تضمنت استراتيجية الدولة الشاملة للإصلاح زيادة عائدات قطاع الثروة المعدنية لجعله أكثر جاذبية للاستثمار ورفع إيرادات القطاع لتتخطى إيرادات قناة السويس، وشرعت فى التعاقد على إنشاء مشروعات عملاقة مؤخرًا فى منطقة أبوطرطور بالوادى الجديد، فيما يتم التحضير لمزايدات لاكتشاف الذهب فى الصحراء الشرقيةوسيناء، والتى تعد الانطلاقة الحقيقية لهذا القطاع الحيوى ليحتل مكانته الطبيعية فى الاقتصاد المصرى. وخلال الفترة الأخيرة، اتخذت أجهزة الدولة العديد من الخطوات لمنع استغلال ثروات مصر التعدينية، وحفظ حقوق الدولة والشعب منها بجانب تشجيع الاستثمار فى هذا المجال، بعد أن كانت هذه الثروة مرتعًا للفساد ونهب الثروات سواء من الشركات أوالأفراد، التى دأبت على استخراج هذه الثروات وبيعها وتصديرها كمواد خام دون استفادة الدولة منها. وتحركت الجهات الرقابية والقضائية للتحقيق فى القضايا الخاصة باستغلال هذه الموارد دون وجه حق، على ضوء التعديلات التى أدخلتها الحكومة على قانون الثروة المعدنية رقم 198 لسنة 2014، والتى صدق عليها الرئيس السيسى فى أغسطس الماضى.
إجراءات قانونية
بعد أن فشلت المحليات وبعض الهيئات المشرفة على ثروة مصر التعدينية فى حماية هذه الموارد وتعظيم العائد منها، بدأت النيابة العامة المصرية التحرك لسد هذا الفراغ القانونى الذى يضيع عشرات المليارات من الجنيهات على الدولة سنويًا. وفى ضوء ذلك، أصدر النائب العام المستشار حمادة الصاوى، قبل أيام، كتابًا دوريًا رقم 7 لسنة 2019 بشأن تعديلات قانون الثروة المعدنية رقم 86 لسنة 1956، وأهم المفاهيم الخاصة به، والجرائم المتعلقة بذلك القانون، والعقوبات المنصوص عليها. وكلف النائب العام، أعضاء النيابة العامة بالعناية بالتحقيق فى الجرائم التى تضمنها القانون، وسرعة التصرف فيها، والاهتمام بمراجعة الأحكام فى القضايا المتعلقة بهذا الشأن، والطعن على المخالف للقانون. ويأتى على رأس الجرائم المنصوص عليها فى القانون، استخراج خام من خامات المناجم أو المحاجر أو المواد المصاحبة دون ترخيص، حيث تصل عقوبتها لمدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تزيد على 5 ملايين جنيه، وفى حالة تكرار الجريمة تكون العقوبة حبسًا مدة لا تقل عن سنتين، وغرامة لا تقل عن 250 ألفًا، ولا تزيد على 5 ملايين جنيه. وكذلك جريمة استخراج خام خارج حدود الترخيص بواسطة المرخص له، عقوبتها غرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد على 5 ملايين جنيه، ويضاعف الحد الأدنى للغرامة حال تكرار الجريمة، بينما عقوبة قائد المركبة التى تحمل خامات محجرية من محاجر غير مرخصة تصل للحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، ولا تزيد على 6 أشهر، وغرامة مالية ضعف قيمة المادة المحجرية أو بإحدى هاتين العقوبيتن.
القانون الجديد
بدأت قضية إعادة الاهتمام بقطاع الثروة التعدينية، كأحد أهم القطاعات الاقتصادية، منذ عام 2014، بتعديل قانون المناجم والمحاجر القديم رقم 86 لسنة 1956، لحفظ حقوق الدولة من الثروات التعدينية، التى كانت تُحصل وفقًا للأسعار السائدة وقتها؛ ما أضاع عشرات المليارات على القطاع العام، وهو ما وصفه معظم المسثمرين فى القطاع الخاص بقانون للجباية وليس لتشجيع الاستثمار. ولما كانت مواد القانون الجديد غير كافية لتحصيل حقوق الدولة المهدرة منذ عقود، فقد أدخلت الدولة بعض التعديلات على القانون ووافق عليها مجلس النواب فى يوليو الماضى. وأكدت الحكومة أن مشروع تعديل القانون يهدف إلى وضع ضوابط واضحة لاستغلال ثروة مصر المعدنية من محاجر ومناجم وملّاحات بما يسمح بالاستغلال الأمثل، مع ضمان تحقيقه أكبر عائد ممكن لصالح الدخل القومى. كما منحت التعديلات الجديدة الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية والجهة المختصة حق اتخاذ إصدار تراخيص خامات المناجم والملاحات والبحث والاستغلال مع اشتراط اعتماد هذا الإجراء من الوزير المختص بشئون الثروة المعدنية أو المحافظ أو رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بحسب النطاق الجغرافى، الذى تقع به منطقة الاستغلال. ومن المنتظر أن تصدر اللائحة التنفيذية لتعديلات قانون الثروة التعدينية الجديد خلال الشهر الجارى، حيث يعكف مجلس الدولة على مراجعتها للتصديق عليها ورفعها لمجلس الوزراء والموافقة عليها.
