مع بداية عام جديد تتطلع كل مؤسَّسَة من المؤسّسات لتحقيق أهداف جديدة تعمل على تطوير رؤيتها لتواكب التطور السريع فى الحياة اليومية حتى تستطيع أن تصل لكل فرد تسعى للوصول إليه. مع احتفالات عيد الميلاد المجيد كشف لنا البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عن رؤيته والأهداف التى سيسعى لتحقيقها خلال العام الجديد. أكد البابا تواضروس- فى تصريحات خاصة ل«روزاليوسف»- أن هذا العام سيشهد استكمالًا للأهداف التى وضعها العام الماضى وهى التعليم، الشباب والكهنوت، بالإضافة إلى محور رابع ألا وهو الاهتمام بالتكنولوجيا واستخدامها فى الخدمة. نجد أن استخدام الكنيسة الأرثوذكسية للتكنولوجيا بشكل خاص قد بدأ منذ فترة؛ خصوصًا بعد تفشى فيروس «كورونا» وكان سببًا فى مكوث أسَر بأكملها فى منازلهم، مما أدى إلى استخدام الكنيسة لأغلب وسائل التكنولوجيا والإنترنت للوصول إلى شعبها فى منازلهم وبيوتهم. لم يكن هذا هو السبب الوحيد لتوجُّه البابا تواضروس لتطوير المنظومة التكنولوجية الكنسية، فقد تولى البابا ال118 رئاسة الكنيسة فى وقت أصبحت شبكات الإنترنت وصفحات السوشيال ميديا لها قوة كبيرة فى الحياة بشكل عام وفى حياة الشباب بشكل خاص. ولذلك كان اتجاه البابا تواضروس واضحًا منذ البداية وهو السعى للوصول للجميع، وبالتالى عمل على تطوير طرُق التعليم الكنسى بكل أنواعه ليصل به إلى جميع فئات الشعب القبطى، وهو الأمر الذى كان له تأثير إيجابى فى علاقة البابا بالشباب، وهو الأمر الذى قد أتى ثماره بشكل سلس وسهل فى ظل ظروف انتشار وباء «كورونا»؛ حيث تم استخدام وسائل التكنولوجيا فى التواصل بين كل كنيسة وشعبها، فأصبحت القداسات تبث عبر قنوات اليوتيوب وفصول مدارس الأحد تجرى عبر برامج الزووم، والسكاى بى. كما استخدمت المجمع المقدس لعَقد لقاءاته مع البابا تواضروس عبر تطبيقات الإنترنت، وهو الأمر الذى اتبعه كل أسقف مع كهنة إيبراشيته، وذلك حفاظًا على الجميع من خطر انتشار الوباء. كذلك أطلق البابا تواضروس تطبيقًا على الموبايل بعنوان «أبناء النور»، وذلك لربط طلاب مدارس الأحد بالمدرسين الخاصين بهم تحت مراقبة المشرفين والأساقفة بالكنائس المختلفة، وذلك لربط جميع مدارس الأحد بمنهج محدد ويُعرض للتلاميذ بشكل جاذب. وفى منتصف هذا العام دعا البابا تواضروس الثانى خُدّام مدارس الأحد بجميع كنائس الكرازة المرقسية بمصر وبلاد المَهجر إلى الاستفادة من الإمكانيات التى يتيحها تطبيق «أبناء النور» لخدمة مدارس الأحد، والذى أعدته خدمة مدارس الأحد بالإسكندرية؛ حيث يوفر التطبيق الذى تديره منصة أبناء النور الإلكترونية العديد من الخواص الإلكترونية التى تسمح بتواصل الخدام مع مخدوميهم بأساليب تفاعلية، وكانت المرحلة الثانية قد أطلقت فى يناير 2019 وشملت كنائس الإسكندرية كلها. لم يتوقف التطور عند استخدام التطبيقات المحمولة فحسب، فقد أعلن البابا تواضروس نهاية العام