حكايات قلوب مُحطمة! فى مقتبل العمر، وتحديدًا فى العشرينيات من عمرنا، نرسم لحياتنا ومستقبلنا أحلاما وآمالا وتطلعات جميلة، يصعب علينا التعامل مع انهيارها أمام أعيننا فجأة.. خاصة إذا تعلق الأمر بانهيار علاقة إنسانية هى فى أساسها رباط مقدس.. فبينما كنا نبحث عن فارس الأحلام الذى يطير بنا إلى عش الزوجية الهادئ السعيد، وعندما نصل لذلك العش إذ بنا نكتشف أننا نحاول ولأسباب مختلفة أن نبحث عن مخرج من ذلك القفص المظلم، لنبدأ رحلة شاقة نخوض فيها معارك أكبر من أعمارنا وتفوق طاقاتنا الروحية والنفسية. تلك هى الحالة التى تعيشها مطلقات فى ربيع العمر، فى العشرينيات وربما فى سن أقل من ذلك، نرصد حكايات هؤلاء الفتيات اللاتى وجدن أنفسهن فى ظروف استثنائية، يواجهن أوضاعًا قاسية، ويدفعن ثمنًا كبيرًا ليحصلن على حريتهن أملاً فى حياة جديدة يظفرن بها بعد الطلاق.. وقد تزداد خطورة الأمر إذا ما علمت أن آخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تثبت أن عدد المطلقات وأعمارهن فى العشرينيات أو أقل يتجاوز 35 ألف حالة سنويًا، ووسط كل ذلك تخرج بعض المطلقات بفكرة «راديو المطلقات» فى محاولة منهن لرأب الصدع داخل الأسر المهددة بالانهيار أو مساعدة المطلقة على عبور الظرف الصعب إذا ما انهارت الأسرة بالفعل، لتنقسم الآراء بين من يرى تلك الإذاعة دعوة للطلاق العلنى ومن يعتبرها آلية لتوعية المطلقات بحقوقهن. لم يكن قد مضى سوى يوم واحد على فسخ خطبتها التى استمرت عامًا كاملًا إلا وفوجئت فى اليوم التالى بابن عمها الأسمر الوسيم يزورهم، وتلاحظ أن شكله تغير كثيرًا، فلم يعد ذلك الشاب الرياضى قوى البنيان كما عهدته، لقد فقد الكثير من وزنه وبدا أكثر نحافةً وأكبر عمرًا من عمره الحقيقى، رغم أنه يزيد عنها عامًا واحدًا فقط وهى فى الرابعة والعشرين من العمر!!، تندهش كثيرًا لمجيئه، فآخر مرة شهدته فيها كانت فى عزاء والدها رحمه الله، منذ سبع سنوات، ولم يأت ببالها لحظة ما جاء من أجله الآن، لقد كانت مفاجأة لها ولأسرتها حين طلب يدها من والدتها وأشقائها، لم تتوقع الأم أبدًا أن تسمع ما تسمعه من قريبهم الثري، كما تندهش له الابنة أيضا، فعلى الرغم من أن أباه ابن عم والدها، فإنه ينتمى لوسط اجتماعى مختلف تمامًا عن وسطهم، فهو من الفرع الغنى فى العائلة، فيسكن فى مدينة المهندسين ولديه سائق خاص ويمتلك شركة كبيرة يحرص أن يديرها ابنه الوحيد، أما هى فتعيش فى حى الوايلى الشعبى ولها ثلاثة أشقاء أكبر منها، أحدهم يعمل نقاشًا، والآخران يعملان بورشة نجارة، وقد أنفق إخوتها عليها حتى أكملت تعليمها وحصلت على مؤهل عالٍ. وكانت فرحتهم كبيرة بهذا النسب المفاجئ الذى يرفع من شأنهم ومستوى أختهم، كما تشعر الفتاة أن الحظ بدأ يتغير معها وأن الدنيا ستضحك لها، ويتم