لا يقل فيروس التطرف الدينى فتكا بالإنسان عن فيروس كورونا الذى انتشر منذ فترة فى العديد من بلدان العالم، بل هو أخطر وأشد لأنه يدمر العقول والأخلاق ويصيب الأمم والمجتمعات بأمراض الفتن والضغائن والصراعات. ومنذ أيام قليلة، أثار بعض السلفيين وأدعياء الدين جدلا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعى حول الجنة ومن له حق الدخول فيها من أصحاب الديانات الأخرى ونصبوا أنفسهم «أوصياء الله» على الأرض يمتلكون مفاتيح الجنة والنار ويعلمون من الذى سيتمتع برضا الله ورضوانه ومن الذى سيحرم منهما.. مهزلة أصحابها يدعون أنهم رجال دين وفى حقيقة الأمر ما هم سوى مرضى يلعبون بورقة الدين لتحقيق أغراض أخرى داخل نفوسهم بعيدة كل البعد عن قيم الإسلام الحقيقية وتعاليمه الوسطية السمحة، وللأسف كل ما نجنيه نحن من مثل هؤلاء هو ذلك الانطباء السيئ عن الإسلام والمسلمين وأنه دين التطرف والانحراف الفكرى الذى يؤدى لسفك الدماء وعدم قبول الآخر أو الاعتراف به. ولا يخفى على أحد أن أى عالم دين يتمتع بالوسطية والاعتدال وعلى دراية كافية بالإسلام وتعاليمه الصحيحة يعلم أن الجنة والنار بيد الله سبحانه وتعالى وحده وأنه لا مجال للتدخل فى أمر ربانى خارج عن نطاق علمنا، وآيات كثيرة فى القرآن الكريم تثبت أن حساب البشر حق لله وحده ولا أحد سواه.. ففى سورة الحج «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شىء شهيد». إن الخطاب الدينى الذى طالبنا مرارا وتكرارا على مدى سنوات طويلة بضرورة تجديده لا يعنى العبث فى العقائد والعبادات لكنه يعنى التجديد فى الفكر الدينى بما يتناسب مع المستجدات والقضايا المعاصرة، سواء كانت فكرية أو عملية أو فقهية. والسؤال: متى سينعم الله علينا بخطاب دينى يحتوى على رؤية عصرية وخالٍ من الطائفية التى حرص أصحاب الفكر المتطرف على إثارتها داخل المجتمع المصرى، ومتى سينعم علينا بأئمة ووعاظ مؤهلين للقيام بدورهم الحقيقى فى الدعوة العصرية الخالية من فتاوى الغيب التى تصيب المجتمعات بالجهل والتخلف؟. والإجابة فى «علم الله».