استراتيجية شاملة
وترى الوزارة أن التعديلات خطوة أساسية لتفعيل توجهات الدولة لتعظيم القيمة المضافة من ثرواتها الطبيعية فى إطار رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، ومواكبة التطورات التى شهدتها الممارسات الدولية فى مجال الاستثمار التعدينى. وكان المكتب الاستشارى «وود ماكنيزى» قد انتهى فى العام 2018، من إعداد استراتيجية لتطوير وتحديث قطاع التعدين، لرفع مساهمة قطاع التعدين فى الناتج القومى بما يتوافق والإمكانيات التعدينية الكبيرة. وتستهدف مصر زيادة مساهمة قطاع التعدين لتبلغ 2 بالمائة من الناتج المحلى للبلاد، بدلاً من 0.5 % حاليًا، عبر تنفيذ خطة تستمر لمدة 5 سنوات. وتتضمن استراتيجية الدولة وصول إسهامات القطاع فى الناتج القومى إلى 7 مليارات دولار بما يزيد على دخل قناة السويس فى العام الماضى بمليار دولار، بجانب توفير 110 آلاف فرصة عمل جديدة، وجذب استثمارات بقيمة 700 مليون دولارسنويًا، والارتقاء بأداء القطاع التعدينى وجاذبيته الاستثمارية على غرار ما شهده قطاع البترول والغاز.
إيرادات ضعيفة وغياب المحليات
شكّل غياب دور المحليات العقبة الأولى أمام استراتيجية الدولة، إذ أعرب السيسى فى المؤتمر السابع للشباب، يوليو الماضى، عن استيائه من ضعف دور المحليات؛ موضحًا أن الدولة أجرت تعديلًا على قانون المحاجر، مستهدفة ضخ من 18 إلى 20 مليار جنيه عوائد على الدخل القومى، لكن لم تحصل حتى الآن على 10 % من الرقم المستهدف. وأشار إلى أنه من الطبيعى أن محجر واحد لمادة محجرية بسيطة برقابة حكيمة، يصل عائده ل 35 مليون جنيه فى الشهر، بينما تمتلك الدولة آلاف المحاجر.. إذ يصل عدد المناجم المرخصة فى مصر إلى نحو 400 منجم، فيما يبلغ عدد المحاجر نحو 2700 محجر، بينما توجد أضعاف هذا العدد من المحاجر غير المرخصة. وتحتل مصر المركز الثالث عالميًا، من حيث الثروة المحجرية، التى تتمثل فى الحجر الجيرى والزلط والرخام والجرانيت والملح والفوسفات، بينما تبلغ إيرادات قطاع التعدين فى المملكة العربية السعودية 17 مليار دولار سنويًا، ما يظهر حجم الإهدار الكبير فى هذا القطاع. وبلغت جملة الإيرادات المتوقعة بمشروع موازنة الهيئة العامة للثروة المعدنية عن السنة المالية 2019/2020، 2 مليار و406 ملايين و960 ألف جنيه، بزيادة قدرها 389 مليونًا و960 ألف جنيه عن إيرادات الهيئة بموازنة العام الماضى، حيث بلغت 2 مليار و17 مليون جنيه.
