أيام قليلة تفصلنا عن بدء فعاليات الدورة الحادية والخمسين لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، ذلك المعرض الذى كان ولا يزال منذ افتتاحه عام 1969 مقصدًا لصناع الثقافة والأدب، حيث يتيح لهم عرض إنتاجاتهم فى شتى فروع المعرفة أمام ملايين الزوار، لكن يبدو، أنه أيضًا أصبح ملاذًا آمنًا أمام صناع السينما والدراما، على حد سواء، خاصة بعد السياسات التى مورست فى السنين الأخيرة، والتى كانت سببًا فى توقف العديد منهم عن تقديم أى عمل فنى جديد، لذا فضل أغلبهم أن يقرأ الجمهور إنتاجهم بدلًا من أن يشاهدوه على الشاشة، وفى السطور التالية، حاورنا أربعة من صناع الفن فى مصر، للتعرف على أحدث إنتاجاتهم الأدبية فى معرض الكتاب. صناعة فيلم بتوقيع على بدرخان
يعد فيلم (الرغبة) ل«نادية الجندى» الذى تم إنتاجه عام 2002 هو آخر أفلام المخرج «على بدرخان» صاحب العديد من الكلاسيكيات السينمائية مثل (أهل القمة، الكرنك، وشفيقة ومتولى) لكن قرار «بدرخان» بعدم الوقوف خلف الكاميرا لمدة ثمانية عشر عامًا دفعه لاستثمار كل هذا الوقت فى إقامة ورش تدريبية فى الإخراج، وإصدار كتاب (حرفيات الإخراج السينمائي) فى عام 2017، وفى هذا العام يطل «على بدرخان» على جمهور معرض الكتاب بثلاثة كتب دفعة واحدة، تحت عنوان (صناعة الفيلم) وهى (كتابة القصة والسيناريو..أساسيات وحرفيات) و(الإخراج والمونتاج.. أساسيات وحرفيات) و(التمثيل للسينما والفيديو) وجميعها ينتمون إلى الكتب التعليمية الموجهة فى الأساس إلى شباب السينمائيين الذين لا يزالون يخطون خطواتهم الأولى فى عالم السينما، وعن الكتب الثلاثة يقول «بدرخان»: «تعمدت كتابتها بأسلوب يبتعد تمامًا عن التنظير، فى محاولة لنقل خبرتى العملية التى حصلت عليها عبر سنوات عملى فى السينما منذ الستينيات، وإن كان وجود كتاب سابق لى عن الإخراج لا يعنى أن كتابى الجديد يحمل نفس المعلومات، حيث قررت فى كتابى الجديد أن أواكب جميع المستحدثات فى علم الإخراج، وأن أصحح كثيرًا من الأخطاء التى وقعت فيها فى الكتاب السابق».
حذاء ماجدة خير الله
منذ منتصف الثمانينات بدأت الكاتبة والناقدة الفنية «ماجدة خير الله» فى كتابة القصة والسيناريو للعديد من الأعمال الفنية المهمة، وإذا كان امتهانها للنقد الفنى قد أخذها قليلًا من التأليف، إلا أن هذا لا ينفى وجود العديد من الأعمال الفنية المهمة فى أرشيفها، منها على سبيل المثال، أفلام (الستات، القاتلة، العجوز والبلطجى والعفاريت). بالإضافة إلى مسلسل (وجه القمر) آخر أعمال سيدة الشاشة العربية «فاتن حمامة». يصدر ل«خيرالله» فى معرض الكتاب هذا العام (حذاء ستان أحمر) وهى أول رواية لها تصدر فى شكل سيناريو، وعنها تقول: « الرواية جرت أحداثها عقب ثورة 25 يناير فى أجواء تجمع بين الماضى والحاضر، والسينما حاضرة فى أحداثها بقوة، لأنها تجمع كواليس السينما بالواقع المعاش». وعن فكرة طرحها للسيناريو فى كتاب، وعدم توجهها لتقديمه لشركات الإنتاج تقول: «ما دفعنى إلى طرح السيناريو مكتوبًا هو رغبة كثير من كتاب السيناريو المبتدئين فى قراءة سيناريو مكتوب لم يطرأ عليه تعديلات المخرج، فكثيرًا من السيناريوهات المتوافرة بشكلها النهائى لا تحقق متعة للقارئ الذى يرغب فى قراءة نسخة السيناريو كما كتبها صاحبها، دون أن يشغل باله بتقطيع المخرج، وتقديم السيناريو فى كتاب لا يتعارض أبدا مع فكرة إنتاجه فى عمل فنى، بل أن إتاحته مطبوعًا فى كتاب من الممكن أن يكون بديلًا للشكل التقليدى فى البحث عن جهة إنتاج».
