«لقد حان الوقت لإنهاء الحروب الأبدية، التى كلفتنا دماءً وأموالًا لا توصف». كانت هذه كلمات الرئيس الأمريكى المنتخب «جو بايدن» فى خطاب ألقاه أثناء حملته الانتخابية فى يوليو 2019. وهكذا يصرح دائمًا، إذ ينتظر أى فرصة لوضع كلمة (السلام) فى حديثه. بعد نجاح «بايدن» فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، صارت تقارير (السلام فى عهد «بايدن»). هى شغل الإعلام الأمريكى الشاغل؛ خصوصًا الموالى منهم للحزب الديمقراطى، تمامًا كما حدث منذ سنوات مع الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما»، إذ أشاعوا عنه أنه رجل المرحلة للسلام، عند توليه سُلطة «الولاياتالمتحدة»، بعد الرئيس «جورج بوش» (الابن) الذى دق طبول الحرب خلال رئاسته فى «العراق»و«أفغانستان» وبدأ مرحلة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد. المثير للريبة، هو أن المراقب لاختيارات الرئيس الأمريكى المنتخب يجدها لا تتماشى مع أقواله، أو حتى تصريحات الإعلام الغربى بشأنه. إذ تحتضن إدارة «بايدن» القادمة أفرادًا مخضرمين لهم علاقات قوية بالأجهزة العسكرية الأمريكية إلى جانب الكثير من أبناء إدارة «أوباما». فقد أصدر «بايدن»، منذ أيام قائمة بالفرق الانتقالية لمختلف الإدارات فى «البيت الأبيض» المستقبلى. ويتألف فريق البنتاجون الانتقالى ل«بايدن» من 23 شخصًا، ينحدر الكثير منهم من مراكز أبحاث، ثمانية منهم-على الأقل- ينتمون إلى منظمات تتلقى تمويلًا مباشرًا من صانعى الأسلحة الأمريكيين! الفريق بقيادة «كاثلين هيكس»، التى عملت فى «وزارة الدفاع» الأمريكية فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما». كما تعمل فى «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» (CSIS)، وهو مركز أبحاث يتلقى مساهمات من شركات الأسلحة، مثل: «نورثروب جرومان»، و«بوينج»، و«لوكهيد مارتن»، و«رايثيون»، وغيرها من مُصنعى الأسلحة، ومقاولى الدفاع، فضلًا عن شركات النفط. اثنان آخران من باحثى (CSIS) فى الفريق الانتقالى، وهما: «أندرو هانتر»، و«ميليسا دالتون»، اللذان كانا يعملان فى البنتاجون أيضًا فترة إدارة «أوباما». كما يوجد عضوان آخران فى الفريق من «مركز الأمن الأمريكى الجديد» (CNAS)، وهما: «سوزانا بلوم»، موظفة سابقة فى البنتاجون، و«إيلى راتنر»، الذى شغل منصب نائب مستشار الأمن القومى لنائب الرئيس «جو بايدن» من 2015 إلى 2017. و(CNAS)، هى مؤسَّسة فكرية تتمتع بتبرعات ضخمة من صانعى الأسلحة، والشركات الكبرى، وبعض الحكومات. وقد تلقت (CNAS) ما لا يقل عن 500 ألف دولار من وزارة الخارجية الأمريكية، وما لا يقل عن 500 ألف دولار من شركة «نورثروب جرومان» بدءًا من عام 2019 حتى عام 2020، كما تشمل الجهات المانحة الأخرى كلّا من: «لوكهيد مارتن»، و«رايثيون»، و«جوجل»، و«فيس بوك». » جديرٌ بالذِّكْر أن نائبة الرئيس المُنتخبة «كامالا هاريس» اعتمدت بشدة على (CNAS) لتقديم المشورة لحملتها الانتخابية التمهيدية الرئاسية، ويُعرف مركز الأبحاث بتبنّيه للسياسة الخارجية التقليدية المؤيدة للحرب، فضلًا عن التصعيد تجاه دولتَى «روسيا»، و«الصين». ثلاثة أشخاص آخرون ضمن الفريق، وهم: «ستايسى بيتى جون»، و«تيرى تانيليان»، و«كريستين ورموت» التى كانت أيضًا مسئولة دفاعية سابقة فى عهد «أوباما»، ينحدرون من مؤسَّسة (RAND)، وهى مؤسَّسة فكرية أخرى متشددة، تتلقى الجزء الأكبر من تمويلها من الحكومة الأمريكية، بما فى ذلك الجيش الأمريكى، والقوات الجوية الأمريكية، ووزارة الأمن الداخلى الأمريكى، كما يتم تمويل المؤسَّسة من قبَل «قطر» وحلف شمال الأطلسى (ناتو). وإلى جانب المذكورين سابقًا، يشمل الفريق أيضًا «شارون بيرك»، الذى يعمل لصالح منظمة «New America»، التى تتلقى تمويلًا من شركة «رايثيون»، و«نورثروب جرومان»، و«جنرال أتوميكس» لأنظمة الطيران، والكلية الحربية للجيش الأمريكى، و«شاون سكيلى»، من شركة (CACI International)، التى تعمل فى مجال تكنولوجيا المعلومات لأنظمة الأسلحة العسكرية الأمريكية. جديرٌ بالذكر أنه تم رفع دعوى قضائية ضد (CACI) من قبَل عراقيين كانوا محتجزين سابقًا فى سجن «أبوغريب» العسكرى الأمريكى