الماضى عن بداية بث قناة coc التابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتى يتم بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعى مؤكدًا أن هذه القناة الجديدة سيكون هدفها تقديم جميع الحقائق إلى جانب تنوع المواد التى ستتناولها خلال الفترة المقبلة، وذلك حتى يضمن سهولة الوصول إلى الأسرة المسيحية كلها. وقامت الكنيسة ايضا بعمل قناة خاصة بعظات البابا تواضروس على تطبيق ال sound cloud لتتاح للجميع بسهولة، بالإضافة إلى رسالة غير منتظمة للبابا تواضروس قصيرة تبث عبر الواتس واب يرد فيها على أسئلة الشباب. ولأن الشباب أحد المحاور الرئيسية التى تعمل الكنيسة للوصول إليهم، فقد قام البابا تواضروس بعقد لقاءات مع بعض الشباب عبر تطبيق برنامج زووم فى جميع ربوع الكرازة سواء داخل مصر أو خارجها، وذلك بعد تعذر عقد مؤتمر الشباب الثانى بسبب وباء كورونا والذى كان من المقرر عقده نهاية شهر أغسطس الماضى، وذلك على غرار مؤتمر الشباب الذى يعقده الرئيس عبدالفتاح السيسى كل عام فى شرم الشيخ مع مجموعة من الشباب من جميع أنحاء العالم. يهدف مؤتمر الشباب الكنسى إلى ربط شباب المهجر بكنيسة وطنهم الأم، حيث وجد البابا تواضروس أن هناك أجيالًا كثيرة ولدت فى المهجر، وبالتالى لم تزُر مصر وطنهم الأم نهائيًا، ولذلك فقد قامت الكنيسة بتنظيم المؤتمر ليتمكنوا من رؤية بلادهم ويكونوا سفراء لها كل واحد فى بلده بالمهجر. ولا يتوقف اهتمام البابا فقط عند ذلك، بل يقوم ببث رسالة كل عيد تترجم لكل اللغات لتصل إلى الجميع عبر الإيميلات وصفحات الكنائس على الإنترنت وقنوات اليوتيوب. وفى ظل انتشار جائحة كورونا أصبحت كل كنيسة تحرص على تطوير قاعدة بيانات شعبها، حيث يسهل الوصول إليهم والتواصل عبر الفيسبوك والزووم الذى يستخدم ليس فقط فى عقد الاجتماعات، وإنما فى خدمة الافتقاد، حيث يطمئن الكاهن على رعيته والخدام على أولادهم أو مخدوميهم. وعن التكنولوجيا أكد البابا تواضروس بنفسه أن لكل عصر وسائله وطرقه حينما قال إنه فى يوم ما كانت دور العبادة ترى أن الميكرفون من عمل الشيطان وهو الآن لا غنى عنه فى التواصل داخل الكنائس والمساجد. وعلى الرغم من أن البابا تواضروس يحذر من خطورة استخدام الإنترنت بشكل يهدم المؤسسات، إلا أنه فى نفس الوقت يعمل عليه لتطويعه لما يخدم الكنيسة والمجتمع ليصل إلى أقصى استفادة منه، وهو ما سيعمل عليه هذا العام تحديدًا ليصل إلى أفضل استخدام لوسائل التكنولوجيا فى الخدمة بشكل عام. ولأن استخدام التكنولوجيا أصبح شيئًا حتميًا فى كل مناحى الحياة، فقد أخذت الكنيسة القبطية العمل على تطويعها للوصول إلى أهدافها الأخرى، وهو ما قامت به سكرتارية المجمع المقدس بعمل استبيان عن مفهوم الأبوة والبنوة والعلاقة بين الأسقف والأب الكاهن، تم وضعه بأكثر من لغة على صفحة المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليشارك فيها جميع الخدام