الزواج خلال ثلاثة أسابيع، وتسافر إلى باريس لقضاء شهر العسل، وتلاحظ منذ الأيام الأولى فى زواجها أن زوجها لم يكن طبيعيًا، فهو دائمًا مرهق متعب قليل التركيز، كما أن هناك احمرارًا دائمًا بعينيه، وأنه يبقى لوقت طويل فى دورة المياه، فظنت أنه ربما يكون مريضًا، وحين سألته، أخبرها أنه بخير وأن التغيرات التى طرأت ربما تكون بسبب تغيير الجو، وتنتهى أيام العسل، ويعودان إلى مصر حيث تقع شقة الزوجية بنفس عمارة والده، وتلاحظ أن زوجها يعتمد على والده اعتمادًا كاملًا، وأنه مازال يأخذ مصروفه منه!!.. حتى إن أباه يخبرها أن تطلب منه شخصيًا أى شيء تريده للبيت دون حرج!!.. مما أشعرها بالضيق وبضعف شخصية زوجها. وتمضى الأيام وزوجها لا يذهب للشركة مع والده ولا يعمل!! بل يستيقظ من النوم قرابة العصر، مرهقًا متعبًا قليل التركيز، لا يفعل شيئًا سوى أن يأكل ويشرب القهوة ويخرج مع أصدقائه ويعود لينام، إنه ليس طبيعيًا، إن هناك شيئًا يحدث لا تفهمه!!، بينما هو يحاول إيهامها أنه فى إجازة طويلة من العمل، ويريد أن يستمتع بحياته معها لأطول وقت، لكنها لم تستطع أن تصدقه، وتشعر بأن هناك أمرًا مهمًا يخفيه عنها. إلى أن وجدت فى أحد جيوب بنطلونه أثناء غسله لفافة صغيرة بها ما يشبه الدقيق الأبيض، فتشك أنها ربما تكون (بودرة) وأن هذا هو الهيروين الذى تسمع عنه؟! وأن زوجها مدمن !!، إن هواجسها تكاد أن تعصف بها، فتحتفظ باللفافة لتتأكد من شكوكها، وتراه وهو يفتش جيوب ملابسه ويلقى بها على الأرض كالمجنون بحثًا عنها، لتواجهه بها وتتهمه بالإدمان، فيصرخ فى وجهها وهو يحاول أن ينتزع من يدها بصعوبة كيس البودرة، إن السلوك الذى يسلكه أمامها ولهفته على البودرة تذكرها بالمدمنين الذين تشاهدهم فى المسلسلات والأفلام فتتأكد أنه يتعاطى!!، فتصرخ وتلطم خدودها حتى جاء أبوه وأمه وشقيقته على صراخها، فتقول لهم من بين دموعها: كيف تخدعوننى وتزوجوننى من شخص مدمن؟ أين كانت ضمائركم؟ يقول الأب وهو يبكي: لقد قمنا بعلاجه وإدخاله مصحة، وظننا أنه تعافى وأردنا أن يتزوج ويبدأ صفحة جديدة فى حياته، تقول وهى تلطم خدودها: حرام عليكم، ليه تظلموا بنات الناس!! وتصر على الطلاق بعد شهرين فقط من زواجها وتخرج من بيت الزوجية بفستانها الذى ترتديه فقط، وترفض عائلة الزوج أن تعطيها أى من ملابسها أو أثاثها خاصة أنها لم تكتب قائمة منقولات بمحتويات شقتها. وتعود لبيت أبيها وتكتشف أنها حامل، وترفض محاولات أسرته فى إعادتها إليه، لكنها تخشى أن تلد طفلًا مريضًا أو معاقًا بسبب إدمان زوجها، وبالفعل تنجب طفلًا ضعيفًا يحتاج لعملية جراحية بالقلب، ولم يكن فى استطاعتها أن توفر تكاليف الجراحة، فتتصل بوالد زوجها الثرى والذى يوافق على الفور أن يتحمل تكاليف عملية حفيده التى تجرى بعد ثلاثة أشهر من