سيئ السمعة، على أساس أن موظفى الشركة لعبوا دورًا مباشرًا فى تعذيبهم بطرُق لا إنسانية، والدعوَى لاتزال منظورة فى المحاكم الأمريكية. و«فيكتور جارسيا»، من شركة «Rebellion Defense»، التى تساعد وكالات الدفاع والأمن القومى الأمريكى فى تحليل مقاطع الفيديو، التى تم جمعها بواسطة «الطائرات من دون طيار»، وذلك وفقًا لجريدة «نيويورك تايمز»، بالإضافة إلى «فاروق ميثا»، وهو أيضًا عضو فى فريق «وزارة الدفاع» الأمريكية، وعضو مجلس إدارة «Emgage»، الذى أثار انتقادات لانتمائه إلى منظمات معادية للفلسطينيين. من المعروف أن شركات السلاح لاعب رئيسى فى صُنع السياسة الأمريكية، إذ يعنى السلام لهم خسارة فادحة؛ خصوصًا أن «الولاياتالمتحدة» تقود الجزء الأكبر من تجارة الأسلحة فى العالم، نحو 79 ٪، أو بمتوسط 143 مليار دولار سنويّا، وفقًا للأرقام التى جمعتها وزارة الخارجية الأمريكية، وهذا المعلن فقط. جديرٌ بالذكر؛ أن أسهُم شركات صناعة الأسلحة الأمريكية ارتفعت فى أيام الانتخابات؛ خصوصًا مع تصدُّر «بايدن» استطلاعات الرأى وقتها.. ولم يكن هذا صدفة، بل نتيجة لإعلان «بايدن» خلال أحد خطاباته عن خطته المحنكة للقضاء على البنادق الهجومية بهدف تحجيم عمليات القتل العشوائى التى زادت خلال السنوات الأخيرة. » إذ أعلن الرئيس الأمريكى المنتخب أنه سيمرر مشروع قانون لمراقبة الأسلحة والحد منها، رُغْمَ صعوبة تمرير هذا التشريع مع «كونجرس» منقسم لهذا الحد كما هو الوضع حاليًا؛ فإن مخاوف المستهلكين المتزايدة، بشأن التشديد المحتمل حال سَنّ مثل هذا القانون، أدت إلى زيادة الطلب على الأسلحة النارية والذخيرة. وهو ما غذّى زيادة المبيعات لدى شركات قبل الانتخابات وأثناءها، ومن المتوقع أن يظل طلب المستهلكين على الذخيرة مرتفعًا لبعض الوقت فى المستقبل. وبهذا يكون تصريح «بايدن» فى ظاهره ضد مُصنعى السلاح، لكن فى الواقع حقق أرباحًا طائلة لشركات السلاح عبر النتيجة العكسية لتصريحاته. تمامًا مثلما ارتفعت مبيعات الأسلحة بعد حملات الرئيس الأمريكى الأسبق «أوباما» الناجحة فى عامَى 2008، و2012. وتم بيع رقم قياسى بلغ 15.7 مليون قطعة سلاح. وفى عام 2016، عندما أشارت استطلاعات الرأى إلى احتمالية فوز «هيلارى كلينتون» بالرئاسة، حفّز هذا الكثير من الناس على تخزين الأسلحة النارية، وفقًا لتصريحات «مارك أوليفا» مدير العلاقات العامة فى مؤسَّسة «ناشيونال شوتينج سبورتس». وقد وصلت مبيعات الأسلحة فى عام 2020 إلى مستوى قياسى قبل يوم الانتخابات، إذ قال «أوليفا» إن مبيعات الأسلحة النارية لشهر أكتوبر ارتفعت بنسبة 60 ٪ مقارنة بالشهر نفسه قبل عام، وتم بيع أكثر من 17 مليون قطعة سلاح خلال الأشهُر العشرة الأولى من عام 2020، ويتوقع أن يستمر الاتجاه حتى ديسمبر. يُذكر أن الأمريكيين فى جميع الولايات الأكثر ليبرالية كانوا يخزنون الذخائر والبنادق منذ شهور بالفعل، إذ ارتفعت إلى مستويات قياسية، ووصلت ل(79 ٪) خلال الصيف، وسط مخاوف من الوباء، والاضطرابات الاجتماعية العنيفة. » ومن جانبه؛ أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالى 32.13 مليون عملية فحص على شراء الأسلحة خلال الأشهُر العشرة الأولى من العام. واشترى ما يقرب من 7 ملايين أمريكى بنادق لأول مرة خلال تلك الفترة، وفقًا ل«ناشيونال شوتينج». كما قالت شركة «Olin Corp» إن مبيعات الذخيرة فى الربع الثانى من عام 2020 كانت الأقوى منذ عام 2016. فيما أفادت شركة «Ammo Inc»، وهى شركة تصنيع ذخيرة، أن عائدات الربع الثانى من عام 2020 قفزت بنسبة 125 ٪ إلى 9.7 مليون دولار. وقال رئيس المبيعات والتسويق العالمى لشركة «Ammo»، «مارك هانيش»: «فى عمليات التسابق الانتخابية، كان الأشخاص التقليديون الذين كانوا مالكى أسلحة بالفعل يشترون المزيد من الأسلحة. كما وجدوا أشخاصًا جُدُدًا تمامًا يشترون لأول مرّة»، مُرجّحًا أن سبب تدفق مشترين جُدُد هو التقاء الوباء، والانتخابات، والقلق بشأن الاضطرابات المدنية، وعدم اليقين. كانت هذه قراءة سريعة لاختيارات «بايدن» الأخيرة وتناقضها مع الخطاب الإعلامى الأمريكى، ولكن الشهور المقبلة ستحسم الجدل والتناقض وستكشف الحقيقة بالتأكيد.