مع انتشار المبانى السكنية جوار بعضها البعض.. تَحوَّل تدريجيًا اللون الأخضر ليحل مكانه لون الأسمنت القاتم.. وهو ما أدى منذ عدة سنوات لانتشار فكرة الزراعة فوق أسطح المنازل وفى البلكونات.. بمرور الوقت الوقت لم تقتصر الفكرة على زراعة نباتات الزينة طلبًا للبهجة فقط.. وتحوَّل الأمر لتحقيق الاكتفاء الذاتى للمنزل من النباتات والمحاصيل الأساسية.. تبَنَّى بعض الأشخاص الفكرة.. وأصبح لهم مجتمعهم الخاص على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى؛ لتكون عونًا كبيرًا لمن يرغب فى خوض تجربة الزراعة المنزلية وتبادُل الخبرات معًا.ورُغم حصول مصر على المركز الثالث عالميًا بعد فرنسا والصين فى زراعة أسطح المنازل، فلايزال الأمر يحتاج إلى كثير من الدعم حتى يكسو اللون الأخضر المساحات الكبيرة من الأسطح، لما لها من فوائد بيئية متعددة، منها تقليل الأتربة والغبار وثانى أكسيد الكربون، بجانب حصول الأسر على غذاء نظيف.. «روزاليوسف» مع عدد من الأشخاص كانت لهم تجربة ناجحة فى الزراعة على أسطح المنازل؛ لنتعرف من خلال تجاربهم المختلفة طرُق الزراعة المنزلية بما تتضمنه من إيجابيات وسلبيات.يقول حمادة المصرى، أحد المهتمين بالزراعة ومن أنشط المتفاعلين على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» لدعم الزراعة المنزلية، إنه استلهم فكرة الزراعة فوق سطح المنزل من والدته التى لم تتوقف عن زراعة الريحان والنعناع فى شرفة المنزل منذ صغره؛ ليبدأ بعد ذلك تجربته الخاصة فى زراعة الطماطم والفلفل والتوت البرى والروزمارى.. رغبة فى تحقيق جزء من احتياجات البيت. ويضيف «المصرى»: إن الاكتفاء الذاتى من الزراعة المنزلية يتحدد من العلاقة بين مساحة المزروع وعدد أفراد الأسرة المعتمدة على هذا النبات. مشيرًا إلى الاختلاف الكبير بين زراعة الحديقة وزراعة سطح المنزل أو «البلكونة»، كما تعتمد بعض النباتات على المناخ وتغيُّر الفصول مثل الفجل والبروكلى والخس فى الشتاء، والبامية والملوخية فى فصل الصيف، بينما توجد نباتات أخرى يمكن زراعتها طوال العام، التى أصبحت من النباتات التى تعتمد عليها الزراعة المنزلية بشكل أساسى.وعن جودة النباتات يوضح أنها تعتمد بشكل أساسى على البذرة، التى يحصل عليها من خلال بذور الثمرة نفسها أو شرائها من المتخصصين فى المستلزمات الزراعية أو المعارض. لافتًا إلى المسئولية الكبيرة فى رعاية النبتة المنزلية حتى تكتمل مراحل نموها، التى تتضمن مواعيد السقاية واختيار التربة المناسبة حتى الاكتمال والنمو «من أسعد اللحظات فى حياتى لمَّا بَشوف الزهرة بتتفتح قُدّامى.. بَحس إنها بنتى فعلًا من غير مبالغة».الدكتور أحمد السيد حمزة، عضو المركز القومى للبحوث الزراعية، أوضح أن مصر من الدول التى تقع فى حزام المناطق القاحلة، إذ تبلغ مساحة الأراضى الصحراوية 85 %، إضافة لشبه انحسار للمناطق الزراعية فى وادى النيل والدلتا، وهو ما كان سببًا للاتجاه نحو إنشاء وحدات زراعة صغيرة توضع على أسطح المبانى أو المدارس لتوفير الأمن الغذائى. مؤكدًا أن هذا النظام ساهم فى تقليل التلوث الناتج من زيادة مساحات المبانى وقِلة الغطاء النباتى فى المدن إضافة لتنقية هواء المدن من الملوثات.وأشار لإمكانية زراعة المحاصيل المختلفة بمَعزل عن التربة باستخدام أنظمة المراقد والحاويات، والمواسير على الجدار، وهو ما تم تطبيقه بالفعل فى بعض المحافظات مثل القاهرة الكبرى والإسكندرية والدقهلية والإسماعيلية.