ولادته، وتذهب إلى المستشفى بابنها لتجد طليقها وأسرته فى انتظارها لإجراء العملية الجراحية لأول حفيد فى عائلتهم، يظل الرضيع فى غرفة العمليات لأكثر من ثلاث ساعات، ليخرج بعدها سالما بعد أن نجحت العملية التى أجريت فى قلبه الصغير، ولكن لابد له من البقاء فى غرفة العناية المركزة للتعافي، تحاول الأم البقاء معه،ولكن المستشفى يمنع مرافقة المرضى فى العناية المركزة. وتأتى فى صباح اليوم التالي، متلهفة على رضيعها، فتسرع إلى غرفة العناية وتسأل عنه، لكنها لم تجده، وتخبرها الممرضة أن أباه وجدته وجده قد استلموه باكرا وخرجوا به من المستشفى، تهرول إلى بيتهم كالمجنونة كى تطمئن عليه بعد العملية، لكنهم يمنعونها من الدخول، وتفشل كل محاولاتها ودموعها فى أن ترقق قلوبهم وتجعلهم يفتحون لها البيت لترى ابنها. فتتقدم ببلاغ إلى قسم الشرطة وتقوم بتحرير محضر رسمى ضد زوجها وحماها وحماتها، تتهمهم فيه باختطاف ابنها، ولم يسفر عن شيء، لقد تركوا البيت ولا تعرف مكانهم، وتسمع أنهم سافروا للمملكة العربية السعودية ومعهم رضيعها، وأن شقيقة زوجها التى لا تنجب هى من تقوم بتربيته ورعايته، تذهب إلى القنصلية السعودية بالقاهرة وتطلب مقابلة السفير، وتتقدم بمذكرة رسمية تطالبهم فيها بإعادة ابنها الذى خطفه زوجها وهرب، ويعدها القنصل أنه سيساعدها للوصول إليه، حتى أنهم توصلوا لعنوانه بالفعل وأخبروها أن طفلها سيعود قريبًا. وتم تحديد موعد لعودته، وكان عليها أن تنتظر وصوله بمطار القاهرة مع أحد موظفى القنصلية، وتظل تحلم بهذا اليوم وتعد الساعات والدقائق، فكم تشتاق إليه وكم تتمنى بأن تضمه لصدرها فلم تشبع منه أو يشبع منها، فربما أرضعته مرات معدودة منذ ولادته، لقد حرموه من لبنها وحنانها وحرموها من ابنها وأمومتها، وقبيل موعد الوصول بساعات تتلقى اتصالا من القنصلية يخبرونها خلاله أن ابنها لن يصل، وأن زوجها وأسرته غيروا مكان إقامتهم ولم يستطيعوا الوصول إليهم. ورغم مرور عامين على طلاقها وحرمانها من ابنها، فإن الأم الصغيرة الحائرة ما زالت تبحث عن ابنها الذى تتابعه يوما بيوم وهو يكبر أمام عينيها على صفحة عمته بالفيس بوك دون أن تستطيع أن تراه بعينيها أو تقبله بشفتيها أو تلمسه بيديها!!! حوارى روما تستعد للسفر إلى روما وهى سعيدة مبتهجة، تزف الخبر لمعارفها وأقاربها بفرح، وتفخر أمامهم بأنها ستترك مصر وتنتقل للعيش بإيطاليا !!