أشجار ناصر عبدالرحمن يعد السيناريست «ناصر عبدالرحمن» من أكثر كتاب السيناريو غزارة فى الإنتاج الأدبى، حيث صدر له من قبل مجموعتان قصصيتان هما (كفارة) و(الولد سر أبيه) كما صدر له العديد من السيناريوهات لم يتم تنفيذها منها (حشيشة، شماريخ، بهية، آخر نفس، صباح العاشقين) وفى معرض الكتاب هذا العام ينشر له مجموعة قصصية ثالثة بعنوان (شجرة صور) وسيناريوهان بعنوان (غرام) و(شجرة حمام) ويحكى الأخير عن شخص يدعى (حمام) سافر إلى بلاد بعيدة بحثًا عن الرزق، لكنه فى مقابل ذلك خسر زوجته وأسرته. من هنا يصبح مجموعة السيناريوهات المنشورة ل «عبدالرحمن» سبعة، وعن هذا يقول: «أكتب سيناريو كل ستة أشهر، وأفضل نشره فى كتاب بدلًا من أن يظل حبيس الأدراج، لكن يؤسفنى عدم اهتمام أي من النقاد، أو صناع السينما بما ينشر، رغم أن جميع هذه السيناريوهات كتبت خصيصًا للنشر، فأنا لا أقبل نشر أى سيناريو تم تنفيذه على الشاشة، رغم مطالبة الكثيرين بنشر (هى فوضى، ودكان شحاتة، ومسلسل جبل الحلال) لذلك فمن الممكن اعتبار ما أنشره صرخة لعل أحدًا يسمعها من صناع السينما، ورسالة للمهتمين بكتابة السيناريو بأن كتابة السيناريو فن له أسس، وقواعد، وأن ما نشهده الآن من ورش كتابة، أهانت صناعة السينما، وأهانت كاتب السيناريو على حد سواء، فلم يعد له شخصية، وأصبح عضوًا يتحكم به آخرون». وعن فكرة نشره لكتاباته على مواقع التواصل الاجتماعى دون قلق من سرقتها يقول: «مجموعتى القصصية (شجرة صور) كتبتها على الفيسبوك، ثم جمعتها، ونشرتها، وأنا لا أقلق من أن يسرق أحدهم كتاباتى وينسبها لنفسه، لأن ما تم إنتاجه على الشاشة يقلد أيضًا، ويتم سرقته، فقد تم تقليد (حين ميسرة) فى العديد من المسلسلات والأفلام، وحتى فيلم (كف القمر) استبدلت الأم، بالأخ الكبير، وتم عمله فى مسلسل شهير».
بنزين محمد هشام عبية أما السيناريست الشاب «محمد هشام عبية» فقد حقق كثيرًا من النجاحات فى الآونة الأخيرة ولا سيما فى الدراما، حيث شارك ضمن ورش فى كتابة عدة تجارب مهمة منها مسلسلات (زودياك، زى الشمس، رحيم وشبر مية) ومن المنتظر أن يعرض له قريبًا مسلسل (فى كل أسبوع يوم جمعة) وفى معرض الكتاب هذا العام له إصداران أحدهما بعنوان (حصة قراءة) والذى يستعرض بداخله أفكار أكثر من خمسين كتابًا متنوعًا، والآخر سيناريو بعنوان (بنزين 80) والذى تدور أحداثه فى عام 2012 بالتزامن مع فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة حيث تقع حادثة احتجاز رهائن فى محطة وقود مملوكة لعضو برلمان فى ذروة أزمة نقص البنزين التى ضربت مصر فى هذه الفترة، ليتضح أن الأمر به ما هو أكثر من واقعة احتجاز رهائن وقعت بطريق الصدفة، وعن هذا السيناريو يقول «عبية» إنه أول سيناريو يكتبه ضمن ورشة (بيرثمارك) التى نظمتها المنتجة «دينا حرب» عام 2016 بالتعاون مع السيناريست «وائل حمدى»، حيث قدم المشاركين فى الورشة معالجات لأفلام تم تطويرها، وكان من المفترض تقديمها على الشاشة تباعًا، لكن لاعتبارات كثيرة لها علاقة بالسوق لم يقدم من نتاج هذه الورشة سوى فيلم (بشترى راجل)، مما دفعه لمحاولة تسويق (بنزين 80) كمشروع مستقل لكنه لم ينجح فى ذلك، مشيرًا إلى أن نشره لا يقضى على فرصته فى الإنتاج، بل هو وسيلة لانتشاره لدى جهات إنتاجية لم يستطع الوصول لها، كما أنه ينتمى للمدرسة التى تعتبر النص السينمائى شكل من أشكال الأدب، وبالتالى لا يوجد مانع أبدًا فى أن يقرأ الجمهور فى كتاب ما تعذر لهم أن يشاهدوه على الشاشة.