«لا تتزوج مصرية.. خليها تعنس.. حوريات ملكات جمال والمهر 50 دولارًا فقط.. ولا نكد ولا طولة لسان وشرشحة ولا عربى أصلاً وبتنور فى الضلمة كمان».. امتلأت مواقع التواصل الاجتماعى خلال الأيام الماضية بإعلانات تحث على الزواج بأجنبيات من الجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى والقريبة جغرافيا من روسيا. دعوات الزواج من أجنبيات ظاهرة ليست بجديدة، أو مستحدثة فى العالم العربى، فدائما ما كانت تقترن بالعديد من الأزمات الدولية، انطلقت فى ثمانينيات القرن الماضى، مع تفكك الاتحاد السوفيتى، وظهرت مرة أخرى بعد أحداث 11 سبتمبر، وانتشرت بصورة كبيرة فى أعقاب الربيع العربى بفضل مواقع التواصل الاجتماعى. ربط عدد كبير من الخبراء انتشار مثل هذه الدعوات بأغراض سياسية تتستر خلف شعار التدين والعفة وخدمة الإسلام، مثلما حدث فى الثمانينيات ودعوات الجهاد ضد السوفيت، والقتال ضد النظام الشيوعى الأفغانى، وصعود حركة طالبان فى التسعينيات، وقتها قدمت الجماعات الجهادية العديد من الإغراءات للشباب العربى للزواج من فتيات الجمهوريات الإسلامية التى انفصلت عن الاتحاد السوفيتى، ومن بين هؤلاء كان سامى الحاج مصور الجزيرة المعتقل السابق بجوانتانامو الذى قيل أنه تزوج من فتاة من سمرقند قبل الحرب وتم الاشتباه فيه وتسليمه من قبل الباكستانيين للأمريكان. الدعوات استمرت، خاصة مع رغبة الكثير من الشباب العربى وخاصة من جنسيات خليجية بالزواج من مواطنات تلك الجمهوريات، فخلال سنوات ما بعد أحداث سبتمبر 2001 والحرب على الإرهاب وغزو أفغانستان وبعدها العراق لم تتوقف إعلانات الزواج، وانتشر خلال العقد الماضى الكثير من الطلبات والأسئلة على مواقع الشات والإنترنت تستفسر عن اشتراطات الزواج من فتاة فى دولة مثل أوزباكستان، وهو ما دفع وزارة خارجية أوزباكستان لتقديم مذكرة للسفارة السعودية فى طشقند منتصف العام 2010 تتضمن اشتراطات زواج مواطناتها من أجانب، نصت المادة «16» على تسجيل عقد الزواج لدى الجهات المختصة، وأنه على راغب الزواج تقديم شهادة تثبت حالته الاجتماعية بأنه «أعزب»، وتكون موثقة من الجهات المختصة بالمملكة. تكرر نفس الأمر مع عدد من الشباب المصرى الذى سافر إلى الخليج للعمل وعادوا إلى قراهم بزوجات من تلك البلدان، من بينهم الشاب المصرى هانى عبدالحميد عيسى الذى تعاطف معه المصريون، وكان قد تزوج من فتاة من أوزباكستان فى أواخر التسعينيات وبعد سنوات من الزيجة، وجه نداء استغاثة للحكومة المصرية فى عام 2014 بعدما قامت زوجته الأوزبكستانية بأخذ بناته الثلاث وترك مصر بعد أكثر من 16 عامًا زواجًا قضتها معه فى بلدته «العصلوجى» بالشرقية، أنجبا خلالها ثلاث بنات الكبرى عمرها تجاوز 15 عاما وحاول هانى الاتصال بالزوجة وأقربائها لإقناعها بالعودة مع البنات إلى مصر لاستكمال الدراسة إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل وخلال رحلة المفاوضات مع أهل زوجته، تعرض لمحاولة اعتداء خطيرة كادت أن تودى بحياته. الربيع العربى بعد ثورات الربيع العربى اتخذت إعلانات الزواج تطورا جديدا، وذلك بعد تصدر التيارات الدينية المشهد السياسى فى عدة بلدان وازداد الطلب على الفتيات الروسيات