، فطوال عمرها وهى تحلم بالسفر وخاصة للدول الأوروبية، وربما وافقت على الزواج من ابن خالتها لأنه يعمل ويعيش فى روما!! لقد حضر من هناك وتزوجها ثم سافر بعد زفافهما بشهر لإعداد بيت الزوجية، ويرسل لها لتلحق به. وتحرص قبل سفرها أن تلتقى بصديقاتها لتودعهن، وكم فرحن لفرحتها، وأوصينها وهم يمزحن بأن ترسل لهن من إيطاليا أى رجل يبحث عن عروس فهن على استعداد للحاق بها. تصل ليلا إلى مطار روما لتجد زوجها فى انتظارها يستقبلها بلهف وحفاوة، وقد جاء بصحبة أحد أصدقائه الذى حضر بسيارته لتوصيلها هى وحقائبها للبيت، كانت تتابع من نافذة السيارة بتركيز واهتمام الشوارع النظيفة والبيوت الجميلة، وتنتظر أن تصل لبيتها الذى اعتقدت أنه يشبه تلك البيوت، بينما تترك السيارة الشوارع الواسعة وتدخل فى شوارع صغيرة متفرعة منها وتسير فى حارات ضيقة أشبه بالأزقة المتواجدة بالأحياء الشعبية فى مصر!!، إلى أن تتوقف أمام بناية قديمة مظلمة تخيم عليها الوحشة والكآبة. يقول زوجها وهو يبتسم: حمد لله على السلامة وصلنا، إن المسكن الذى تراه يصيبها بالإحباط وخيبة الأمل، وتأمل أن تكون الشقة أفضل، وتندهش حين تجد صديقه الذى كان يقود السيارة يدخل معهما البيت، فتظن أنه يسكن فى شقة بنفس البناية، لكنه يلازمهما حتى شقتهما أيضا!!، مما جعلها تنظر إليه بدهشة، وقبل أن تنطق بكلمة، يتجه صديق زوجها إلى غرفة بالشقة وهو ينادى على اسم سيدة، فتخرج من الغرفة امرأة قصيرة بدينة ذات شعر أشقر قصير لتسلم عليها وتعانقها، ويقدمها لها زوجها بأنها زوجة صديقه، ثم تفاجئها امرأة أخرى تخرج من إحدى الغرف وتتحدث بلغة لا تفهمها وهى تعانقها وتبارك لها فيعرفها عليها زوجها بأنها صديقته الإيطالية التى تعمل معه بنفس المطعم،ثم تنادى المرأة على زوجها الذى خرج من نفس غرفتها فترى رجلا مصريا أسمر يصافحها ويرحب بها. تعقد الدهشة لسان الزوجة القادمة من مصر، فهى لا تستوعب ما يدور حولها، وتتساءل فى نفسها، كيف يستضيف زوجها فى شقته كل هؤلاء؟!، يبدو أنهم سيبيتون فى نفس الشقة!! وبعد أن رحبوا بها يتجهون لغرفهم، كما تدخل هى مع زوجها لحجرة أخرى تضم غرفة نوم ذات لون أبيض هادئ، ولكن لا تبدو عليها الفخامة، فخشبها ضعيف، يهيأ لها أنها لو جلست على السرير ربما انهار ووقع بها!! وتسأل الزوج، هل الضيوف عندكم لابد أن يبيتوا حين يحضرون لزيارة أصدقائهم؟ يقول الزوج بحيرة لا أفهم، ماذا تقصدين؟ تقول بصوت لا يخلو من إحباط: ألاحظ أن أصدقاءك الذين استقبلونى قد دخلوا غرفهم للنوم، هل سيقيمون لدينا؟! يقول الزوج باسما: لا، إنهم يستأجرون غرفا بنفس الشقة كما نستأجر نحن هذه الغرفة، لم تصدق الزوجة الصغيرة ما تسمعه: فتقول وهى تبتلع ريقها: هل تقصد أن هناك آخرين يعيشون معنا فى نفس الشقة؟! يقول الزوج وهو يهز رأسه: نعم نحن ثلاث أسر، ونعيش فى شقة واحدة!! تقول الزوجة وقد صدمها ما يقوله زوجها: ماذا كنت تفعل إذن طوال الأيام الماضية؟! لقد سبقتنى إلى هنا بحجة أنك تعد عش الزوجية!!، أى عش الذى أعددته؟! يقول الزوج بهدوء: لقد استأجرت من أجلك غرفة مستقلة، ولكن قبل أن أتزوجك كنت أعيش مع خمسة أفراد فى غرفة واحدة نتشارك فى إيجارها، حيث إن الإيجارات هنا غالية جدا وتلتهم معظم الدخل، كما اشتريت غرفة نوم جديدة لك وبعض الأدوات المنزلية وضعتها فى المطبخ.. تقول وأنفاسها تتهدج: بالتأكيد المطبخ مشترك!!