عصور مظلمة عاشتها صناعة الغزل والنسيج خلال العقود الثلاثة الماضية، بعدما كان يُشار إليها بالبنان، لكن الحكومة المصرية خلال الفترة الأخيرة اتخذت عدة إجراءات عبر خطة محكمة لإعادتها إلى الحياة مرة أخرى. وتنفذ وزارة قطاع الأعمال –حاليًا- خطة لتطوير قطاع الغزل والنسيج بهدف رفع إنتاجية القطاع لخمسة أضعاف الطاقة الإنتاجية الحالية. الرئيس السيسى يتابع هذه الخطة بنفسه وذلك من خلال اجتماعات دورية يعقدها مع المهندس مصطفى مدبولى رئيس الوزراء والمهندس هشام توفيق وزير قطاع الأعمال لمتابعة خطط تطوير شركات قطاع الأعمال العام. ملامح الخطة حددت تصريحات وزير قطاع الأعمال المهندس هشام توفيق المتكررة أبرز ملامح خطة تطوير القطاع، والتى تشمل إعادة هيكلة 23 شركة تابعة للشركة القابضة للغزل والنسيج، لتتحول إلى شركات رابحة بعدما كانت تبلغ خسائرها السنوية 2.7 مليار جنيه. وتقوم الخطة على التعاون مع وزارة الزراعة لتطوير منظومة زراعة وإنتاج القطن للسماح بزراعة 10 آلاف فدان من الأقطان قصير التيلة بالاشتراك مع القطاع الخاص والقوات المسلحة، لتقليل تكلفة استيراد هذه الأقطان من الخارج. وأعلنت وزارة قطاع الأعمال عن تكهين الآلات القديمة فى 25 محلجًا وإغلاق 14 أخرى، واستيراد آلات حديثة ل11 محلجًا جديدًا، بعد التشغيل التجريبى لمحلج الفيوم. مكتب «وارنر» الاستشارى العالمى صاحب هذه الخطة، وقام بعمل دراسات هيكلة شاملة للشركات التابعة للشركة القابضة، فى عام 2017، والتى تقوم على إعداد خطة استثمارية للشركة القابضة للغزل والنسيج لإصلاح شركاتها التابعة سواء فى مجال حليج الأقطان أو الغزل والنسيج والصباغة والتجهيز والملابس. وبعيدًا عن الملامح العامة التى أفصحت عنها وزارة قطاع الأعمال، فقد كشف المهندس ممدوح الديب رئيس القطاع الفنى بالشركة القابضة للغزل والنسيج تفاصيل هذه الخطة، وقال إن خطة التطوير تشمل دمج 23 شركة تعمل فى مجال الغزل والنسيج، لتصبح 10 شركات، بحيث أن شركات منطقة الدلتا تظل كما هى مثل شركات المحلة، والدقهلية ودمياط، وسيتم دمج شركتى مصر الوسطى ووجه قبلى، الموجودتين فى 4 محافظات هى المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا، لتكون تحت اسم شركة «وجه قبلى الجديد»، وتصبح شركة واحدة مقر إدارتها بسوهاج وتتخصص هذه الشركات فى استخدام نوعية القطن جيزة 90 وقصير التيلة والذى سيُزرع فى صعيد مصر، فالمناخ هناك يلائم زراعته. وأوضح، أن شركات الوجه البحرى ستعمل على نوعيات القطن فائقة الطول، والخطوط الرفيعة جدًا، مشيرًا إلى أن الشركات كانت تنتج من قبل جميع الأنواع، لكن بعد التطوير سيتم تحديد شركات للإنتاج المحلى وشركات إنتاجها للتصدير، وشركات إنتاجها لنسيج التريكو. تكلفة التمويل تبلغ ميزانية تمويل خطة تطوير وإعادة هيكلة الشركات، وفقا للدراسة التى أعدها المكتب الاستشارى الألمانى، نحو 23 مليار جنيه، ومن المنتظر أن يتم توفيرها من خلال بنكى الأهلى ومصر بضمان الأراضى والأصول غير المستغلة لدى الشركات التابعة. وتخطط وزارة قطاع الأعمال لبيع أراضى 14 محلجًا، من بين 25 محلجا تمتلكها الشركة القابضة للغزل والنسيج، واستغلال حصيلة البيع فى تطوير الشركات، إذ إنه من المتوقع أن تصل حصيلة بيع أراضى المحالج لنحو 27 مليار جنيه. «وتقع أراضى ال14 محلجًا المملوكة لشركات الدولة وسط الكتلة السكانية، ومن المخطط أن يتم تغيير نشاطها من صناعى لسكنى بالتعاون مع بنكى الأهلى ومصر». ويصل إجمالى مساحات شركات الغزل والنسيج على مستوى الجمهورية، نحو 9.8 مليون متر مربع، وسيتم الاستغناء عن حوالى 50 أو 60%، من هذه المساحة بعد خطة التطوير نتيجة لدمج الشركات، لأنها ستصبح غير مستغلة، بعد خطة التطوير. غزل المحلة تستغرق خطة التطوير 5 سنوات، وتُنفذ المرحلة الأولى منها خلال عام ونصف العام وتستهدف شركة المحلة، خاصة مصنعى الغزل والنسيج ووحدة التجهيز، وكذلك الأمر بالنسبة لشركتى كفر الدوار وحلوان. ووضعت الوزارة خطة تفصيلية سواء لأصول