يقولون عنه «قوات شرق ليبيا».. بينما تسميته الصحيحة هى «الجيش الوطنى الليبى» بقيادة المشير خليفة حفتر.. لا تستهِن بالاسم، فهو يعكس فرقًا شاسعًا بين مشروعين متصارعين على الأراضى الليبية.. مشروع «تركى قطرى» تدعمه القنوات الاستخبارية الناطقة باللغة العربية مثل الBBC و«الجزيرة» وأخواتها من قنوات الإخوان فى تركيا «الشرق ومكملين وغيرهما». ويهدف هذا المشروع إلى تقسيم أرض ليبيا وتحويلها إلى محطة للميليشيات المسلحة المدعومة بالمال والسلاح من تركياوقطر، ومحاصرة مصر فى مجالها الحيوى وتهديد استقرارها وأمنها القومى عبر حدودها الممتدة لأكثر من 1200 كم مع ليبيا، وشغل الدولة المصرية واستنزافها فى حروب مع التنظيمات المتطرفة، بالإضافة إلى استغلال ونهب ثروات ليبيا وتعزيز الفُرقة بين الأطراف الليبية للسيطرة على القرار السياسى فيها من خلال وكلاء يدينون بالولاء لخليفتهم العثمانى فى إسطنبول. بينما المشروع الآخر «وطنى ليبى» وتدعمه الرؤية المصرية ويتمثل فى الحرص على دعم الحلول السلمية للأزمة الليبية، وإقامة دولة وطنية، والحفاظ على وحدة وتماسك الأراضى الليبية، بالإضافة إلى دعم إقامة جيش وطنى قوى ومتماسك، ورفض الاعتراف بالميلشيات المسلحة. تحرير طرابلس يبدو أن الأيام القادمة ستحمل مزيدا من الإشارات حول انتصار الرؤية المصرية وتفكيك الدور «التركى القطرى» الرامى إلى تحويل ليبيا إلى مركز بديل لنشاط تنظيم «داعش»، عقب انحساره وانسحابه من مراكز نفوذه فى كل من سوريا والعراق، حيث بدأت قوات الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر تحركاتها، أول أمس، نحو مدينة طرابلس، وسيطرت بالكامل على مدينة غريان التى تبعد نحو 100 كيلو متر فقط جنوبى العاصمة. وجاء ذلك أثناء وجود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش فى طرابلس، وعقده للقاءات مع رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا فائز السراج، وتُعد هذه التطورات هى الأخطر على الساحة الليبية منذ الإطاحة بنظام معمر القذافى عام 2011، فمنذ ذلك الوقت تنتشر المجموعات المسلحة فى ليبيا، ويسيطر الجيش الوطنى على المنطقة الشرقية ومركزها مدينة بنى غازي، فى حين تسيطر حكومة الوفاق على طرابلس العاصمة فى الغرب. وفى الأيام الأخيرة استطاع حفتر بسط سيطرته على مناطق محورية فى الجنوب، وقرر الاتجاه نحو العاصمة طرابلس بهدف تحريرها من الميليشيات المسلحة، للسيطرة على كامل البلاد. وفى تسجيل صوتى للمشير خليفة حفتر، أعلن إطلاق عملية تحرير طرابلس، وقال: «دقت الساعة وآن الأوان لدخول العاصمة فاليوم موعدنا مع القدر ليستجيب، اليوم يرتفع صوتنا». وتابع: «ضيوفنا الأجانب وأهلنا وأعراضنا كلها أمانه فى أعناق الجيش»، مضيفا: «اليوم نستكمل مسيرتنا مسيرة الكفاح والنضال وسنحرص على أمن المواطنين وممتلكاتهم». وفى رد فعل فورى على خطوة حفتر، قال الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة من طرابلس، إنه لا يمكن أن يكون الحل فى ليبيا عسكريًا. وطالب جوتيريش جميع الأطراف بإنهاء ما وصفه بالتصعيد العسكرى فى البلاد، مضيفًا: «نعمل على وقف التصعيد لكل أشكاله من أجل المضى قدما فى الحل». كما أدانت السفارة الأمريكية فى ليبيا، ما وصفته بالتصعيد. انزعاج تركياوقطر تحركات الجيش الوطنى الليبى الأخيرة أزعجت كلا من تركيا وحليفتها قطر، فدعت الخارجية التركية أطراف النزاع فى ليبيا، للامتناع عن التحركات التى تخل «بروح الوفاق الوطنى». أما قطر فأكدت أن ما وصفته بالتصعيد العسكرى الأخير فى ليبيا، يأتى قبيل انعقاد المؤتمر الوطنى الليبي، مما ينذر بتقويض مسار الحل السياسى الذى ترعاه الأممالمتحدة. وقالت الخارجية القطرية، فى بيان أول أمس الخميس: «إن دولة قطر تحذر من الانزلاق مرة أخرى فى هوة الفوضى والانفلات الأمنى فى غرب ليبيا ما سيفضى إلى تداعيات خطيرة على المسار السياسى وقدرة المؤسسات فى تلك المناطق على حماية المواطنين وتسيير شؤونهم من ناحية، وعلى احتواء مشكلة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر من ناحية أخرى». ووجهت الدوحة رسالة للفاعلين الإقليميين والدوليين قائلة: «إن لهذه النقطة الأخيرة تأثيرا كارثيا على المنطقة بأكملها بما فيها محيطها الأوروبي، مما يشكل اعتبارا إضافيا يستدعى ضرورة تفعيل هذه الدول لنفوذها لإيقاف الاعتداءات