ذوى الأصول المسلمة أو مواطنات إحدى الجمهوريات الإسلامية المجاورة لروسيا، وتحول الأمر من مجرد دعوات إلى إعلانات اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعى وأهمها فيس بوك منصة ووسيلة جيدة للجذب والاستقطاب. استحوذت الشيشان على جانب كبير من الاهتمام وإعلانات الزواج خلال العام الماضى، وذلك بسبب فعاليات كأس العالم التى استضافتها روسيا منذ عدة أشهر، ولم تتوقف حالات الاستقطاب عند الإعلان فقط عن مواصفات أو صور لفتيات بل ادعاءات عن قيام الحكومة الشيشانية بسن قانون يسمح للشباب العربى والإسلامى بالزواج من شيشانيات مسلمات، وأن جمعية إسلامية مكانها فى الشيشان تستقبل طلبات الزواج من فتيات شيشانيات ترغيباً منها فى الستر وإكمال الدين على أن تتكفل الجمعية بتكاليف الزواج وتضمن وصول الزوجة لزوجها فى حالة رغبته بالعيش خارج الشيشان وتوفير سكن مجانى للعروسين لمدة عام فى حالة زواجه داخل الشيشان . جمال الشيشانيات قدم الإعلان العديد من الإغراءات حيث نشر العديد من الفيديوهات تعرض جمال الشيشانيات ومنها فيديو لفتاة شيشانية محجبة تتمتع بقدر كبير من الجمال مصحوبا بترجمة عربية مضمونها أنها مديرة مكاتب الزواج المتآلفة فى الشيشان وتدعى أرسانيا مكاذفى تحفز الشباب العربى المسلم على السفر لبلادها للزواج من فتيات الشيشان. وبعد الإعلانات المثيرة، ظهر بعض الشباب الشيشانى بفيديوهات على يوتيوب لدحض الدعوات وللتحذير منها واستنكارهم عرض صور لفتيات شيشانيات بهذه الطريقة التى تخالف تعاليم الإسلام والتشكيك فى الجمعية المزعومة وتأكيد أحد الشباب الشيشانى الذى قال إنه هاجر من بلاده لنصرة الشعب السورى، إن المقطع الذى روج بأن صاحبته مديرة مكاتب الزواج فى الشيشان مفبرك وأن الفتاة تتحدث بالروسية ولا علاقة لها بموضوع الزواج الذى يتم الترويج له ولا يوجد فى الشيشان ما يسمى مكاتب الزواج. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فخلال شهر أغسطس الماضى تبارت الصفحات على موقع التواصل للتنافس فيما بينها فى عرض صور لفتيات محجبات فائقات الجمال من الشيشان وتعليل اختيار الشيشان دون غيرها من البلدان لأن الفتيات يتمتعن بعدة صفات تجعلهن فى المرتبة الأولى بلا منازع، فالشيشان دولة صغيرة تقع فى جنوبروسيا وكانت من ضمن دولة روسيا العظمى قبل تفكك الاتحاد السوفيتى، ويحتفظ نساؤها بعادات وتقاليد الروس من حيث الصحة والتغذية والرشاقة فتجد الفتاة الشيشانية كالروسية على درجة عالية من الرشاقة والجمال، وأن الزواج بشيشانية لا يكلف شيئًا إذا انطبقت على الشاب العربى الشروط والمواصفات التى تحددها الحكومة مع ضمان حقوق الفتاة الزوجية والشيشان تشبه فى سياستها الكثير من الدول الغربية، فبمجرد الزواج من شيشانية سوف تقوم الدولة بمنح الرجل الجنسية بعد قضاء مدة قصيرة لضمان حسن سلوكه. حملات فيس بوك الغريب فى أمر إعلانات الزواج الموجة -التى بحسب العديد من الخبراء والمحللين يكون خلفها العديد من الأغراض السياسية، والتى من بينها إلهاء الشباب العربى عن القضايا الرئيسية فى بلاده، والعالم- إنها ما أن تنتهى واحدة حتى تظهر أخرى، فبعد أقل من شهر من انحسار الحملة الفيسبوكية التى تروج