، ولكن هل الحمام مشترك أيضا!؟، يقول الزوج بحماس: اطمئني، هناك حمامان فى البيت.. ويمكن أن يتركوا لنا أحدهما، تستسلم الزوجة للوضع الذى فاجأها به زوجها، وتحاول التأقلم مع حياتها الجديدة التى لم تتوقعها. - وتظل تضاعف ساعات العمل لتوفر ما يكفى إيجار شقة مستقلة قبل أن يصل طفلها للحياة، فلم يعد لديها وقت للنوم ولا الراحة، فتفقد الكثير من وزنها رغم أنها حامل، وتبدو متعبة مرهقة، وفى أحد الأيام أثناء وجودها بعملها حيث كانت تقوم بخبز البيتزا، يغشى عليها وتقع على الأرض،ويحضر الطبيب،ليؤكد لها أنها تحتاج إلى راحة تامة وإلا تعرضت حياتها وحياة جنينها للخطر، لكنها لم تستطع الراحة فى الشقة المشتركة المزدحمة التى تعيش بها، وتشعر بالاختناق من كل شيء فيها، ولا تتقبل سكانها ثقيلى الدم، حتى رائحة الطعام التى تهب عليها من المطبخ لا تستسيغها، ولا تطيقها أثناء حملها، وتتسبب لها فى التقيؤ المستمر، وبعد تفكير طويل تقرر أن تعود إلى مصر لترعاها والدتها إلى أن تضع جنينها، ويرفض الزوج سفرها ويصر على بقائها بجواره، ويعدها أنه سيقوم برعايتها بدلا من والدتها، لكنها تصر على العودة لمصر وترفض العيش ببيت غير مستقل تفقد فيه خصوصيتها وراحتها حتى ساءت حالتها الصحية والنفسية، ويخيرها الزوج بين الطلاق إذا أصرت على السفر لمصر وبين البقاء معه فى روما، لكنها تختار العودة لمصر بلا عودة له!!! زواج من أجل الطلاق أحبها بصدق وتباهى بزواجه منها أمام عائلته وأصدقائه، فكانت بيضاء رشيقة أنيقة، تلفت الأنظار بلباقتها وحضورها، كما أنها حاصلة على الماجستير وتعمل بأحد البنوك الكبرى، بينما لم يكن به شيء يميزه فهو عادى فى كل شيء يشبه الآلاف ممن هم فى مثل عمره، فليس وسيما أو مثقفا أو غنيا أو جذابا، ورغم ذلك قررت أن تتزوجه، إنها تضع خطة لنفسها تنفذها تحت إشراف عقلها، ولا تسمح لقلبها بالتدخل أبدا، ولقد قررت أن تحصل على الماجستير وهى فى الخامسة والعشرين وتنجب قبل أن تكمل عامها السادس والعشرين، وأن توافق على أول شخص يتقدم لها بعد أن احتفلت بعيد ميلادها الخامس والعشرين، وقد التقت به فى حفل خطوبة صديقتها، ابن خال العروس، يعمل محاسبا بدولة الإمارات، ويكبرها بعشر سنوات، ولكن لايهم، المهم أنه رجل ولديه القدرة على الإنجاب فكل أشقائه وشقيقاته قد أنجبوا وليس بينهم أحد عقيم، وبالتأكيد سينجب مثلهم، لقد رفضت قبله شابا ثريا ووسيما لأن شقيقه متزوج منذ ثلاث سنوات ولم ينجب فخشيت أن يكون مثله، ورفضت شخصا آخر فى مركز مرموق لأنه استهان بالماجستير الذى تحمله، ويرى أنه لا قيمة للدكتوراة التى بدأت فى تحضيرها، وهى