فى وقت تتزايد فيه تأثيرات انتشار فيروس كورونا على اقتصاديات الدول والشركات والقطاعات الإنتاجية، سارعت عدد من الدول والمجموعات الاقتصادية والمؤسسات المالية لاتخاذ إجراءات احترازيّة للعمل على احتواء التداعيات السلبية. وبعد أن أصبحت الولاياتالمتحدة وأوروبا، أخطر بؤر تفشّى الفيروس فى العالم، لجأ البيت الأبيض والحكومات الأوروبية إلى وضع خطط تحفيز اقتصادية لمواجهة التداعيات السلبية ل«كوفيد19»؛ بهدف منع الانزلاق إلى الانهيار الاقتصادى.
وبات الأمر مثل الحُمّى التى أصابت حكومات العالم بالهلع من الآثار الاقتصادية الخطيرة لهذه الجائحة، بعد أن تسبّب فى حدوث شلل شبه تام لأقوى الاقتصاديات العالمية على غرار ما حدث عقب الأزمة المالية العالمية فى 2008، وفى هذا التقرير نرصد أهم هذه الخطط ومدى نجاحها فى انتشال الاقتصاد العالمى من الانهيار الذى بات محتومًا. تريليونا دولار خطّة تحفيزيّة أمريكيّة
وضعت الإدارة الأمريكية خطة لدعم الاقتصاد بنحو تريلونى دولار (ألفيْ مليار دولار)؛ للتخفيف من تأثير تفشّى كورونا على الاقتصاد الأمريكى والعالمى، ووصفت هذه الخطة بالأضخم على مر التاريخ.
وأظهرت تفاصيل هذه الخطة أنها ليست مجرد خطة لمواجهة الفيروس، بل أنها خطة اقتصادية شاملة تسعى إلى حماية الاقتصاد الأمريكى من كارثة اقتصادية محققة، لتحقيق ما فشلت فيه خطط التحفيز التى قام بها الرئيس السابق باراك أوباما للخروج من الأزمة المالية العالمية.
وجاءت الخطة بعد تفعيل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لقانون الإنتاج الدفاعى، وهو القانون الذى يمنح الرئيس القدرة على الاستفادة من القاعدة الصناعية الأمريكية، لتسريع وتوسيع إمدادات الموارد لدعم الحكومة، بما فى ذلك الطاقة العسكرية والفضاء واحتياجات الأمن الداخلى، وفقا للوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ، وهو ما يشير إلى أن العالم يبدو أنه دخل فى حرب اقتصادية.
ووافق مجلس الشيوخ الأمريكى على تشريع طارئ لدعم الاقتصاد بتريليونى دولار للتخفيف من تأثير تداعيات فيروس كورونا على صحة الاقتصاد الأمريكى والعالمى. وتضمنت أهم بنود هذا التشريع تخصيص 500 مليار دولار فى صورة المدفوعات المباشرة للمواطنين، حيث سيحصل كل فرد تقل قيمة دخله السنوية عن 75 ألف دولار على مبلغ يصل إلى 1200 دولار، إلى جانب المدفوعات الإضافية للعائلات مع الأطفال بقدر 3 آلاف دولار لكل عائلة من 4 أفراد، إضافة إلى نحو 500 مليار دولار كمساعدات لدعم السيولة النقدية للقطاعات المتضررة جراء فيروس كورونا، بما فى ذلك 61 مليار دولار لشركات الطيران، 32 مليارًا منها على شكل منح و29 مليارا على شكل قروض، وكذا تخصيص نحو 350 مليار دولار فى شكل قروض لمشاريع الأعمال الصغيرة، و250 مليار دولار لتوسيع التأمين من البطالة.
بجانب ذلك توفير نحو 150 مليار دولار لدعم الحكومات فى الولايات والسلطات المحلية، علاوة على 130 مليار دولار كمساعدات للمستشفيات.
ونجحت هذه الخطة فى توفير 54.8 مليار دولار كدعم للوكالات والهيئات الحكومية، حسب مقترح البيت الأبيض، بجانب تخصيص أكثر من 10 مليارات دولار كدعم لتطوير الأدوية. ألمانيا تواجه تداعيات الوباء
وفى توقيت مماثل، وافقت ألمانيا على خطة إنقاذ ضخمة هى الأخرى بعيدًا عن خطة أوروبية موحّدة وسط تصاعد الخلافات بين دول الاتحاد بشأن خطة الإنقاذ، حيث تبنّى البرلمان الألمانى، الأربعاء الماضى، خطة تدابير شاملة بقيمة 1100 مليار يورو، ستسمح لأول قوة اقتصادية فى أوروبا بمواجهة تبعات وباء كورونا المستجدّ.
وصادق النواب الألمان على قروض جديدة تصل قيمتها إلى 156 مليار يورو لدعم الشركات والموظفين ونظام الصحة، وكذلك مئات المليارات كضمانات للقروض المصرفية الممنوحة للشركات، وتحال مجموعة التدابير غير المسبوقة حاليًا إلى المجلس الاتحادى الألمانى الذى يمثّل المقاطعات.
ومن المؤكد أن تصويت المجلس سيكون لصالح الخطة، إذ إن قادة المقاطعات عبّروا عن دعمهم لخطة حكومة المستشارة أنجيلا ميركل.