والكهنة فى محاولة من المجمع للوصول لأكبر قدر من المعنيين بالأمر، وقد تم لأول مرة مناقشة نتائج استبيان طرح للمناقشة خارج إطار المجمع المقدس داخل المجمع، وهو ما اعتبره الكثيرون من أبناء الكنيسة الأرثوذكسية نقلة وانفتاحًا غير مسبوق من القيادة الكنسية. ومن الواضح أن البابا تواضروس خلال هذا العام يؤصل فكرة الشفافية وهى المكملة لمبدأ المكاشفة الذى وضعه إبان حادثة الأنبا أبيفانيوس رئيس دير أبومقار. كما تتم حاليًا دراسة فكرة توحيد لائحة للكهنة على مستوى الجمهورية فيما يخص على سبيل المثال المرتبات والتأمين الصحى التى تختلف من إيبارشية لأخرى. واستكمالًا لما بدأه يعمل البابا خلال هذا العام أيضًا على إدخال العنصر الشبابى فى الخدمة والكهنوت، وهو الشىء الذى تحدث عنه كثيرًا خلال عظاته، حيث تحدث عن عمل النعمة فى الخدمة مطالبًا الكهنة والأساقفة بضرورة إدخال الشباب والاستفادة منهم ومن نشاطهم الذى يُصقَل بخبرة الكبار، وبالتالى يستطيع الكاهن أو الأسقف أن يفهم طبيعة الأجيال الجديدة ويكون التعامل معهم أسهل، وكذلك الوصول إليهم وجذبهم للكنيسة، حيث أكد قائلًا: «ماذا يجعل الشاب يستمر فى حضور اجتماع لأنه يشعر أنه شبع وارتوى ولأنه محتاج «النفس الشبعانة تدوس العسل» فبعد أولادنا يتم لأن النفس لم تشبع». وكما أرسى البابا العام الماضى مبدأ الاهتمام بالنفوس وليس بالعدد، حيث وجه الخدام قائلًا: «نحن نعمل فى عمل خاص نحن هدفنا النفوس، والخادم الذى لديه إحساس بالنعمة لديه اهتمام بالغ بالنفوس وليس العدد، مهتم بإشباع النفوس، الطفل، الشاب، الأسرة الجديدة، فالإشباع إحساس بالمسئولية وهى مسئولية مستمرة»، فقد أكد مع بداية هذا العام على ضرورة الاهتمام بالأسرة داعيًا الجميع إلى استغلال فترة كورونا فى شىء إيجابى ألا وهو أن يهتم كل فرد بأسرته من خلال المكوث معها بشكل كبير، وهو الشىء الذى كنا نفتقده بسبب مشاغل الحياة الكثيرة. هناك جانب آخر يوليه البابا اهتمامًا كبيرًا هذا العام، وهو الجانب الصحى، وذلك بصفته صيدليًا فهو يولى الجانب الطبى اهتمامًا ملحوظًا، حيث قد أعلنت لجنة الصحة النفسية ومكافحة الإدمان بالمجمع المقدس، اعتبارًا من بداية هذا العام ولمدة ثلاثة أشهر عن إتاحة المستوى الأول من دراسة جديدة للحصول على درجة الدبلومة فى علاج التوجه الجنسى «Unwanted same sex attraction». تأتى هذه الدراسة فى إطار مبادرة «رؤيتنا» التى تتبناها اللجنة المجمعية بهدف الوصول إلى مجتمع خالٍ من الصراعات النفسية والاضطرابات السلوكية، ينمو فيه كل شخص من خلال تربية مستنيرة تقوده بثبات نحو النضج. وتستهدف الدراسة التى تجرى على ثلاثة مستويات، إلى مشاركة أبناء الكنيسة من الأطباء والإخصائيين النفسيين ومقدمى جلسات المشورة والعاملين فى مجال السلوكيات الإدمانية والناجين من الإيذاءات النفسية. ويجرى المستوى الأول من الدراسة خلال أشهر يناير وفبراير ومارس