مع تفاقم الأزمة السياسية في مصر وتحول دفتها نحو العنف والمجهول لجأ الكاتب ( جلين كيسلر) في تقريره المنشور بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية لتحليل التاريخ بحثا عن إجابات عن التساؤلات المطروحة حول ما ستنتهي إليه الأحداث الجارية في مصر الآن.. مثل هل ستتمكن حركة إسلامية ما، أو رجل استبدادي، أو كلاهما من السيطرة علي الموقف، مثلما حدث بعد الثورة الإسلامية عام 1979؟ أم هل سيتمكن العلمانيون بمساعدة الجيش من تجاوز عملية الانتقال الفوضوية والزج بها نحو الديمقراطية مثلما حدث في إندونيسيا عام 1998؟ أم هل سيكون الوضع عالقا في منتصف هذين الخيارين، مثلما نتج مبدئيا عن الثورة الرومانية عام 1989؟ الكاتب أكد علي أن النتيجة النهائية لا يمكن التوصل إليها قبل أسابيع حتي في عصر التكنولوجيا والتويتر، في مصر لا يمكن التحرك نحو الديمقراطية قبل إحلال بعض التغييرات الجذرية في القانون والدستور، ورغم أن الانتخابات الرئاسية مقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل، وأن المسألة تحتاج إلي عملية دقيقة من الإصلاح لضمان نقل السلطة نحو الديمقراطية. وأشار التقرير إلي أن هذه الإصلاحات لن تضمن بالطبع أن النتائج ستصب في مصلحة الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالاستناد إلي التاريخ، هناك ثلاثة سيناريوهات محتمل تكرارها في مصر ناقشها العديد من المحللين. أولها: النتيجة التي تلت الثورة الإيرانية، فشاه إيران كان مرساة لقوة الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، واحتفظ بالعلاقات مع إسرائيل، وكان تقدميا علي الصعيد الاجتماعي مع تبني نهج علماني إلي حد كبير، ولكن عندما أطاحت الثورة بحكمه، استولت مجموعة دينية بزعامة آية الله الخميني علي السلطة، وكانت هذه النتيجة ضارة للغاية بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية، لاسيما أن إيران باتت من أكبر المؤيدين للمسلحين المعادين لإسرائيل في المنطقة. ورغم أن المقارنة ليست دقيقة، لأنه لا يوجد زعيم روحي مصري يعيش في باريس بانتظار العودة إلي القاهرة، فإن بعض الخبراء يخشون من إمكانية سيطرة حركة إسلامية علي أوصال الانتفاضة، مثل حركة الإخوان المسلمين التي طالما كانت محظورة، ولكنها موجودة علي الساحة السياسية في مصر. --- أما السيناريو الثاني: فيكمن في التجربة الإندونيسية، التي بدأت بعد نهاية حكم الرئيس سوهارتو الذي استمر لمدة 32 عاما. سوهارتو كان حليفا بارزا للولايات المتحدة، وكان البيت الأبيض متخوفا من رحيله، ولكن في نهاية المطاف، تمكنت أكبر دولة من حيث عدد المسلمين من نقل السلطة نحو الديمقراطية وإن كان بعد فترة طويلة، وظلت شريكا رئيسيا لواشنطن. ويري توماس كارثورسز نائب مدير معهد كارنيجي للسلام الدولي أن التجربة الإندونيسية الأقرب للحدوث في مصر أكثر من نظيرتها الإيرانية، ولكنه حذر من أن الطريق لتحقيق ذلك سيكون صعبا. فهناك الكثير من أوجه التشابه بين مصر وإندونيسيا، فكلتا الدولتين تتبنيان نهجا علمانيا، وتتمتعان بجيش قوي رفض قمع المتظاهرين، وشهدتا ثورة قادها مزيج من الشباب والمجتمع المدني. --- ويقول السيناريو الثالث: إن الوضع سيكون شبيها بالثورة التي وقعت في رومانيا عام 1989 وأطاحت بالحاكم الديكاتوري وقتلته، ولكن تمكن الجيش في غضون أشهر بمساعدة النخبة العسكرية والشيوعية من الحفاظ علي استقرار البلاد مع الرئيس المعين، وهو حليف سابق للديكتاتور الراحل وفاز ب 85% من الأصوات في انتخابات مايو عام .1990 وأضاف الكاتب قائلا إن القوات الأمنية في مصر والجيش والحرس الوطني أقوي من ذلك بكثير، ويحتمل أن تتمكن النخبة الحاكمة من السيطرة علي الوضع أكثر من المعارضة، عن طريق تنحية مبارك وتطبيق بعض الإصلاحات التجميلية التي توهم بإجراء التغيير، وحينها ستساهم وسائل الإعلام التي تتحكم فيها الدولة في إتمام العملية، لاسيما أن الانتخابات يمكن التلاعب بها لضمان الإبقاء علي هيكل القوي الحالي. وأشار الكاتب إلي أن ما أنقذ الثورة الرومانية في نهاية الأمر، هو أن الدولة أرادت أن تكون عضوا في الناتو والاتحاد الأوروبي، لذا طبقت نظاما ديمقراطيا، ولكن هذه الظروف ليست متوفرة حاليا في مصر.