حُب شريف للزراعة دفعه لتأسيس جروب «زراعة بلكونة» منذ أربع سنوات على «فيس بوك»، ورُغم زراعته الطماطم والخس والفلفل؛ فإن شغفه كان بالزهور ونباتات الزينة؛ خصوصًا زهرة «الإيفوريا» أو شوكة المسيح، كما قاده حُب الزهور للسَّفر فى مدن مختلفة بحثًا عن المشاتل وأنواع الزهور. أمّا عن رؤيته للاكتفاء الذاتى من الزراعة المنزلية فى سد حاجة الأسرة من الغذاء، فأوضح أن الزراعة المنزلية يمكن أن تحقق اكتفاءً ذاتيًا بنسبة لا تتخطى 50 % من حاجة الأسرة الأساسية، إلّا أنها من أفضل الطرُق فى توفير نباتات «أورجنك»، كما أنها لا تستحوذ على رقعة كبيرة من مساحة البيت أو السطح.وتابع «شريف»: إن هناك بعض الأمور فى الزراعة التى قد تساهم فى الاكتفاء الذاتى، من خلال توفير المناخ المناسب للنباتات الموسمية. مشيرًا إلى أنه يزرع «الشَّبَت» وهو محصول شتوى فى فصل الصيف، عن طريق حمايته من الشمس والتحكم فى مكان الأصيص، ما يجعله يحصل على النبات عندما يكون غير متوافر فى الأسواق، فضلًا عن ضمان جودة النبتة من دون إضافة هورمونات أو مبيدات.وعن زراعة الشُّرفة أو المساحات الصغيرة يقول إنها لا تحتاج تخصصًا علميًا فى الزراعة، فهو خريج كلية التربية، إذ تُقابل المُزارع المنزلى فى البداية بعض المشاكل فى فهم طبيعة النباتات، سواء فى الحاجة إلى المياه أو التعرض للشمس أو التصدى لبعض الحشرات، لكن يمكن تخطيها جميعًا من خلال تبادُل المعلومات والخبرات على وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة.وتُعَد زيادة الحشرات فى المنزل من أكبر المخاوف التى تصيب البعض من الزراعة فى الشرفة أو على الأسطح. ويؤكد «شريف» أن أى آفة تصيب النبات لا علاقة لها بالإنسان، وأن معظم سكان الڤيلات يمتلكون حدائق أو مساحات خضراء أمام المنازل لا تتسبب النباتات فى ضرر لهم نهائيًا، بل تكون النباتات سببًا فى إضافة البهجة وبث الطاقة الإيجابية داخل الأشخاص.الخوف من السَّفَر أو التواجد لفترات طويلة خارج المنزل يُعد من سلبيات الزراعة المنزلية، إذ يقول شريف «النبات بيشبه الطفل الصغير.. بيبان عليه العطش والجوع والمرض.. وده اللى بيكتفنى عن السَّفر أو أن أقضى أوقاتًا طويلة بَرَّه البيت؛ لأنى بزرع فى الشقة وعلى سطح العمارة».. لافتًا إلى أن كل نبات له وقت يختلف عن الآخر، فمثلًا الجرجير، يمكن تناوُله بعد شهر من زراعته ولكن ننتظر الطماطم لمدة شهرين حتى نتناولها.تجارب الزراعة المنزلية للنساء على مواقع التواصل الاجتماعى كان لها النصيب الأكبر، إذ توضح «إنتصار»، صاحبة تجربة فى زراعة سطح المنزل بمحافظة الجيزة، أنها حصلت على فاكهة الفراولة من خلال الزراعة فى المنزل، وساعدها فى ذلك أن المنزل مِلْكٌ لها فكان لها حرية التحكم. لافتة إلى أن سهولة الخطوات كانت الدافع الأساسى لها للتجربة، ونجاحها كان سبب استمرارها فى الزراعة المنزلية.وعن بدايتها مع الزراعة المنزلية تقول «اشتريت أصيص الفراولة فى العام الماضى من أحد مشاتل وزارة الزراعة بمبلغ بسيط جدًا، وبعد ذلك اتبعت الخطوات التى يتم عرضها على جروبات الزراعة فوق الأسطح، ووضعت الأصيص فى منطقة رطبة، وبعد اختيار المساحة المناسبة من السطح تصل لها الشمس بشكل جيد، غمرت البذور فى التربة، ووضعت حولها بعضًا من أوراق الشجر، وذلك؛ لتحسين مستوى نموها وحفظ الرطوبة داخل التربة بعد ريها على فترات، وبعد مرور عام بدأت تظهر ثمارها رُغم أننى كنت فاقدة للأمل فى نجاح الزراعة، ما حفزنى إلى زراعة خضروات وأنواع أخرى من الفواكه».وأضافت إن نجاح التجربة شجعها على زراعة الفلفل الملون فى الشرفة من البذور المستخدمة. لافتة إلى أن شعور تناول الإنسان لما زرعه وحصده بيده لا يمكن تعويضه، فضلًا عن الإحساس بالأمان لتناول خضار أو فاكهة خالية من الهورمونات.