المقبلين عبر تطبيق زوم على شبكة الإنترنت، نظرًا لظروف تفشى فيروس كورونا المستجد. ويحاضر فى هذا المستوى المحاضر العالمى ريتشارد كوهين مدير مؤسسة PATH. كما استقبل البابا تواضروس الثانى بالمقر البابوى الشهر الماضى وفدًا طبيًا من المتخصصين فى عدد من المجالات الطبية وتقديم الاستشارات. تم خلال اللقاء بحث بعض الأمور الخاصة بمشروع «كيمى» وهو المركز الطبى الجارى إنشاؤه فى مدينة العبور، وقد وضع حجر الأساس للمشروع فى شهر نوفمبر من العام الماضى. أما التعليم فالبابا تواضروس يضعه دائمًا فى مقدمة أولوياته ويعمل على تطويره بشكل دائم ومستمر وبشكل يخدم جميع أطياف الشعب المصرى كله، وكذلك لتكون الكنيسة المصرية منارة تعليمية يسعى إليها جميع طلاب العلم من كل العالم. وقد برز اهتمام البابا تواضروس بالتعليم منذ أن شهد المجمع المقدس افتتاح أكبر مكتبة بدير الأنبا بيشوى التى شيدت على الطراز اليونانى الذى كان منتشرًا أيام المسيح. وسيكون هناك فندق ملحق بها متاح لكل الباحثين والدارسين لمن يريدون عمل أبحاث للإقامة به طوال فترة بحثهم، وذلك إيمانًا منه بأهمية العلم والتعليم والدراسات بشكل عام. وأعلن البابا فى كلمته عن المكتبة أنه يأمل أن تكون أكبر مكتبة قبطية فى العالم، حيث أكد قائلًا: «إن تاريخ افتتاح المكتبة مهم، حيث اشتركنا جميعًا فى هذه المكتبة المركزية وهذه المكتبة التى نأمل أن تكون أكبر مكتبة قبطية فى العالم وهى مسئوليتنا كلنا كآباء مطارنة وآباء أساقفة على هذه المكتبة التى وضعت فى تصميم خاص والشكل الخارجى لها أخذ المعمار الموجود فى زمن المسيح اليونانى الرومانى وزينت المكتبة بالأعمدة العالية التى تعبر عن عظمة المعرفة مثل معابد الكرنك ومثل اليونانية القديمة». وأضاف أن المكتبة أنشئت أساسًا لكى تكون مرجعًا للحياة القبطية وطبعًا الحياة القبطية مرتبطة بكل شىء فكل ما يتعلق بالحياة القبطية فى التاريخ وطبعًا فى الإيمان والعقيدة فى الحياة الحاضرة وفى التقاليد وبلغات كثيرة فى المكتبة. كما أكد أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هى مؤسسة مصرية وطنية خالصة. وهى المؤسسة الوحيدة التى لم تحمل نير الاحتلال فى أى عصر وهى فى الأساس كنيسة شعبية (لم تكن فى نشأتها كنيسة الملك أو الإمبراطور). لذا أخذت على عاتقها مسئوليتين: الأولى الاندماج مع الشعب بكل آلامه وأفراحه وثقافته ولغته. الثانية أن تكون خزانة أسرار الحضارة المصرية سواء اللغة والأدب المصرى القديم أو العمارة والفنون المصرية.. ومن هنا جاء تأسيس المكتبة البابوية المركزية فى موقع برية شيهيت الفريد حيث الإسقيط مهد الرهبنة والمعرفة والنسك. ولأن البابا تواضروس يهتم كثيرًا بالتعليم والتنوير، فلذلك سيشهد العام الجديد له مجموعة من بروتوكولات التعاون مع بعض المؤسسات الأخرى فيما يخص مجال التعليم. كذلك يولى البابا هذا العام اهتمامًا خاصًا بمعهد الدراسات القبطية، وهو