المصاعد معطلة منذ سنوات.. أعمال تطوير على الورق فقط.. الأقسام مغلقة بالجنازير.. العيادات الخارجية لا يتواجد بها أطباء.. المخازن تحولت إلى مقالب للقمامة.. غرف المرضى مرتعًا للكلاب والقطط.. إنه مستشفى «بولاق الدكرور» الذى يخدم ما يزيد على مليونى مواطن، والذى تحول إلى أيقونة للإهمال. حالة الإهمال والتردى التى وصلت لها المستشفى، بحسب العديد من استغاثات الأهالى دفعتنا للتحقيق من داخل المستشفى، وقبل الدخول ذهبنا إلى مخازن المستشفى المجاورة للمبنى الرئيسى والتى تم الانتهاء منها فى يناير 2012، وهى عبارة عن أربعة مخازن، تحولت مع الوقت إلى مقالب للقمامة. ومن المخازن إلى قسم الطوارئ، لم نجد فيه سوى طبيب واحد كان يطالع هاتفه المحمول، وممرضات لا يفعلن شيئًا سوى الحديث بأصوات عالية، ولا تستطيع التفرقة بينهن وبين عاملات النظافة.. رجال الأمن بلا أمن من السهل الدخول والسير فى كل أركان مستشفى دون أن يستوقفك أحد، فضلًا عن أنهم لا يرتدون زى رجال الأمن، فمنهم من يرتدى «ترنجات»، ناهيك عن عدم وجود أماكن استراحة لأهالى المرضى فى قسم الطوارئ. نورهان محمد فتاة فى العشرين من عمرها، كانت تصرخ من شدة الألم بعد أن سقطت على رجلها، وقفت فى قسم الطوارئ، تستند على ذراع والدتها بعد أن فشلت فى العثور على كرسى متحرك، لم تجد طبيبًا للعظام، ووقع الكشف عليها طبيب باطنى، وأمرها أن تذهب لقسم الأشعة الذى يبعد 40 مترًا عن غرفة الكشف، طوال المسافة تصرخ من الألم. الأسانسيرات معطلة أثناء التجوال بالمستشفى، لاحظنا وجود كم هائل من القمامة، فى كل الأقسام والأركان، فضلاً عن تحوله إلى مرتع للكلاب والقطط، كما أن الظلام يكاد يخيم على جميع أجزائه، فأغلب الإضاءات لا تعمل، الأسلاك تتدلى من الأسقف دون أدنى معايير الأمان. أما الحمامات، فعلى نفس الحال، لا تنتظر أن تجد حمامات آدمية أو نظيفة، أحواض بدون حنفيات، فضلًا عن عدم وجود قواعد الحمام و«التواليت»، نفس حالة الإهمال فى الأسانسيرات المعطلة، حيث يتم حمل المرضى على السرائر المتنقلة والصعود والنزول بهم عبر السلالم. الحاج محمد عيد، رجل مسن، محجوز فى قسم العظام بالمستشفى، صراخه لا يكاد يتوقف من الألم، وهو محمول على سرير متنقل لعمل الإشاعات اللازمة فى الأسفل، طالب وزارة الصحة بالتدخل العاجل لتشغيل الأسانسيرات: «أنا رجل على المعاش وجئت للمستشفى لأنها تابعة للتأمين الصحى،وليس لدى القدرة المادية لدخول مستشفى خاص، للأسف لا توجد متابعة بالمستشفى، فالأطباء يأتون يومًا وخمسة لا، بالإضافة إلى أن الأطباء يغادرون المستشفى فى الثالثة عصرًا، أما الممرضات فهن حالات نادرة، ولو وجدت ممرضة فى ليلة لابد من إعطائها «فلوس» لمتابعة الحالة، لدرجة أن المرضى وأهاليهم يفكرون الممرضات بمواعيد العلاج»، مؤكدًا أن أهالى المرضى يقومون بتنظيف الغرف ورعاية المرضى. مستشفى الأشباح وما أن يقف مؤشر الساعة عند الواحدة ظهرًا، تتحول المستشفى إلى مكان مهجور، الممرضات والأطباء يبدأون بالانصراف، وجميع الأقسام خالية من الممرضات، وبالتجوال رصدت «روزاليوسف» الأقسام مغلقة بالجنازير كقسم القلب والقسطرة ووحدة مناظير الجهاز الهضمى والعدوى والأوعية الدموية وجناح العمليات الكبرى. فى الليل يتحول المستشفى لمكان يسكنه الأشباح، كما أكدت نعمة محمد، محجوزة بقسم الجراحة: «نشعر بالخوف لعدم وجود ممرضات الاستقبال بالأقسام ولا إضاءات كافية، والحيوانات تسير فى المستشفى بكل حرية، فى الليل نسمع أصوات صراخ الأطفال من قسم الأطفال.. وبسبب عدم الأمان