فى 23 أبريل 2018، اقتحم النجم «ليوناردو دى كابريو» بشكل مفاجئ خشبة مسرح مؤتمر «كوميك كون» بولاية كاليفورنيا الأمريكية.. بعد فترة هرج ومرج أدرك الجمهور أن شيئًا ما سيحدث، ثم سرعان ما وقف أمامهم «كوينتن تارانتينو» لتعج الصالة بالصراخ والهتاف، وتأكد ظن الحضور بعدما أعلن أنه سيطرح فيلمه التاسع فى دور السينما عام 2019. ما جعل تلك اللحظة تاريخية ليس إعلان «تارانتينو» عن فيلمه الجديد، والذى سيكون فيلمه قبل الأخير قبل اعتزاله الإخراج وتفرغه للكتابة الروائية، بقدر شهادة «دى كابريو» عن سيناريو الفيلم الذى تبلغ ميزانيته 100 مليون دولار، إذ قال عنه إن أفضل نص سينمائى كتبه «تارانتينو» فى حياته وإنه الأقرب لتحفته الخالدة «Pulp Fiction» أو «خيال رخيص» الذى كسر فيه قواعد الإخراج والتصوير والسرد السينمائى وخرجت من عباءته مدراس سينمائية شتى أطلق عليها البعض سينما ما بعد الحداثة. منذ عدة أيام طرحت شركة «كولومبيا» إعلان فيلم «حدث ذات مرة فى هوليوود»، وهو الاسم الذى أراد منه «تارانتينو» الإشارة إلى ارتباطه الروحى بالمخرج العظيم «سيرجو ليونى» وهو رائد أفلام «الويسترين» وصاحب ثنائية «حدث ذات مرة فى الغرب» و«حدث ذات مرة فى أمريكا». منذ الثانية الأولى فى الإعلان يلوح لنا جنون «تارانتينو» المطلق وعالمه الملىء بالموسيقى المجنونة والدماء الملطخة وكادرات ال«neo-noir» أو «النوار الجديد»، ثم نرى حدثًا تاريخيًا لم تره هوليوود من قبل، فبعيدًا عن أنه أول تعاون بين «تارانتينو» والعظيم «آل باتشينو»، إلا أننا نشاهد «دى كابريو» وهو يجلس بجانب «براد بيت» وعلى الفور وبداية من ظهور شعار «كولومبيا» تظهر حالة التوهج التى تسطع فيها تفاصيل لغة «تارانتينو» وتتجلى فيها خلطة لوحته السينمائية وضوحًا، بداية من الشخصيات الكاريكاتورية، والتصرفات العبثية والتصوير غير المتزن ومشاهد العنف الخطيرة المصحوبة بموسيقى «سبعيناتى». كان اختيار «تارانتينو» للقصة الرئيسية التى تدور فى رحابها أحداث الفيلم غريبًا، ففى 2017 صرح بشكل مقتضب بأنه انتهى لتوه من تأليف سيناريو عكف على كتابته خمس سنوات، أى عقب طرح فيلمه السابع «Django Unchained» أو «جانجو الحر» فى السينمات، وأن هذا السيناريو يعتبر أكثر ذاتية من جميع أفلامه، حيث إنه سيبرز هوليوود فى نهاية عصرها الذهبى عام 1969 إبان وقوع مذبحة «عائلة مانسون» التى راحت ضحيتها زوجة المخرج «رومان بولانسكى» الممثلة الشهيرة «شارون تيت»، والتى تؤدى دورها فى الفيلم النجمة الأسترالية «مارجو روبى». قال «تارانتينو» فى أحد لقاءته إن هوليوود ومذبحة «مانسون» ستكونان خلفية للأحداث الرئيسية للفيلم وشأنها شأن عناصر «تارانتينو» السينمائية التقليدية من تصوير وموسيقى وحوارات عبثية ساخرة، إلا أن الخط الرئيسى للقصة سيركز على الممثل المغمور «ريك دالتون»/ «دى كابريو»، ودوبليره «كليف بوث»/ «براد بيت»، ومحاولتهما لاقتناص شهرة كبيرة فى ظل احتضار هوليوود، لكن ولسوء حظهما كانا يسكنان فى نفس الحى الذى ارتكبت فيه عائلة السفاح «تشارلز مانسون» المذبحة، والذى يؤدى دوره «ديمون هيريمان». تفاصيل المذبحة تعود إلى يوم 8 أغسطس فى 1969، حيث اقتحمت عصابة «مانسن» منزل «تايت» فى ضاحية «بيلير» الراقية، حينها تصادف استضافة «تايت» ل3 من أصدقائها، وانهالت العصابة طعنًا بسكاكين حادة على جميع من كان فى داخل المنزل وسط موجة من الصراخ والعويل، وعندما انتهت المذبحة بلغ عدد الطعنات التى تلقاها الضحايا الأربعة 102 طعنة، وكان آخر من لفظ أنفاسه «تايت». نرى أيضًا فى «التريلر» النجم الصينى الراحل «بروس لى» الذى يجسده «مايك مو»، وسنرى كذلك «بولانسكى»، الذى يجسده «رافال زويروشه»، والراحل العظيم «ستيف ماكوين» الذى يؤدى دوره «داميان لويس»، هذا ناهيك عن الكوكبة التى لطالما تظهر فى أفلام «تارانتينو» الخالدة أمثال «تيم روث» و«مايكل مادسن» و«كيرت راسل» و«زوى بيل» و«عمر دوم»، ورغم غياب الأيقونة ال«تارنتونية»، «صامويل إل جاكسون» عن هذا الفيلم، فإننا سنكون بصدد معايشة شخصيات قوية مكتوبة بطريقة «تارانتينو» الفريدة، التى ستبقى فى عقولنا للأبد على غرار الكولونيل «هانز لاند» فى «Inglourious Basterds» أو «أوغاد مجهولون» و«جولز» فى «خيال رخيص» و«بيل تريكس» فى «Kill bill» أو «اقتل بيل»، فهو وإن كان يعتبر نفسه روائيًا وليس مخرجًا، يرى أن مهمته لا تقتصر على الكتابة، بل استنباط كيف يفكر الآخرون، والتأمل فى الكلمات والعبارات التى يستخدمونها. السؤال الذى يدور فى خلد أغلب النقاد والجماهير هو مدى قدرة «تارانتينو» على التمرد على القواعد الهوليودية وابتعاده قدر الإمكان عن نمطية آخر فيلمين حملا اسمه «جانجو الحر» و«الحاقدون الثمانية» أو «The hateful eight»، واستعادة أمجاد «خيال رخيص» و«كلاب المستودع»، والقدرة على إبهار الناس بأقل عددٍ ممكن من الأماكن والمشاهد والشخصيات، فضلاً عن تقديم السحر من خلال العنصر الذى يميزه عن جميع أترابه، العنصر ما بعد الحداثى فى الصورة ذات الطراز القديم، والحوارات المتحذلقة، التى لطالما عكست مفاهيمه وتصوراته عن العنف البشرى والمجتمع الأمريكى «البوهيمى» الذى لا يعرفه أغلب البشر.