لقد مرت الجزائر بمرحلة صعبة بعد استقلالها امتزجت فيها الأصوات من كل جانب فأدخلت البلد في فوضي سياسية واجتماعية كبيرتين.. وكانت فترة التسعينيات هي من أكثر الفترات التي شهدت اضطرابات واسعة دفع فيها الكثير من أبناء هذا البلد ضريبة الدم والتشريد والقمع.. الكثير من أبناء الجزائر في تلك الفترة راحوا ضحية بطش أعمي وسياسة غير رشيدة نتيجة تسابق مختلف الطوائف السياسية نحو السلطة والحكم. تكرر نفس السيناريو أكثر من مرة بعد الإعلان عن التعددية السياسية خلال هذه الفترة سيناريو التزوير والكذب والتهافت الأعمي علي كراسي المسئولية تضليل للرأي العام ووقوف عند الرأي الواحد وعدم نزاهة في الانتخابات وولادة حزب جديد للدولة ليحل محل الحزب العتيد كحزب حاكم الذي قاد الثورة التحريرية الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي وهذا الحزب الجديد تولي زمام المسئولية بعقل مشوش وفكرة تثبيت السلطة وبشكل غير مدروس وغير مبني علي خبرة كبيرة مثله مثل باقي الكثير من أحزاب المعارضة للأسف، كان ذلك كله في نهاية التسعينيات فالتعددية السياسية في الجزائر شهدت عدة مراحل عبر ممارسات ميدانية وواقعية وكثيرا ما كان الشعب هو حقل التجارب فيها وبالتالي ضحية تجارب فاشلة تجربة قد يستفيد منها الكثير من السياسيين وخاصة الحكام العرب خاصة مع ما يشهده الشارع العربي من اضطرابات واحتجاجات ضد حكامه فقد لا تتشابه الأنظمة العربية تماما فيما بينها ولكنها قد تشترك في بعض الأشياء مثل الطبيعة والتركيبة النفسية للإنسان العربي الحق في المطالبة بالحياة الكريمة من جهة ومن جهة أخري الإصرار علي الوصول إلي كرسي الحكم لمختلف الطوائف السياسية أو الحزبية أو الإصرار علي البقاء فيها أيضا وهذه هي مشكلة الدول العربية، إن مفهوم الديمقراطية عند الدول العربية تشوبه الكثير من التناقضات فهذه الدول من جهة تري أن الحكم يجب أن يكون متداولاً بين مختلف الأحزاب أو الأطراف ومن جهة أخري تتمسك بالكرسي إلي آخر لحظة ظنا أن ليس هناك من هو جدير بأمساك زمام الحكم سواها وربما هذا يقودنا إلي طرح إشكالية الثقة المفقودة والدراية غير الكافية بأساليب الحكم والقصور السياسي بالتالي تقع الأزمات تلو الأزمات، وفي الوقت نفسه لا تجد لهذه الدول التي تقع فيها الاضطرابات خلايا تدير تلك الأزمات التي كثيرا ما تعقد الموقف الذي تمر به دولة ما وخاصة إذا كانت البيئة المحيطة بتلك الدولة غير مساعدة علي إيجاد فرص للحلول والخروج من الأزمة، إضافة إلي وجود تأثيرات دولية قد تزيد من ضبابية الموقف وتعقد الأزمة أكثر. وما شهدته تونس مؤخرا قد يختلف بكثير عما جري ويجري في الجزائر بحكم طبيعة كل بلد من حيث المساحة الجغرافية وطبيعة الحكم أصلا وكذلك ما تشهده مصر من ثورة شعبية ضد النظام من أجل إسقاطه والأمر يختلف في كثير من الجوانب أيضا، لكن قد تكون تجربة الجزائر في مسألة مشاركة الأحزاب في السلطة ومسألة الانتخابات وفق التعددية السياسية تجربة لمصر أكثر من أي بلد آخر علي الأقل في الوقت الحالي ولكثير من الدول الأخري أيضا وهذا من أجل الاستفادة من الأخطاء ومحاولة تفادي أسبابها ومصر قادرة أن تتحول إلي بلد أكثر تحضرا ونضجا سياسيا وتخرج من الأزمة بسرعة مهما كان الشخص أو التيار الذي سيتولي زمام الحكم بها لأنها تضم أكبر عدد من المفكرين والسياسيين والمثقفين والأدباء والعلماء وأكثر شعبها مثقف وواع باستطاعته التكيف مع المستجدات السياسية خاصة إذا كانت التغييرات والمستجدات علي الساحة السياسية والاجتماعية تناسب كل الطبقات والطوائف ومعتدلة تجمع بين مختلف الأطراف بدون أي تحيز وللحديث بقية. باحثة وكاتبة جزائرية