الأخيرة على غرب ليبيا والتى تعد خرقا واضحا للاتفاق الأممى من قبل القوات المعتدية». من جانبها قررت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق رفع حالة الطوارئ إلى الدرجة القصوى، مؤكدة فى بيان أنها «أصدرت تعليماتها لكافة الأجهزة والوحدات الأمنية بالتصدى بقوة وشدة لأى محاولات تهدد أمن العاصمة طرابلس واتخاذ كافة التدابير الأمنية اللازمة». وأضاف البيان أن «القوات المهاجمة للعاصمة طرابلس لا تعى حجم الخطيئة التى ترتكبها فى حق الوطن والمواطن ولا يكون بعد ذلك من سبيل إلا مواجهة هذا الهجوم الغاشم دون أدنى تردد أو مواربة»، محملا «المسؤولية الكاملة للطرف المهاجم عن النتائج الوخيمة المترتبة على هذا الهجوم». كما أعلنت ميليشيات مسلحة مدعومة من تركيا فى مدينة مصراتة غرب ليبيا، وموالية لحكومة الوفاق، استعدادها للتصدى لتقدم قوات الجيش الوطنى الليبى. خارطة طريق وتأتى تلك التطورات فى ظل استعداد ليبيا لحوار وطنى برعاية الأممالمتحدة خلال الشهر الجارى بمدينة غدامس جنوبى غرب البلاد، ويهدف إلى التوصل ل«خارطة طريق» وتحديد موعد الانتخابات الليبية التى تأجلت بسبب الأوضاع الأمنية وانتشار المجموعات المسلحة فى البلاد. وتأتى عملية «الجيش الوطنى الليبى» لتحرير طرابلس من قبضة المتطرفين فى خطوة تعزز من موقعه فى المفاوضات فى حال انعقد مؤتمر غدامس.. وهو ما أكده بعض المراقبين للمشهد الليبى مثل الدبلوماسى والسفير الليبى السابق لدى تشاد قرين صالح قرين، الذى أشاد بتحركات الجيش الوطني، وأكد فى تدوينة له أول أمس الخميس عبر حسابه الرسمى بموقع فيسبوك أن «ساعة العمل قد حانت من أجل تحرير الوطن من المؤامرة الغربية والإرهابيون والدواعش والإخوان». وأضاف: «بعد الانتصار وتحرير الوطن فى هذه المعركة تبقى كلمة الفصل بيد كل الليبيين». أما اللواء أحمد المسماري، المتحدث الرسمى باسم الجيش الليبي، فقد أكد فى مؤتمر صحفى بعد إعلان حفتر بدء معركة طرابلس، أن «الحرب على الإرهاب لا تتعارض مع المسار السياسى». وأوضح أن «هدف العملية العسكرية الحالية هو الوصول لطرابلس، وأنه لا تراجع عن ذلك». وكان المسمارى قد توعد فى وقت سابق بسحق ذيول قطروتركيا فى مناطق ليبيا، واتهم تركياوقطر بتمويل ودعم عدة قنوات فضائية تبث من الدوحةوإسطنبول وتعمل على إثارة الفوضى والتحريض على الجيش فى ليبيا، وتزامن ذلك مع ضبط السلطات الليبية العديد من شحنات الأسلحة «التركية القطرية» المهربة للميليشيات فى ليبيا، منها على سبيل المثال ما تم ضبطه فى 7 يناير الماضى، عندما ضبط جهاز الجمارك بميناء مصراتة البحرى فى ليبيا، شحنة من الأسلحة كانت على متن باخرة قادمة من تركيا، محملة بعشرين ألف مسدس تركى الصنع (من عيار 8 ملم)، تم توضيبها ب556 صندوق سلاح.. وقبل ذلك التاريخ بنحو 20 يومًا فقط وبالتحديد يوم 17 ديسمبر العام الماضى تمكنت السلطات الليبية فى ميناء «الخمس البحرى» غرب ليبيا من ضبط شحنتى أسلحة ضخمتين وذخائر قادمة من تركيا تضم 4,2 مليون رصاصة، بما يكفى لقتل قرابة 80 % من الشعب الليبى، إضافة إلى الآلاف من المسدسات والبنادق الآلية، علاوة على إيواء تركيا، مع قطر، أكبر عدد من المتطرفين الليبيين الفارين من جرائم ارتكبوها فى بلادهم. ومن القاهرة وفى مؤتمر صحفى شهير فى العام قبل الماضى فضح المتحدث العسكرى باسم القوات المسلحة الليبية العقيد أحمد المسمارى حقيقة الدور القطرى فى ليبيا، وكشف أن الجيش الليبى يمتلك دلائل تؤكد دعم قطر للجماعات الإرهابية فى سوق «الحوت ببنغازى» موضحًا أن الدوحة تنقل أسلحة من قطر الى «معيتيقة» أو «الجفرة» لإرسال الأسلحة للإرهابيين، واستعرض المسمارى عربات ومدرعات قطرية تحارب الجيش الليبى فى مدينة «بنغازى» وتابع: «إن قطر دعمت الارهابيين بطائرات دون طيار معززة بكاميرات»، مؤكدا أن الجيش الليبى عثر على صواريخ أرسلتها قطر للإرهابيين فى بنغازى. وأكد المسمارى أيضا أن الدوحة اشترت أسلحة من باكستان وهربتها إلى ليبيا، مشيرًا الى ان قطر تحاول التبرؤ من جرائمها بالإدعاء بأنها تدعم الليبين. وتشير كل تلك التطورات الأخيرة إلى التفكيك التدريجى للمشروع «التركى القطري» الذى يدعم تنظيمات متطرفة فى ليبيا فى مقدمتها تنظيم الإخوان الذى لا يؤمن بالدولة الوطنية ولا بحدودها الجغرافية ويبيع أى بلد يتواجد فيه لصالح مشروعات إقليمية ودولية.