هل يُعقل أننا منذ عام 2014، لا ننجز شيئا فى قضية تجديد الخطاب الدينى؟. ست سنوات، وهناك إما اعتراض واضح، أو مستتر، للقضية من أساسها، أو عدم فهم لمعناها وفوائدها، وضرورتها للتقدم الفكرى والرقى الثقافى. وهذا موقف قطاعات كبيرة ومتنوعة من الشعب، نساء ورجال، وأيضا موقف المؤسسات الدينية، والإعلامية والثقافية، وإلا ما كنا حتى الآن، واقفين محلك سر. وهذا حقا يدعو إلى الأسف، والأسى. لا شىء إلا مؤتمرات وندوات ولقاءات، وربما توصيات، كلها حبر على ورق، وكلام لفض المجالس. لقد سمعت رأى قيادات دينية، وشاهدتهم فى البرامج الاعلامية، يؤكدون أن لا يوجد شىء اسمه تجديد الخطاب الدينى، لأن إسلام مصر وسطى معتدل، ولا شئ فيه يحتاج إلى تجديد، والمعمول به الآن فى كل شىء، صالح لكل زمان ومكان. وسمعتهم يقولون إن التنظيمات الإسلامية المسلحة التى تقتل وتذبح وتسعى للحكم الدينى من خلال الدم ونكاح الجهاد، وتغطية النساء ومعاملتهن كالبهائم، لا أحد يستطيع تكفيرهم، لأنهم مسلمون. كل خطئهم أنهم فقط أخطأوا الفهم والتفسير والهدف.
ومنذ أيام قرأت تصريحا لأحد القيادات الدينية، فيما يخص شكل المرأة أثناء الصلاة. حيث سئل كيف يكون ملبس المرأة وهى تصلى، ولو كانت بمفردها فى الغرفة، هل تغطى شعرها أم تتركه. قال إن المرأة المسلمة يجب عليها أثناء وقت الصلاة، حتى لو كانت بمفردها فى الغرفة، أن تغطى شعرها، ولا شىء يظهر من جسمها إلا الوجه والكفين. وأكد أن سفور الوجه والكفين، هما المسموح بهما، للمرأة المسلمة، فى الشارع وأماكن العمل وغيرها. ويجب أن تتغطى المرأة بأقمشة فضفاضة واسعة، لا تشف من تحتها، ولا تحدد تفاصيل الجسم.
إذا كان هذان الموقفان يعكسان آراء قيادات إسلامية منتشرة فى القنوات الإعلامية الحكومية، والفضائية الخاصة، فى عام 2020، فكيف يمكن تحقيق دعوة الرئيس السيسى منذ 2014، بتجديد الخطاب الدينى؟ عندما أطلق الرئيس السيسى مبادرة تجديد الخطاب الدينى فى عام 2014، أعتقد أنه كان يدرك أنه يحرك الماء الراكدة، وأن دعوته سوف تصطدم بالكثير من الموروثات الدينية التى لفظها الزمن والتغير فى حياة النساء والرجال والأطفال. وهذا حدث عندما بادر الرئيس بخطوة جسورة عملية واقعية لتجديد الخطاب الدينى، وهى ضرورة إلغاء الطلاق الشفوى، هاجمته مؤسسة الأزهر والمشايخ وكل ممثلى الثقافة الدينية الذكورية، كانت النتيجة هى بقاء الطلاق الشفوى، الذى يرسخ غياب العدالة بين الزوج والزوجة، ويدعم النظر إليها كمملوكة أو جارية، وليست إنسانة كاملة الانسانية والكرامة والأهلية. والأطراف التى اعترضت على إلغاء الطلاق الشفوى، تصدع رءوسنا كل يوم، عن احترام المرأة، وتمجيد المرأة، وكرامة المرأة. هم يفهمون احترام المرأة، وانسانية المرأة، وتمجيد المرأة، على أنها الطاعة العمياء للرجل والزوج، والتفانى فى خدمته، والعيش بشروطه، ومقاييسه هو، واعتبار كل ما يصدر عنه، الصواب المطلق والدين المطلق والحق المطلق.
وهؤلاء أيضا، هم الذين يمنعون أى تغيير بسيط فى قوانين الأحوال الشخصية، التى بإمكانها «أنسنة» النساء، وضمان حقوقهن العادلة. أى تغيير فى قوانين الزواج والطلاق، يحقق العدالة بين الأزواج والزوجات، سيكون هو «الطريق المختصر»، لتجديد الخطاب الدينى، وتخليصه من فكره الذكورى. لكنه بلا شك «الطريق الأصعب».
إذن نحن أمام وضع قاتم، يسمح بالكلام الاستعراضى المظهرى الشكلى، وليس فى نيته من قريب أو من بعيد، تحقيق أى تجديد أو إصلاح. بل أكثر من هذا، يمكن اتهام وتكفير، وإدانة منْ يناقش تجديد الدين، بازدراء الأديان وإنكار المعلوم من الدين بالضرورة، والاستهزاء بالثوابت والمقدسات الدينية.
القضية كما أراها، لا تحتاج مؤتمرات وحوارات مجتمعية، وندوات، وملتقيات، وكلاما. القضية تحتاج شجاعة، لأخذ قوانين وقرارات جسورة. القضية تحتاج حرية، ليس إلا. القضية تحتاج إلى أفكار الدولة المدنية، وليس إلى أفكار الدول الدينية، هذا بكل بساطة، «بيت القصيد». القضية هى زواج مدنى موحد لجميع المصريات والمصريين. فالزواج هو الخلية الأولى، وهو عمود القيم التى تُرسخ فى البيت والدولة. فاذا كان قانون الزواج دينيا كما هو الآن، فسوف تظل الدولة المدنية، وهما وخيالا، وسوف تبقى قضية تجديد الخطاب الدينى، مثل قضايا كثيرة هامة، من الضرورات المتجاهلة عن عمد، ونية مبيتة، لاستهداف ترسيخ التخلف والتعصب والعنصرية الدينية والذكورية. بعد أيام سنحتفل بذكرى 30 يونيو 2013، الثورة التى شهدت انتصار الحكم المدنى على الحكم الدينى، فكيف لا نأخذ خطوات شجاعة لمواصلة هدف هذه الثورة؟.
وإذا تأملنا الواقع المصرى، لن يكون صعبا أن نكتشف كيف أن الإعلام بكل أدواته، يلعب دورا فى إلهاء الناس عن مشاكلهم وقضاياهم الملحة. والآن، هو مشغول بأخبار عاجلة بإشاعات إصابة أو وفاة المشهورين بكورونا، وتسليط الضوء على حياة ما يسمونهم نجوم الفن، وكيف يقضون أوقاتهم وهم محبوسون فى البيوت بسبب الفيروس، والمغامرات العاطفية لبعضهم، وصور ممثلات بملابس فاضحة، ومشاريعهم لرمضان القادم، وحوارات مع فنانات وفنانين، تسبب الاكتئاب والتشاؤم والإحباط، وغيرها من الاستهلاكات التى لا تفيد العقل ولا تحفزه على التساؤل والنقد، ولا تثرى رقى المشاعر، ولا تكسب النفس قوة وفلسفة للتحدى والانتصار على التخلف.والأزمة الكبرى، إننى لا أستطيع القول بالبدء فى تغيير الإعلام، لأن منْ الذى سيقوم بتغيير المواد والثقافة الإعلامية، إذا كانت القيادات التى تضع السياسات الإعلامية، تحتاج إلى إعادة تأهيل فكرى وثقافى وحضارى؟