للزواج من شيشانيات، ظهرت إعلانات جديدة للزواج من فتيات أوزبكستان.. الأمر هذه المرة لم يتوقف عند حد الإعلانات فقط، بل تم تدشين العديد من الصفحات والمواقع التى تعرض طلبات الزواج من فتيات أوزباكستان بصور لهن وقوائم بتكاليف السفر والزواج متضمنة تفاصيل عن أوزباكستان وعملتها المحلية وأوضاعها الأمنية بالإضافة إلى أن التأشيرة «لا تحتاج فيزا » وأسعار الطيران والفنادق وقيمة المهر الذى لا يتعدى ال60 دولارًا. الغريب فى أمر إعلانات الزواج، أنها تأتى من مصادر مختلفة ليس من بينها الدول التى تعلن عن رغبات زواج لفتياتها، بل إنها تصدر أحيانا من داخل الدول العربية نفسها، وهو ما يجعل منها وسيلة سهلة للانتشار بين الشباب، بعد مشاركتها عبر الصفحات العامة والحسابات الشخصية، والتى يرى فيها البعض أنها تأديب للمرأة المصرية ونكاية فيها إلى جانب حل مشكلة الشاب المصرى وإنقاذه من تكاليف الزواج الباهظة. كشفت عدة دراسات بحثية أن مثل هذه الإعلانات والمواقع الخاصة تقف خلفها العديد من الجهات منها ما هو استخباراتى، ومنها عناصر متطرفة تستهدف استقطاب الشباب لها، وذلك بعد جذبه بصور الحسناوات ومنها تحصل على كامل المعلومات الدقيقة حوله، مؤكدين أن العديد من المنظمات التى تعمل على اختراق المجتمعات العربية تستقى معلوماتها من خلال مثل هذه المواقع، كما أن بعضها وسيلة للاختراق والهاكرز، أو طريقة غير شريفة لجمع الأموال. وتقدم العديد من المواقع عبر الإنترنت حاليا طلبات زواج لاستقطاب الشباب العربى والمصرى للزواج من تلك البلدان والدول ذات الأغلبية المسلمة فى جنوب شرق آسيا كأندونيسيا وماليزيا وباكستان وحتى تركيا ومن بينها موقع قران وموقع مسلمة وموقع مؤسسة روفورآراب، حيث يزعم الموقع أنه يقدم للمستخدمين أرقام الفتيات المسلمات فى ركن الإعلانات الجديدة بالموقع والاطلاع على صورهن وبياناتهن ومن ثم الاختيار منهن وفى هذه البيانات سيجد الزائر للموقع فتيات مسلمات من روسيا ومن الجمهوريات الإسلامية فى الاتحاد السوفيتى السابق مثل أوزبكستان وأذربيجان وطاجاكيستان، كما يوجد موقع آخر هو «زواج انا وياك» موقع زواج عربى إسلامى مجانى يوفر خدمات الدردشة والمحادثة عبر الرسائل النصية والصوتية وإرسال البطاقات، كما يوفر خدمة الزواج المسيار والتعارف بهدف الزواج ويوفر خاصية تعدد الزواج وكذلك خاصية زواج ذوى الاحتياجات الخاصة. انتشار إعلانات الزواج دائما ما يرتبط بأزمات دولية، وهو ما يطرح تساؤلات حول من يقف وراء الإعلانات هذه الأيام وما أهدافه منها وهل هذا الترويج الفج بغرض العفة «كما يأتى فى أغلب نصوص الإعلانات»، أم أن البعض لديهم نوايا أخرى؟! لماذا التركيز أكثر على الشباب المصرى وبخاصة خلال الأشهر القليلة الماضية، وبحسب أحدث الدراسات فإن مصر شهدت ارتفاعاً ملحوظاً فى معدلات الزواج من أجنبيات خلال الفترة الأخيرة. يرى البعض أن الهدف من وراء الدعوات استغلال الأوضاع الاقتصادية فى البلدان التى قامت فيها الثورات حتى يتصاعد إقبال الشباب فيها على الزواج من أجنبيات، الأمر الذى من شأنه أن يفاقم واحدة من كبرى المشكلات الاجتماعية التى تعانى منها مصر والكثير من البلدان العربية وهى مشكلة العنوسة.