فتاة طموحة لديها الكثير من الأحلام التى تسعى بجدية لتحقيقها، وتريد أن تتزوج بمن يحترم طموحها. وهذا العريس ما يميزه من وجهة نظرها أنه سيتزوج خلال فترة قصيرة ويجعلها أما فى أقرب وقت، وتتزوجه ولاتمانع أن تأخذ إجازة مؤقتة لمرافقة الزوج وتسافر معه كى تحقق هدفها فى الإنجاب، ويمر ثلاثة أشهر دون أن تحمل فتشعر بالقلق، وتذهب للطبيب الذى يكتب لها بعض الأدوية ويطلب منها أن تزوره بعد شهرين، ولكن لم يأت العلاج بنتيجة، ويخبرها الطبيب أن نتائجه ستظهر بعد عام على الأقل، لكنها ترفض الانتظار الطويل، وتقترح على الطبيب أن يجرى لها عملية (حقن مجهري) ورغم أن زوجها كان يفضل العلاج وانتظار نتائجه، إلا أنها أصرت على (الحقن المجهري) وأجبرت زوجها على إجراء التحاليل والفحوصات اللازمة، ولم ينجح الحقن، لقد فشل معها مرتين، لكنها لم تيأس، والزوج ينفذ رغبتها على حساب نفسه.. إنه يرفض هذه الطريقة فى الإنجاب ولكنه يوافق أمام إصرارها ودموعها، كما أنه أنفق مبالغ كبيرة من المال دون جدوى، ولكنها تلح عليه أن يقوما به للمرة الثالثة. ويستجيب الزوج الطيب لها، وبعد الحقن يأمرها الطبيب أن تنام على ظهرها ولا تتحرك كى يثبت الحمل، ويحصل الزوج على إجازة من عمله لرعاية زوجته وخدمتها حتى تتمكن من تنفيذ تعليمات الطبيب وتظل ترقد على ظهرها ولا تقوم بأى مجهود، فكان يطهو الطعام بنفسه، ويعد لها العصائر الطازجة، ويظل بجوارها يدللها ويخفف عنها ويطعمها بيديه، وينجح الحقن هذه المرة وتحمل الزوجة، ويفاجئها الطبيب أثناء عمل السونار بأنها حامل فى توأم،. ويفرح الزوج الذى يتفانى فى خدمة زوجته ويقوم بكل الأعمال المنزلية بدلا منها رغم أنه يأتى من عمله مجهدا متعبا، بينما هى لا تفعل شيئًا سوى النوم والحديث فى التليفونات مع عائلتها وأصدقائها بمصر، ورغم أن فاتورة التليفون تضاعفت عدة مرات وصارت تبتلع جزءا كبيرا من دخله، إلا أنه لم يعترض أو يضيق بمكالماتها الطويلة التى تمتد لساعات حتى أثناء وجوده فى البيت، مبررا بأن التليفون هو تسليتها الوحيدة فى الغربة. ويأتى موعد ولادتها ويصطحبها الزوج الرقيق إلى المستشفى وهو خائف عليها أكثر من فرحته بالتوأم الذى ينتظره، فكان يتألم لألمها حتى أنه بكى من أجلها، وتنجب الزوجة ولدين, وتقرر العودة إلى مصر دون أن تخبره. ويعاود الزوج الجريح الاتصال بزوجته بعدما وصلت إلى مصر. يسألها بصوت حزين منكسر: لماذا سافرت دون أن تخبريني؟ فتجيبه بحدة وقسوة: مهمتك انتهت!!، وأريد أن أركز فى تحقيق أهدافي، فلم يعد لدىّ وقت ولا طاقة لك!! يسألها وصوته يزداد اختناقا: لماذا تزوجتينى إذن؟ تجيب بلهجة لا تخلو من وقاحة: تزوجتك من أجل أن أحمل وألد فقط، وقد أنجبت وحققت أمنيتي، ولا أجد أهمية لوجودك فى حياتي!! سأنتظر أن ترسل لى بهدوء ورقة الطلاق!!