«من رحم المعاناة تُولد المِنَحُ والأفكارُ الإيجابية».. هذا ما فعلته «آية أحمد»، أول شيف مصرية تعمل وصفات أكل و تعليم الناس فنون الطهى بلغة الإشارة، الشيف «آية» وُلدت لأب وأم من الصم والبكم، ونجحت فى تأسيس أول برنامج طهى يُسمى «الشيف يوكا» على اليوتيوب لضعاف السمع والكلام بلغة الإشارة، بعد ملاحظتها انتشار برامج المطبخ على الفضائيات، ورُغم جماهيرية نوعية هذه البرامج؛ فإنها وجدت تجاهلها لقطاع كبير يصل ل7 ملايين شخص من ذوى الإعاقة السمعية والكلام فى مصر، لا يفهم ما يُذاع فى هذه البرامج!. البرنامج فى البداية لم يكن سوى فكرة ثم تطورت تفاصيل حكاية «آية أحمد» صاحبة ال29 عامًا، تحكى: «علاقتى بالمطبخ بدأت منذ الصغر كهواية مع أمى وجدتى، واستمر شغفى بالطبخ مع السنوات حتى بعد تخرجى فى كلية التجارة، ثم رغبت فى دراسة الطهى بشكل احترافى، والتحقت بأكاديمية فنون الطهى، حصلت منها على شهادة معتمدة ك«بروفيشنال شيف» وعملت بعدها فى عدة مطاعم وفنادق لاكتساب مزيد من الخبرات العملية». «أمى» مُلهمتى فى تأسيس البرنامج تُكمل: «فكرة تدشين برنامج (الشيف يوكا) جاءت أثناء مشاهدة أمى أحد برامج الطهى على إحدى الفضائيات، وسألتنى ما الذى أضافه الشيف دقيق أمْ سُكّر لأن كليهما أبيض اللون، ولأن الشيف دائمًا يتحدث صوتًا أثناء إضافة مقادير الوصفة على الشاشة فقط، وهو ما لا يفهمه أفراد من الصم والبكم، الذين يحتاجون دائمًا للغة الإشارة فى التوضيح والشرح، وهذا غير متوافر فى برامج الطهى». ترفض «آية» وصفَ برنامجها بأنه فقط موجّه لضعاف السمع والكلام: «برنامجى موجّه لجميع المشاهدين، منحنى الله القدرة على استخدام لغة الإشارة والكلام أيضًا، وفضلت استخدام هذه المهارة لخدمة كل متفرج ونشر رسالة واضحة أن الأشخاص من الصم والبكم من حقوقهم مشاهدة جميع أنواع البرامج والمسلسلات والأفلام، وليس فقط البرامج الإخبارية المصحوبة بلغة الإشارة». آسفين.. لا توجد ميزانية للصم والبكم! حاولت «آية» أن تقدم فكرة برنامج الطهى بلغة الإشارة على أكثر من قناة فضائية، تقول: «كل الإجابات كانت مُحبطة ورافضة للفكرة؛ نظرًا لعدم جذبها لرعاة وإعلانات وضعف ميزانية القنوات، ولكن لم يتسرب اليأس داخلى وأدركت أهمية وجودة برنامج طهى حتى لو بالجهود الذاتية ويُبث على اليوتيوب، فهى رسالة ونتاج تجربة شخصية هدفى منها الخدمة العامة». التنمر والسخرية أبرز أشكال معاناة ضعاف السمع والكلام ترى «آية» من تجربتها الحياتية كابنه لأب وأم من الصم والبكم معاناة هذه الشريحة من ذوى الإعاقة، وتستطرد : «تعلمتُ لغة الإشارة بالتدريب والممارسة اليومية مع أمى منذ الصغر، فى ظل معاناة ملايين من الأسَر الذين يكون فيها الأب والأم والأطفال من الصم والبكم ويضطرون للجوء لمترجم لغة إشارة ليذهب معهم للطبيب، المستشفى أو