصية البطلة التى تشكل صدمة للمتلقى إيحاء لقوتها وتصدُّرها للمشهد فى لحظة ما وخروجها من قالب المرأة الاعتمادية، وهذا التضاد هو الذى يخلق المفارقة فى لحظات ما قبل هذا التحول مقارنة بلحظات الذروة فى المسلسل. والذى عكس أيضًا ثقافتنا جميعًا، فكثيرٌ من المتلقين تعاطفوا مع « هنا» فى بداية الأحداث، وهناك من فقد تعاطفه معها نتيجة هذا التحول، ولكن المغزَى الفعلى فى هذا التحول هو رد الفعل الناتج لهذه الشخصية التى عانت الكبت والتقليل الدائم، وهذا هو السهل الممتنع الذى عالجه المخرج. بين المخرج والمتلقى ومن هنا نجح المخرج كما اعتاد فى تقديم قضاياه أى أعماله السابقة للمتلقى بالتساؤلات، والاختبارات النفسية الممهدة بداية من التكنيك الفنى «الأفان تتر» أى ما قبل لوحات الأسماء الذى كان يقدم فى بداية كل حلقة الذى يثير من خلاله العديد من الأسئلة لإعادة تحليل وتفكيك الأشياء مرّة أخرى بواسطته، فهو طرفٌ فى كل هذه القضايا، وهذا ما قد تم بالفعل، فأعاد تفكيك وتحليل المرأة، بصورة راقية لإعادة النظر إليها داخل المجتمع بزاوية أخرى. 4 5