تشمل الإجراءات «صندوقًا للاستقرار الاقتصادى» يقدم 400 مليار يورو كضمانات لديون الشركات، و100 مليار للقروض واستثمارات الأسهم فى الشركات و100 مليار لدعم مصرف الاستثمار العام.
وفى المستقبل، سيتمكن هذا الأخير بفضل إمكاناته البالغة 357 مليارات يورو من ضمان قروض بقيمة نحو 822 مليارات يورو.
وستقدم الحكومة الفيدرالية للشركات الصغيرة مساعدات قدرها 50 مليار يورو، وتتضمن الخطة التى أُقرت الأربعاء أيضًا 3,5 مليارات يورو من الدعم الفورى للنظام الصحى، إضافة إلى 55 مليارًا يمكن أن تُستخدم بحرية بناء على الحاجات لمكافحة الوباء.
وتأتى هذه الخطة، فى الوقت الذى تكافح فيه ألمانيا من أجل تفادى السيناريوهات الأسوأ للأزمة، خاصة بعدما توقع معهد إيفو بميونخ أن ينكمش اقتصاد ألمانيا، بما يصل إلى 20 % هذا العام بسبب تأثير فيروس كورونا، إذ تهاوت معنويات الشركات الألمانية لأدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية فى 2008.
ووضع المعهد عدة توقعات عبر حسابات لمعرفة حجم الخسارة بسب أزمة كورونا واعتمد فى ذلك عدة سيناريوهات.
وأشار إلى أنه «إذا ما خرجنا بسرعة نسبية من هذا التوقف، فإن الانهيار سيكلف ربما 5 – 6 % من الناتج المحلى الإجمالى».
وأضاف «أما إذا ساء الوضع، فخلال توقف العمل لمدة 3 أشهر، فالعودة تستمر أشهرًا طويلة للوصول إلى مستوى التشغيل الذى كان سائدا قبل أزمة كورونا وهنا قد يحصل تراجع فى النمو حتى 20%. بريطانيا تدرس خطة الإنقاذ
وعلى الرغم من أن بريطانيا من أكبر الدول المتضررة من الفيروس فى أوروبا، إلا أنها لم تقر، حتى الآن، خطة الإنقاذ التى تم الإعلان عنها قبل أسبوعين، حيث لا تزال تلك الخطة قيد الدراسة.
وكان وزير الخزانة البريطانى ريشى سوناك، قد قال إن المملكة المتحدة ستخصص 330 مليار إسترلينى كدفعة إنقاذ من فيروس كورونا وتبعاته، مؤكدًا أنه يسعى لتحقيق الدعم بدرجة كبيرة خلال أسابيع، مضيفا: «هذا ليس وقت المثاليات.. إنه وقت يجب علينا أن نثبت شجاعتنا، واليوم أقدم المبلغ المبدئى وهو 330 مليار استرلينى كضمانات تساوى 15 % من الناتج المحلى الإجمالى مضيفًا: «هذا يعنى أن أى قطاع يريد الحصول على المبلغ ليقوم بدفع الإيجارات أو المرتبات أو المال اللازم للموردين سيكون من اليسير له الوصول إلى القرض المدعوم حكوميًا».
من ناحيته، قال رئيس الوزراء البريطانى، بوريس جونسون، إنه يعمل مع وزير الخزانة حاليًا من خلال استراتيجيّة حرب، مؤكدا أنهما سيبذلان قصارى جهدهما من أجل إنقاذ الاقتصاد البريطانى.
فيما كانت إيطاليا التى تعد ثانى دولة بالعالم فى عدد الإصابات بالفيروس بعد الصين، سبّاقة فى إقرار خطة إنفاق بقيمة 25 مليار يورو، لدعم نظام الرعاية الصحية فى مواجهة تفشى كورونا ومساعدة الشركات والأسر فى مواجهة التداعيات الاقتصادية لانتشار الفيروس، حيث أقرّتها قبل نحو أسبوعين.
مصر: حزمة إجراءات للحد من تداعيات الأزمة
وفى مصر، لم نكن بمنأى عن هذا الأمر، حيث سارع الرئيس عبدالفتاح السيسى بتخصيص 100 مليار جنيه لمواجهة الأزمة، فيما كان قد تبع ذلك عدة قرارات للحد من التداعيات الاقتصادية على الأنشطة المختلفة والتى كان أهما تخصيص 20 مليار جنيه من البنك المركزى لدعم البورصة، وإقرار 5 علاوات لأصحاب المعاشات وزيادة سنوية بنسبة 14 %، بجانب المبادرات التى قام بها البنك المركزى والبنوك العامة والخاصة بإعفاء المقترضين والشركات الصغيرة من دفع الأقساط لمدة 6 أشهر.
ولعل أهم ما ساعدنا فى مواجهة التداعيات الاقتصادية لهذه الأزمة الخطيرة بأقل تكلفة هو استقرار النظام المصرفى المصرى الذى تمتع بسيولة مالية عالية، فيما لا يواجه أى بنك مصر مخاطر إفلاس، وذلك على غرار ما تواجهه البنوك الأوروبية والأمريكية منذ الأزمة المالية العالمية.
وبجانب قوة القطاع المصرفى، فلا شك أن تدخل مؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة والشرطة المدنية، كان له أثر كبير فى استيعاب الأزمة، خاصة فى ظل وجود شركات قطاع عام استطاعت أن تثبت خلال الأزمة أنها حصن الاقتصاد المصرى الحقيقى.