مصلحة حكومية، ويدفعون ثمَن خدمة الترجمة وهى مكلفة». لغة الإشارة فى المناهج التعليمية مطلب لدمج حقيقى وتسأل الشيف آية: « لماذا لا يكون هناك تعليم للغة الإشارة فى المدارس منذ الصغر، بدلًا مما نشاهده من حوادث تنمُّر وسخرية على الصم والبكم فى الشوارع، عندما أكون مع أمى فى النادى وأشرح لها ما تقوله صديقاتها، ألاحظ هذه النظرات التى تلاحقنا وكأننا كائنات فضائية، ولكن فى حالة تدريس لغة الإشارة فى المناهج سيكبر الأبناء ولديهم وعى بأن هناك أشخاصًا مختلفين ولديهم مهارات كثيرة أخرى رُغم فقدانهم السمع والكلام!. تُؤكد صاحبة برنامج « الشيف يوكا» أول برنامج طهى يُذاع بلغة الإشارة، أن مشروعها انطلق من هَمّ شخصى وتحدّى كبير، ورغبة منها فى تحقيق ثقافة الدمج بشكل حقيقى، بأن تكون لغة الإشارة ظاهرة فى كل البرامج، وحتى لا يحتاج أىُّ شخص من ضعاف السمع والكلام مترجمًا يجلس بجواره ويشرح له ماذا يذاع على الشاشات. منذ انطلاق برنامج «الشيف يوكا» على اليوتيوب والإنستجرام والفيس بوك، جذب البرنامج آلاف المتابعين وحقق ملايين المشاهدات، وتوضح الشيف آية: «المشاهدون ليسوا فقط من الصم والبكم ولكن من أشخاص عاديين أيضًا، وأتلقى باستمرار طلباتهم بوصفات جديدة، وآخرها كانت النجرسكو، والأكلات الصحية الخاصة بالحِمية الغذئية». تُضيف: «مع أزمة كورونا وانتشار الحديث عن أهمية التغذية الصحية، نظمنا لايف على الإنستجرام للبرنامج مع دكتورة التغذية شروق سعيد لنتلقى أى تساؤلات من المتابعين، وقمنا بالتوضيح بلغة الإشارة بأهمية الحصول على الوجبات الصحية والعصائر الطبيعية وممارسة الرياضة وغيرها من نصائح التغذية السليمة». وعن الصعوبات التى واجهتها حتى بث الحلقات على «يوتيوب» تقول: «لا أستطيع نشر فيديو بوصفة طعام يوميّا؛ لأنى أقوم بمفردى بالتصوير، المونتاج وشراء مقادير وصفة الطعام، ولكن أحاول تلبية الاستفسارات من المتابعين عن طرُق تحضير بعض الأكلات». وماذا عن ردود فعل والدتك على البرنامج بصفتها مُلهمتك فى هذا المشروع؟ تجيب آية: «سعيدة جدّا؛ خصوصًا عندما تشاهد التعليقات وردود أفعال المتابعين للقناة ولصفحات السوشيال ميديا، وتتمنى أن تشاهدنى على شاشة التليفزيون، حتى نصل بالبرنامج لأكبر عدد من أفراد الصم والبكم ويستفيدوا منه». بحلم بمطعم جميع العاملين من الصم والبكم «بحلم بتأسيس مطعم جميع العاملين فيه من الصم والبكم، وأن يكتسبوا مهارات حقيقية من تعلم الطهى وتقديم الطعام، وليس كما يحدث فى أحد مطاعم المأكولات السريعة وهو الفرع الوحيد الذى يوظف عاملين من الصم والبكم ولكن للأسف لا يكتسبون أى مهارة، هم فقط يقومون بقلى مأكولات سريعة التحضير، ولكن أتمنى أن يكون لدينا مطعم يدمج بشكل حقيقى الصم والبكم فى العمل».. تحكى صاحبة أول برنامج طهى بلغة الإشارة عن حلمها المستقبلى.