الرمال السوداء
بدأت الدولة الاستثمار فى بعض المشروعات الاستراتيجية لتعظيم الاستفادة من الثروات التعدينية، ليصبح مشروع الرمال السوداء بمحافظة كفر الشيخ هو أول المشروعات فى هذا الشأن. وتبلغ استثمارات هذا المشروع نحو 24 مليون دولار، بالمشاركة بين هيئة المواد النووية التابعة لوزارة الكهرباء، والشركة المصرية للرمال السوداء إحدى الشركات التابعة لجهاز الخدمة المدنية، وإحدى الشركات الصينية. إضافة لمشروع إنشاء مجمع حمض الفوسفوريك بأبوطرطور، الذى وقع وزير البترول عقده مع إحدى الشركات الصينية فى بداية ديسمبر الماضى، باستثمارات تبلغ 842 مليون دولار، لإنتاج مليون طن من حمض الفسفوريك الذى يعتبر المادة الأساسية فى صناعة الأسمدة الفوسفاتية البسيطة والمركبة.
المثلث الذهبى يبدو أن مشروع المثلث الذهبى سيجد طريقه للنور أخيرًا، بعد الانتهاء من اللائحة التنفيذية لتعديلات قانون التعدين. وكان الرئيس السيسى قد أصدر القرار الجمهورى فى 17 يوليو 2017 بإنشاء المنطقة الاقتصادية للمثلث الذهبى، وإنشاء عاصمة صناعية على مساحة حوالى 2.5 مليون فدان، من دون المساس بالملكية القائمة داخلها. تحتوى منطقة المثلث الذهبى على العديد من الخامات المعدنية بالمنطقة، لذلك يتوقع قيام تجمعات صناعية تقوم على الرمال البيضاء والكوارتز والسليكا، والطفلة الكاولنية، والرخام وأحجار الزينة، الحجر الجيرى، وطفلة الأسمنت وصناعات الأسمنت والصناعات النادرة مثل: التانتيوم والفاناديوم ومجمع صناعات الفوسفات ومجمع تكرير الذهب والصناعات التى تقوم عليه، وتصل استثمارات المشروع لنحو 16 مليار دولار.
موارد مصر
تزخر مصر بالكثير من الموارد الطبيعية من معادن وخامات محجرية وأملاح، لم يتم استغلالها بالشكل الأمثل حتى الآن، ويقول الدكتور عبدالعال عطية، نائب رئيس هيئة الثروة المعدنية السابق: إن مصر يوجد بها أكثر من 45 خامة تعدينية يوجد لها خرائط، موضحًا أن هذه الخرائط تتضمن أماكن كل خامة واحتياطاتها من خلال مسح جبال مصر وصحاريها. وعن الأهمية الاقتصادية لاحتياطات مصر من الخامات المعدنية يوضح «عطية» أن هذه الخامات منها 11 خامة تعتبر خامة وفيرة، احتياطاتها فوق مستوى التقدير، ومنها «الحجر الجيرى والملح ورملة الزجاج والرخام»، حيث يتعدى إنتاج مصر أكثر من 240 مليون طن حجر جيرى سنويًا، يستخدم 170 مليون طن منها فى صناعة الأسمنت تدر وحدها أكثر من 72 مليار جنيه استثمارات داخل البلاد. مواقع الذهب
كشف الجيولوجى عمر طعيمة، الرئيس الأسبق لهيئة الثروة المعدنية، أن هناك أكثر من 120 موقعًا للذهب، موضحًا أن هذه المواقع عبارة عن مناجم قديمة كان يعمل بها الفراعنة؛ وهى غالبًا ما تكون لها فوهة عند فتحة كل منجم تعرف منها. وتابع أن هناك بعثات جيولوجية بالهيئة، أعدت تقييمات مبدئية لهذه المناطق والتى كشفت أن هناك أكثر من 120 موقعًا متناثرة فى جميع أنحاء الصحراء الشرقية؛ بداية من المناطق الحدودية مع السودان من حلايب وشلاتين جنوبًا وحتى منطقة رأس غارب بالسويس شمالًا، فيما توجد مجموعة أخرى فى جنوبسيناء. واستطرد «طعيمة» أن الهيئة العامة للثروة المعدنية تعمل منذ 2016 على طرح مزايدة للبحث والتنقيب عن الذهب ل8 مناطق فى الصحراء الشرقيةوجنوبسيناء، غير أن هذه المزايدة لم تر النور حتى الآن. يبدو أن 2020 سيكون عامًا استثنائيًا بالنسبة لقطاع التعدين، فى ظل التحركات المتسارعة التى تقوم بها الدولة لجعل هذا القطاع جاذبًا للاستثمار على غرار قطاع البترول، لذلك فنحن فى انتظار أخبار اقتصادية جيدة، ستحمل اكتشافات قد تفوق اكتشاف منجم السكرى.