الجهة التعليمية الكنسية المتاحة لجميع المصريين المسلمين والأقباط، حيث عمل البابا على تطويره بشكل كبير فى محاولة لاسترجاع الترخيص الخاص به كمؤسسة تعليمية معترف بها من الدولة. وليس فقط معهد الدراسات القبطية الذى يوليه البابا اهتمامًا كبيرًا، حيث قام الأسبوع الماضى بزيارة مقر المعهد القبطى للتدبير الكنسى والتنمية، واستمع إلى شرح عن نشاط المعهد خلال الخمس سنوات الماضية، وذلك من عميد المعهد الأستاذ الدكتور مجدى لطيف السندى، والكورسات المتخصصة فى مجالات التدبير الكنسى المتنوعة. كما أدار مناقشة موسعة مع أعضاء هيئة التدريس والتدريب فى المعهد حول تطوير العمل المؤسسى والبحثى فى مجالات الخدمة الكنسية. كما استقبل طلبة معهد تيرانس بكنيسة السيدة العذراء والشهيد أبى سيفين بعزبة النخل، الذين اجتازوا المستوى الأول بالمعهد وأعطى لهم شهادة اجتياز المستوى الأول وذلك تشجيعًا لأبناء الكنيسة لينضموا لمثل تلك المعاهد النهوض بالتعليم الكنسى بصفة عامة. وهذا التطور الذى تشهده الكنيسة المصرية ما هو إلا تطور طبيعى معتادة عليه الكنيسة الأرثوذكسية، فهى ليست بكنيسة جامدة، ونجد ذلك واضحًا فى تطور تحديد أصوامها وأعيادها، وذلك بدءًا من تحديد تاريخ عيد الميلاد المجيد والذى تحتفل به هذا الأسبوع فى وسط إجراءات احترازية مشددة للحد من انتشار فيروس كورونا. وعيد الميلاد يُعتبر ثانى أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق بعد عيد القيامة، ويُمثل تذكار ميلاد بالسيد المسيح له المجد وذلك بدءًا من ليلة 24 ديسمبر ونهار 25 ديسمبر فى التقويمين الغريغورى واليوليانى، غير أنه وبنتيجة اختلاف التقويمين ثلاثة عشر يومًا يقع العيد لدى الكنائس التى تتبع التقويم اليوليانى عشية 6 يناير ونهار 7 يناير. بعض الكنائس كالكنيسة الأرمينيّة كانت ومن قبل التحديد فى 25 ديسمبر قد جمعت الميلاد مع الغطاس فى عيد واحد، ما دفع إلى إقامتها الميلاد مع الغطاس فى 6 يناير. لاحقًا، ومع إصلاح التقويم اليوليانى ونشوء التقويم الغريغورى المتبع فى أغلب دول العالم اليوم، نشأ فرق فى التوقيت بين 25 ديسمبر اليوليانى الشرقى و25 ديسمبر الغريغورى الغربى، ولكون الفرق يتزايد بمرور القرون، فالفرق حاليًا ثلاثة عشر يومًا وغدت الكنائس التى تتبع التقويم اليوليانى الشرقى تقيم العيد فى 7 أو 8 يناير فى حين تقيمه الكنائس التى جمعته مع عيد الغطاس على التقويم الشرقى فى 19 يناير رغم قلّة عددها. يعود تاريخ الاحتفال بعيد الميلاد فى بعض الكنائس الشرقيّة، إلى أواخر القرن الثانى، بحسب ما ورد فى بعض النصوص للقدّيس اكليمندس السكندرى أوّل من ذكر هذا العيد. هذا الاحتفال كان يتمّ فى يوم عيد الظهور الإلهى المعروف بعيد الغطاس فى السادس من شهر يناير. استمرّ ذلك إلى القرن الرابع؛ والقرن الخامس فى كنيسة الإسكندريّة. وصوم الميلاد بوضعه الحالى فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أدخله