وخطوط الإنتاج التى سيتم نقلها أو الإبقاء عليها أو للاستثمارات المطلوبة لشراء خطوط الإنتاج الجديدة ورأس المال العامل المطلوب على مستوى كل مصنع. وكشف المهندس إبراهيم مصطفى رئيس شركة غزل المحلة ل «روز اليوسف»، عن أن الشركة تتفاوض فى الوقت الحالى على استلام الآلات والماكينات الحديثة للمصانع الجديدة، مشددًا على أن هناك إرادة سياسية جادة لتطوير قطاع الغزل والنسيج هذه المرة. ولفت إلى أن خطة تطوير الشركة تشمل استحداث 5 مصانع بدلا من المصانع القديمة التى لم تعد صالحة، مؤكدًا أن الماكينات وخطوط الإنتاج الحديثة سيتم استيرادها من سويسرا والصين، والتى تعد من أحدث أنواع الماكينات عالميا فى هذه الصناعة. وتابع أن الشركة ستظل تعتمد على القطن المصرى طويل التيلة، وذلك للحفاظ على العلامة التجارية لشركة غزل المحلة سواء فى السوق المحلية أو الأسواق العالمية مؤكدًا أن التصدير للخارج هو الهدف الأساسى خلال الفترة المقبلة. نهضة زراعية ورغم أن مصر مشهورة منذ عقود بالذهب الأبيض الذى لا يوجد له منافس فى الأسواق العالمية، فإن زراعة القطن فى مصر ومن بعدها صناعة الغزل والنسيج شهدت تدهورًا ملحوظًا فى الآونة الأخيرة نظرًا للاعتماد على الأقطان المستوردة قصيرة التيلة لرخص أسعارها. لكن خطة تطوير صناعة الغزل والنسيج تعتمد بشكل أساسى على إحياء زراعة القطن فى مصر مرة أخرى، وكذلك زراعة نحو 20 ألف فدان هذا العام بالأقطان قصيرة التيلة ذات الإنتاجية العالية للفدان فى بعض المناطق بالصعيد، بحيث لا يكون له تأثير على جودة القطن المصرى طويل التيلة والتى قررت وزارة الزراعة أيضًا التوسع فى زراعته مرة أخرى، وخصصت الوزارة هذا العام نحو 300 ألف فدان لزراعة القطن طويل التيلة بعد أن كانت تراجعت مساحات زراعته قبل 5 سنوات لتصل إلى 130 ألف فدان فقط. وبلغت فاتورة مصر من استيراد الأقطان قصيرة التيلة التى تعتمد عليها معظم مصانع النسيج التابعة للقطاع الخاص نحو 3 مليارات جنيه فى عام 2016، أى قبل قرار تعويم الجنيه، وهذه الفاتورة من المتوقع أن تصل إلى نحو 6 مليارات جنيه من المتوقع أن يصلوا إلى أيدى الفلاحين والمستثمرين فى مصر خلال الفترة القادمة. وتعتمد خطة تطوير هذا القطاع أيضا على التخلى تدريجيا عن تصدير القطن المصرى طويل التيلة إلى الأسواق الخارجية كمادة خام، بل تصديره على شكل منسوجات وملابس جاهزة لزيادة القيمة المضافة للاقتصاد، بما يحقق نهضة زراعية وصناعية، غابت لعقود طويلة. العمال أولًا ولمزيد من التأكد من تنفيذ خطط التطوير، كان لابد من معرفة رأى العمال فى هذا التطور الذى لا يمكن أن يكون حقيقيا من دون أن يكونوا هم فى طلعيته وفى قلب أحداثه. قال عبد الفتاح إبراهيم، رئيس النقابة العامة للغزل والنسيج، إن قطار تطوير قطاع الغزل والنسيج انطلق بالفعل منذ بداية هذا العام وأن العمل على تنفيذ الخطة يجرى على قدم وساق، مشيرا إلى أن العمال ليسوا منشغلين الآن بعدد العمالة والرواتب التى ستوفرها خطة التطوير، بقدر انشغالهم بضرورة عودة الشركات للعمل والإنتاج أولًا. وأضاف إبراهيم، إن أفضل شيء فى خطة التطوير أنه بدأ من شركة غزل المحلة، لأنها تمثل %40 من القطاع، موضحا أن هذه الخطة من المنتظر أن ترفع الإنتاج بنسبة %250 وتصل تكلفتها ل7 مليارات جنيه. وشدد على أن دورات تدريب وإعادة تأهيل العمالة بالشركات التابعة لن تكون قبل عام، بعدما يتم إنشاء المبانى وتركيب خطوط الإنتاج والماكينات الحديثة مؤكدا على أن عقود توريد الماكينات تلزم موردى الماكينات بتدريب العمال المصريين عليها. فى النهاية نحن أمام خطة شاملة لتطوير أهم قطاع صناعى فى مصر، هذه الخطة تتضافر فيها جهود وزارات ومؤسسات الدولة جميعا بالتعاون مع بعض شركات القطاع الخاص الجاد، فى إطار سياسة اقتصادية لها هدف واحد هو تطوير شركات القطاع العام، بعكس سياسة الجزر المنعزلة التى كانت تعمل بها الحكومات السابقة التى كانت سياسته هى السبب الرئيس في تدهور هذا القطاع والصناعة المصرية كلها.