المصالح الانتخابية والخوف من عدم الدستورية.. ربما يكونان السبب الرئيسى وراء تعطيل صدور قانون المحليات، فبعد أن استشبر الكثيرون بجدية مجلس النواب وإدراج القانون على أجندته الأسبوع الماضى، إلا أن الأمر تحول إلى مشادات وخلافات وصلت لمرحلة الاحتقان بين عدد من النواب والقوى السياسية، وانتهت برفض مناقشة المشروع وإعادته للجنة المحليات مرة أخرى. القانون الذى يعد أحد القوانين المكملة للدستور، ويمهد الطريق لإجراء انتخابات المجالس المحلية والتى شهدت آخر انتخابات لها فى أبريل 2008، ومنذ عام 2011 عندما تم حل المجالس، لم تُجر انتخابات جديدة، ولم تتشكل أى مجالس بديلة ولو معينة، أصبحت المحليات بلا مجالس، وتحولت لكيانات تنفيذية فاقدة للرقابة والتمثيل الشعبى.
النص الدستورى المادة 242 من الدستور الحالى نصت: «يستمر العمل بنظام الإدارة المحلية القائم إلى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه، ودون إخلال بأحكام المادة (180) من هذا الدستور، وحددت المادة 180 من الدستور طريقة انتخاب أعضاء المجالس المحلية ونصت على: «تنتخب كل وحدة محلية مجلساً بالاقتراع العام السرى المباشر، لمدة أربع سنوات، ويشترط فى المترشح ألا تقل سنه عن إحدى وعشرين سنة ميلادية، وينظم القانون شروط الترشح الأخرى، وإجراءات الانتخاب، على أن يُخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين بالمائة من إجمالى عدد المقاعد، وأن تتضمن تلك النسبة تمثيلاً مناسباً للمسيحيين وذوى الإعاقة. النص الدستورى طالب باستعجال سن القانون وحدد اختصاصات المجالس المحلية: «بمتابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية من اقتراحات، وتوجيه أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات وغيرها، وفى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية، على النحو الذى ينظمه القانون. ويحدد القانون اختصاصات المجالس المحلية الأخرى، ومواردها المالية وضمانات أعضائها واستقلالها»، إلا أن أزمات القانون تزداد يومًا بعد الآخر ولا توجد بارقة أمل فى أن يرى النور خلال دور الانعقاد الأخير من مجلس النواب بعد رفض المجلس فى جلساته الأسبوع الماضى مناقشة المشروع وإعادته مرة أخرى للأدراج.
خلافات النواب وشهدت جلسة مجلس النواب الأسبوع الماضى خلافات حادة خلال مناقشة القانون، الذى ظل حبيس الأدراج لأكثر من 4 سنوات، طالب خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسى عدة مرات بضرورة إصداره، وأكدت أهميته الأحزاب السياسية لسد فجوة المجالس المحلية ووضع ضوابط للعمل المحلى، ورغم النص الدستورى، فإن الجلسة شهدت رفض العديد من الأحزاب للمشروع، كمستقبل وطن والمصريين الأحرار والوفد، وهو ما تسبب فى إشعال أزمة بين الرافضين للقانون بدعوى عدم دستورية بعض المواد، وأن الظروف والأجواء غير مهيأة لصدوره وإجراء انتخابات المحليات، وبين الداعمين لإصدار القانون، الذين أكدوا أنه أفضل قانون للإدارة المحلية، وأن رفض القانون نابع من مصالح شخصية وانتخابية. الصدام بدأ بكلمة النائب أشرف رشاد، رئيس حزب مستقبل وطن، خلال الجلسة العامة، وإعلان رفضه مشروع القانون، وطلب تأجيله، قائلاً: «الحزب حريص على صدور القانون، ولكن عندما يكون القانون قادرًا على مواجهة الواقع، فالقانون به مشكلات دستورية، منها كيفية تنفيذ اللامركزية فى الحكم فى ظل الوضع الحالى للمحليات، فالسلطة التنفيذية لن تكون حريصة على دعم اللامركزية، كما أن القانون به عوار ويصطدم بقانون المجتمعات العمرانية»، مشيرًا إلى عدم قدرة الأحزاب على خوض الانتخابات البرلمانية وانتخابات المحليات فى عام واحد. تأجيل المناقشة
الدكتور على عبدالعال، رئيس مجلس النواب انتقد مطالبات عدد من الأحزاب برفض مناقشة مشروع القانون خلال الجلسة العامة، قائلاً: «من يقاوم إصدار التشريع هى الدولة العميقة بالمحليات، طالما لا يوجد محليات فيدهم مطلقة.. هؤلاء هم أنفسهم من وضعوا العقبات أمام التصالح فى مخالفات البناء، بقالنا 9 سنوات من غير محليات». وأضاف عبدالعال: «سنجرى جميع المناقشات حول القانون بتوسع، وليس شرط الموافقة عليه الآن»، مؤكدًا أنه لا يجوز رفض قانون الإدارة المحلية من حيث المبدأ باعتباره التزامًا دستوريًا، وبالتالى يحق للنواب فقط مناقشة مواده ورفضها أو تعديلها أو حتى إعادة القانون مرة أخرى للجنة الإدارة المحلية، لكن رفضه من حيث المبدأ غير جائز على الإطلاق». وأوضح عبدالعال، أن الأولويات هى التى أدت إلى تأخير انتخابات المحليات، ومشروع القانون يجب أن يتم إقراره قبل انتهاء دور الانعقاد الحالى حتى لا يتهم المجلس بالتقاعس عن الوفاء بالالتزامات والمحددات الدستورية، قائلا: «الإدارة المحلية هى المدرسة التى يتدرب بها المواطنون»، مقررا تأجيل مناقشة القانون لجلسة لاحقة، لإتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن رؤيته بكل شفافية.
