تفسد الطبخة من أجل قليل من الملح، وتفسد المهرجانات وتفقد تأثيرها بسبب سوء تنظيم القائمين عليها، الذين قد يهيلون التراب على مجهود أشهر مضت فى اختيارات أفلام جيدة، من دول متنوعة، لتعرض فلا يشاهدها أحد، وهو ما حدث فى الدورة الثالثة من مهرجان شرم الشيخ للسينما الآسيوية الذى يمكن وصفه بمهرجان المقاعد الفارغة! كل شىء فى هذا المهرجان كان مرتبكًًا منذ اللحظة الأولى، بدءًا من حفل الافتتاح الذى تسببت فقراته الطويلة فى إلغاء فيلم الافتتاح، وما استتبع ذلك من أزمات مع صناعه وصلت إلى تحرير محاضر فى أقسام الشرطة من قبلهم، وصولاً إلى عدم انتظام مواعيد عروض الأفلام التى يصل تأخرها إلى ساعتين كاملتين، بالإضافة إلى بعد أماكن العروض والندوات عن أماكن إقامة الصحفيين والنقاد بمسافة تقارب الساعة، مما حال بينهم وبين إتمام عملهم فى كثير من الأحيان، وفى السطور التالية نعرض مجرد مشاهد من فيلم لم يستطع المخرج «مجدى أحمد على» رئيس المهرجان أن يخرجه بشكل يليق بتاريخه السينمائى الطويل. المشهد الأول.. شرم الشيخ سياحة أم سينما؟! تحدٍ كبير قبلته مؤسسة نون للثقافة والفنون، منذ ثلاث سنوات، بنقل مهرجانها من الأقصر إلى شرم الشيخ، لأن طبيعة المدينة السياحية، وتواجد الأجانب، أو المصريين بها فى الغالب هدفه الاستمتاع بالأنشطة البحرية، والمزارات السياحية الموجودة بالمكان، لذا فليس من الممكن أن تكون مشاهدة السينما خيارًا أوليًا بالنسبة لهم، أضف إلى ذلك عدم وجود دعاية كافية للمهرجان فى شوارع المدينة نظرًا لضعف الميزانية، والحقيقة أن وجود أفلام دون جمهور يشاهدها لا قيمة له، وقد يكون ما حدث فى مهرجان شرم الشيخ للسينما الآسيوية من انصراف الجمهور عنه فرصة لأن نفكر جديًا فى إقامة مهرجان سينما فى محافظات أخرى فى الصعيد مثل أسيوط وسوهاج، وقنا وبنى سويف، والمنيا، فهي أوْلى أن تصل لهم مهرجانات السينما عن غيرهم، ومن المؤكد أن فى تلك المحافظات البعيدة عن رفاهية العاصمة طاقات شبابية هائلة، متعطشة لمثل تلك الفعاليات الفنية. المشهد الثانى.. افتتاح وختام بطعم الغياب اللواء «خالد فودة»، محافظ جنوبسيناء، ووزيرة الثقافة الدكتورة «إيناس عبدالدايم» لم يحضرا حفل الافتتاح والختام، كما هو الإجراء المتبع فى بقية المهرجانات، لكن الأدهى أن عدد الفنانين والفنانات الحاضرين كان أقل بكثير من المتوقع، وهو أمر لا يتناسب مع كون رئيس المهرجان مخرجًا سينمائيًا يمتلك شبكة علاقات قوية بالوسط الفنى بأكمله، الغريب أن معظم من حضر من الفنانين قد غادر بعد حفل الافتتاح، بل إن الفنانة «إسعاد يونس»، الرئيسة الشرفية للمهرجان، والسيناريست «مدحت العدل» قد غادرا قاعة المؤتمرات التى أقيم بها حفل الافتتاح بعد مرور أقل من نصفه، وقد فسر البعض هذا المشهد بأنهما رفضا الاستمرار فى متابعة الحفل الذى بالغ فى تقديم الفقرات الراقصة، بينما لم يكن قد مر على حادث قطار محطة مصر الأليم سوى أيام معدودة، ولا يزال الحداد على أرواح الضحايا قائمًا، بينما فسر البعض الآخر ذلك بسبب فقرات الحفل المملة والمبالغ فيها، والتى كانت سببًا فى تقليص عدد الحضور إلى مجموعة صغيرة لا تتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، بينما كانت المطربة العالمية «ديلارا كازيموفا» تؤدى آخر فقرات الحفل على المسرح. المشهد الثالث.. أزمة «الفريق» محاضر شرطة وتصعيد مستمر كل ما حدث فى حفل الافتتاح من تخبط وعشوائية كان نتيجته صعود رئيس المهرجان إلى المسرح