تحدث العديد من المشاجرات بين الأهالى وأطباء الطوارئ ورجال الأمن «لو عندى فلوس كنت رحت مستشفى تانى أفضل». تكاتك المستشفى على أبواب المستشفى، تتراص أعداد كبيرة من التكاتك، والتى تعد وسيلة نقل المرضى،فى ظل غياب عربات الإسعاف، والتى لا يوجد بها سوى سيارة واحدة تعمل، واثنتان معطلتان، محمد سائق «توك توك»، قال لنا من أمام المستشفى: عمرى ما شوفت مستشفى لا يوجد بها رعاية كما هو حال مستشفى بولاق، كل المرضى تدخل قسم الطوارئ يخرجون بعد ما يقال لهم بالداخل اطلعوا بالحالة على مستشفى قصر العينى، منذ يومين جاءت امرأة مريضة بالسكر رفضوا استقبالها، وكانت النتيجة أنها توفيت أمام المستشفى بغيبوبة، وهجم أهلها على المستشفى.. كما أن الأطباء يجبرون الأهالى على شراء الجبس من الصيدلية من أمام مستشفى مقابل 500 جنيه، وهو لا يساوى 150 جنيهًا فى الصيدليات الأخرى، كما أن سلك الغرز والإسعافات الأولية يشتريها المرضى على حسابهم الخاص. أمام باب المستشفى وقف أب يحمل ابنه الذى لم يتجاوز العامين، خرج دون أن يتم توقيع الكشف عليه، بعد أن أخبره طبيب الطوارئ بالذهاب لمستشفى خاص، لأن ابنه مصاب بنزلة شعبية ويحتاج إلى جلسة أكسجين، وهو غير متوافر بالمستشفى. رجل آخر دخل والدماء تسيل من قدميه، وبعد أقل من دقيقة خرج أحد أقاربه قاصدًا صيدلية لشراء المستلزمات الطبية اللازمة لوقف النزيف، «الدكتور قال لنا روحوا قصر العينى، لعمل الأشعة للتأكد من عدم وجود نزيف بالمخ، لأن جهاز الأشعة على المخ عطلان». حملة الأهالى مجموعة من شباب بولاق نظموا حملة تطالب الدولة بالتدخل لإنقاذ المستشفى من حالة الإهمال، والمطالبة بإقالة مدير المستشفى، وهو ما أوضحه إسلام عمر، أحد مؤسسى الحملة، أنه بمجرد الانتهاء من جمع التوقيعات سيتم رفعها، فبولاق الدكرور يصل عدد سكانها إلى مليونى نسمة، فكيف يكون المستشفى الذى يخدم هذا العدد يعانى من الإهمال». وأكد محمد عبدالله أحد مؤسسى الحملة، أن أعضاء الحملة التقوا مدير مستشفى الدكتور مصطفى شحاتة الذى اعترف بوجود قصور بالمستشفى، وأن إدارة مستشفى طالبت وزارة الصحة بزيادة أسرة العناية المركزة والحضانات والفشل الكلوى وتشغيل قسم القلب والأقسام المغلقة، منتقدًا صمت النائب محمد الحسينى عن الإهمال، حيث إنه عضو بمجلس إدارة مستشفى بولاق. إمكانيات محدوة مدير مستشفى بولاق الدكرور، أكد أن جميع أقسام المستشفى تعمل، لكن يوجد نقص فى الأطباء والممرضات، فالطبيب يحصل من 1000 إلى 1500 فى الشفت الواحد بالمستشفيات الخاصة، أما بمستشفى بولاق فيحصل على 75 جنيها فقط، ونفس الحال للممرضة تحصل على 30 جنيها، أما بالخارج 500، موضحًا أن المستشفى يوجد بها 10 أسرة فقط للرعاية المركزة، ومن الصعب توفير سرير لأن تكلفة تجهيزات السرير الواحد 8 ملايين جنيه، كما أنه لا يوجد مكان لتجهيز غرفة للرعاية المركزة، فى نفس الوقت السرير غير كافٍ لاستقبال أهالى، لذلك يتم وضع الحالات على قوائم الانتظار. عن الأسانسيرات، قال مدير المستشفى إن الأسانسيرات معطلة منذ 6 أشهر وتم إبلاغ وزارة الصحة، موضحًا أن وجود الكلاب والقطط بالمستشفى نتيجة أن المستشفى مكان مفتوح، فالأسوار قصيرة يسهل دخول الحيوانات، قائلاً: الهجوم على مستشفى بولاق نتيجة معارك ومنافسات بين نواب البرلمان، ومحاولة جر المستشفى فى تلك المعارك». وأشار إلى أن إمكانيات المستشفى أقل بكثير من أن تقدم خدمات لمنطقة يصل عدد سكانها إلى مليونى نسمة، وطالب وزارة الإسكان تسليمهم المبنى المجاور للمستشفى، وهو مبنى مهجور.