عوار دستورى
الدكتور ياسر الهضيبى، نائب رئيس حزب الوفد، أوضح أن مشروع قانون الإدارة المحلية يشوب بعض مواده عوار دستورى، لذا يرى الحزب ضرورة إجراء انتخابات المحليات للمرة الأولى بنظام القائمة المغلقة وتضم جميع الأحزاب، خاصة أن النظام الفردى صعب تطبيقه، لأنه يختلف عن انتخابات مجلسى النواب والشيوخ فى ظل ضخامة عدد مقاعد المحليات التى تتعدى 55 ألف عضو. وطالب «الهضيبى» فى تصريحات لروزاليوسف، بإصدار قانون تقسيم الدوائر قبل إقرار قانون الإدارة المحلية، لمعرفة كيفية إدارة الانتخابات بالدوائر وعلى أى تقسيم جغرافى، مشيرًا إلى أن عدم تقسيم الدوائر يؤدى إلى استحالة تطبيق نظام اللامركزية الوارد بمشروع القانون، وبالتالى نرى أن القانون غير جاهز للتطبيق على أرض الواقع. وتساءل نائب رئيس حزب الوفد عن سر خروج قانون المحليات الذى ظل 4 سنوات حبيس الأدراج فى هذا التوقيت، مشيرًا إلى أن خروجه فى الوقت الراهن لأهداف معينة، مؤكدًا أن: «الوفد» جاهز دائما لخوض جميع الاستحقاقات الدستورية (النواب، الشيوخ، والمحليات). ومن جانبه رفض أيمن أبوالعلا، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار، مشروع قانون الإدارة المحلية، مؤكدًا أنه طالب أثناء التعديلات الدستورية، بتعديل المواد الخاصة بالإدارة المحلية، خاصة المادة 180 : «محدش سمعنى وقتها»، فالمادة تنص على أن يكون ربع المقاعد من المرأة والشباب، فلم تنص المادة على أن تلك النسبة على الأقل، وبناء عليه الأحزاب مضطرة لمنع الشباب والمرأة من النزول فردى، وهو مخالف للمادة 125 من الدستور، ولو نجحوا لن يكون دستوريًا لمخالفته المادة 180 من الدستور». وأضاف رئيس الهيئة البرلمانية للمصريين الأحرار: «إذن المشرع الدستورى يدفعنا لأن تكون الانتخابات بالقوائم 100 %، غير أن نسبة ذوى الإعاقة والمسيحيين من العمال والفلاحين، فبالتالى أنا أمنع إذن أى مؤهل يدخل، وإلا سيكون غير دستورى، وحل ذلك أن أفتح صفة العامل، وأقول من يعمل لدى الغير».
مصالح انتخابية النائب محمد الفيومى، عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، قال: إن قانون الإدارة المحلية من أفضل القوانين التى أعدت فى البرلمان، وهو نتاج مشروع قانون مقدم من الحكومة ومشروعات مقدمة من أحزاب ونواب، شاركت فيه كل الجهات، بدءًا من رئيس الوزراء، ووزراء ومحافظين حاليين وسابقين، ومستشارين، وأساتذة من كليات الاقتصاد والعلوم السياسية، والأحزاب، والنواب أنفسهم، على مدار 520 ساعة عمل داخل اللجنة. وأضاف «الفيومى» فى تصريحات لروزاليوسف، أن هناك سببًا ظاهريًا يدّعيه النواب الرافضون، وهو أن بالقانون مخالفة دستورية، ولا يغطى احتياجات الوطن فيما يتعلق بمجالس محلية قوية ولا يحقق اللامركزية، إلى جانب حديث وكيل المجلس بأن القانون لم يتحدث عن الموارد المالية وأنه بحاجة لترسيم حدود المحافظات. وتحدى الفيومى الرافضين للمشروع بأن يكونوا قد قرأوا المشروع، قائلا: «مستعد لمناظرة أى منهم .. لو كان هناك مادة غير دستورية، ادفع بعدم دستوريتها واطلب إعادة مناقشتها، ولكن لا ترفض القانون بأكمله.. لكن هناك نوابًا يرفعون شعار الدفاع عن الدستور وهم يخالفونه؟، فالدستور يلزم المجلس بإصدار القانون خلال 5 سنوات من تاريخ وضع الدستور، وتعطيل إصدار القانون من السلطة التشريعية انتهاك للدستور. وأشار «الفيومى» إلى أن السبب الحقيقى وراء رفض القانون مصالح شخصية وانتخابية، لأنهم لا يريدون إجراء انتخابات المحليات قبل انتخابات مجلس النواب، فهناك أعضاء بالمجلس يجتذبون قطاعات عريضة من المؤيدين، بإعطائهم وعودًا بالدعم فى انتخابات المحليات، وفى حالة إجراء انتخابات المحليات أولاً سينقلب عليه الخاسرون فى سباق المحليات، وبالتالى سيفقد كتلا تصويتية يحتاجها لخوض انتخابات البرلمان. وأضاف، أنه لا يعلم مصير القانون فى الوقت الحالى، ولكن هناك آراءً مطروحة بأن تصبح مواد انتخابات المحليات فى قانون منفصل، موضحًا أن مشروع القانون 156 مادة، من بينها 10 مواد عن الانتخابات، و146 تتحدث عن اختصاصات المحافظين والسكرتير العام ورؤساء المدن والأحياء، والموارد المالية ونقل السلطات واللامركزية والمجالس المحلية وسلطاتها ووسائل الرقابة الممنوحة إليها.