ليعلن إنهاء الحفل، وتأجيل فيلم الافتتاح إلى اليوم التالى نظرًا لعدم تواجد حضور لمشاهدته، لكن المشهد لم ينته هنا، فقد سبقه مشهد آخر فى القاعة تعالى فيه صوت «إسلام رسمى» مخرج فيلم الافتتاح (الفريق) مهددًا بالانسحاب منذ منتصف الحفل، حيث بدأت مجموعات من الحضور تغادر القاعة تباعًا، وبدأ عدد الحضور فى التقلص بشكل لافت، وقد كان إعلان المخرج «مجدى أحمد على» عن تأجيل الفيلم بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير، حيث أصر المخرج على عدم عرض فيلمه فى أى يوم من أيام المهرجان نظرًا لإخلال المنظمين باتفاقهم معه بأن يكون فيلمه هو فيلم الافتتاح، بينما أصر القائمون على المهرجان على عرضه فى اليوم التالى فى قصر الثقافة، وفى النهاية كان الفيلم هو الخاسر الأكبر، حيث تأثر عدد الحضور بأنباء سحبه من المهرجان، وإمعانًا فى الاستهتار والتخبط قام بعض الحضور بتصويره بتليفوناتهم المحمولة، وعن ذلك يقول «إسلام رسمى» فى تصريحات خاصة لروزاليوسف: «حررت محضرًا فى قسم الشرطة ضد إدارة المهرجان بعد أن وصلتنى صور من داخل القاعة يقوم فيها البعض بتصوير فيلمى من على الشاشة دون أن يردعهم أحد، وهو ما يعنى أن مجهود عامين ونصف العام قد ضاع هباء بعد تسريب الفيلم، وأتواصل حاليًا مع الدكتور «خالد عبدالجليل» مستشار وزيرة الثقافة، ورئيس المركز القومى للسينما، ولن أتوقف عن التصعيد حتى أحصل على حقى، المفارقة أن الفيلم التسجيلى (الفريق) الذى يشارك به عدد من النجوم على رأسهم (يسرا، وأحمد حلمى، ومنى زكى، ووحيد حامد، وغيرهم الكثير) يتحدث عن أزمات السينما ومشاكلها، بينما يواجه هو نفسه أزمة كبيرة فى أول عرض له. المشهد الرابع.. فيلم «الشغلة» والمقاعد الفارغة ضم المهرجان 5 أفلام مصرية، وبخلاف الفيلم التسجيلى (الفريق) الذى يمكن وصفه بلعنة المهرجان التى طغى الحديث عنها الحديث عن أى إيجابيات، فهناك فيلم (بيت ست) المشارك فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وفيلم (أحمد يذهب للحديقة) المشارك فى مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، والفيلم التسجيلى الطويل (الحلم البعيد) الذى يعرض فى قسم بانوراما خارج المسابقة الرسمية، وفيلم (الشغلة) المشارك فى مسابقة الأفلام التسجيلية، والأخير تعرض لظلم كبير أثناء عرضه تابعت تفاصيله عن قرب، حيث كان من المقرر عرضه فى السابعة مساء يوم الثلاثاء الماضى، وتجمهر عدد لا بأس به من الجمهور أمام قاعة السينما من أجل مشاهدته، ونظرًا لأن الأفلام المصرية فى أى مهرجان محلى تحظى باهتمام أكبر من الجمهور، بالإضافة إلى طبيعة موضوع الفيلم المثير الذى يتحدث عن العالم السرى فى حياة راقصات الدرجة الثالثة، وما يقابلنه من معاناة، ويستعرض طبيعة حياة نبطشى الأفراح، من خلال شهادات حقيقية لمجموعة من العاملين فى هذا المجال، كل هذا زاد من عدد الراغبين فى مشاهدته فى السينما غير المجهزة أصلاً بشاشة عرض، بل تم وضع لوح أبيض كبير تنعكس عليه الصورة، لكن الأزمة الحقيقية أن تأخر عرض الفيلم وصل إلى ساعتين ونصف الساعة، نظرًا لتأخر عروض باقى اليوم عن البدء فى ميعادها، وبدأ العدد فى التقلص حتى جاء مناد ليخبر المنتظرين بأن السيارة التى ستقلهم إلى مكان سكنهم الذى يبعد كثيرًا عن مكان السينما سوف تتحرك، وأنه لا توجد أى مواصلات أخرى لهم، لينصرف الجميع ويتبقى عدد قليل جدًا وسط ذهول المخرجة «هالة لطفى» المشاركة فى إنتاج الفيلم، والتى لم تخف غضبها مما حدث!