البابا خرستوذولس البطريرك ال «66» (1046- 1077) فى القرن الحادى عشر فى قوانينه التى حدد بها الأصوام المفروضة، إلا أنه وردت إشارات فى القرن العاشر على وجود صوم يسبق عيد الميلاد، ولم يكن محدد الأيام. مدة هذا الصوم هى 43 يومًا تنتهى يوم 7 يناير الموافق 29 كيهك والأصل فى هذا الصوم أن تكون مدته 40 يومًا فقط لأننا نتشبه فى ذلك بموسى النبى الذى صام 40يومًا كاملة كى يتسلم كلمة الله المكتوبة على لوحى الحجر (خر24: 18)، ولذلك فنحن نصوم40 يومًا أيضًا كى نستقبل الرب يسوع مولودًا من القديسة الطاهرة مريم العذراء. وأما ال 3 أيام الباقية فقد أضيفت إلى مدة الصوم فى عهد البابا إبرام ابن زرعة السريانى البطريرك 62 (975 -979) تذكارًا للأيام الثلاث التى صامها الأقباط للرب فى أمر جبل المقطم فى القرن العاشر الميلادى والتى انتهت بنقل الجبل فحفظ الأقباط هذا التذكار شهادة للتاريخ. أما عن مظاهر الاحتفالات بعيد الميلاد فتتضمن فى العديد من البلدان، تركيب وإضاءة أشجار عيد الميلاد، وتعليق أكاليل عيد الميلاد المجيد، بالإضافة إلى تعليق جوارب عيد الميلاد والحلوى، ووضع البسكويت والحليب أسفل الشجرة، وإعادة تمثيل مشاهد مغارة الميلاد التى تصف ولادة المسيح، ولكن أبرز مظاهر هذا العيد هو شجرة الكريسماس والتى بدأت من اليونان، حيث كانوا يحبون هذه الشجرة لأنها رمز للحياة الأصيلة التى لا تزول أبدًا، لأنّ أوراقها فى فصل الشتاء لا يتساقط أبدًا والأشجار الأخرى فى الفصل عينه تتساقط أوراقها. ويقال إنها ظهرت لأول مرة فى ألمانيا فى سنة 732، وكان من عادة اليونانيين بالاحتفال بهذه الشجرة، وكان يقوم بعضهم فى كل عيد يذبح لها طفلًا. وعندما دخلت المسيحية اليونان منعت هذه العادة, وبدأت تظهر هذه الشجرة داخل المغارة فى بقاع مصر مع الإرساليات البروتستانتية مع بداية القرن التاسع عشر والذى يقال عنه إنه نشأ فى إسكاندفيا، والتقليد يخبرنا عن شخص أسطورى، عاش بين الغابات فى الصحراء كان حجمه الجسدى صغيرًا جدًا فكان يأتى للإنسان ليلًا ويفعل له أشياء جميلة، وانتشر هذا التقليد فى أمريكا بواسطة اللاجئين من أوروبا لأمريكا. أما التقليد الثانى الذى كان يهتم بالأطفال ويزورهم فى المدارس علاوة على الاهتمام بالأطفال الأيتام والمشردين وكان يدافع عنهم فى حق الحياة ومعيشتهم. وفى القرون الوسطى تطورت الفكرة وظهر تقليد الهدايا وتوزيعها فى الليل فى ألمانيا ثم أمريكا ثم نقلها اللاجئون الإيطاليون من أمريكا. وفى نهاية القرن الثامن عشر شكلت أمريكا شخصية بابا نويل المعروفة حاليًا. والقديس نيقولاوس تصنفه الكنيسة من الآباء اليونانيين، وكان حاضرًا فى المجمع المسكونى النيقاوى الأول المنعقد سنة 325 وتعيّد الكنيسة الغربية عيده فى يوم 6 ديسمبر من كل سنة، والكنيسة الشرقية تحتفل به فى يوم 19 ديسمبر من كل سنة، والكنيسة القبطية تعيد ذكراه فى يوم 10 كيهك من كل عام.