تنشر روزاليوسف بداية من حوار الدكتور علىّ الدين هلال، سلسلة حوارات مع مثقفى مصر ورجال الدولة والمؤلفين والناشرين فى مناسبة اليوبيل الذهبى لمعرض الكتاب القادم. سنراجع مع هؤلاء ذكرياتهم مع معارض الكتاب، ومع الكتب، ورؤيتهم لتطوير أداء معرض القاهرة الدولى للكتاب، ماذا ينقصه، فضلا عن كشف حساب لدورات الأعوام السابقة أداء وزارات الثقافة المتعاقبة. هُنا يعترف الدكتور علىّ الدين هلال، وكان شريكًا فعّالاً فى الحزب الحاكم فى مصر قبل الثورة، من خلال رئاسته لجنة الشباب بالحزب الوطنى كيف يرى اليوم وضع الثقافة المصرية وماذا قدّمت الدولة للثقافة والمثقفين ولصناعة الكتاب. سنتعرّف على آراء د. هلال المثيرة حول ما أسماه «زخم معرض الكتاب الناقص»، والثقافة فى مصر التى لم تمتلك مكانتها المرجوّة بعد حكم عبدالناصر، فإلى نصّ الحوار: فى أىّ دورة حضرتَ معرض الكتاب لأوّل مرّة؟ - فى عام 73 أو 74 بعد عودتى من البعثة خارج مصر. كان يُقام معرض الكتاب وقتها فى منطقة دار الأوبرا الحالية، قبل أن يُنشأ مبنى الأوبرا. اتّسعت مساحة أرض المعرض لعدّة مبانٍ كانت مُنشأة من قبل ثم يتم استغلالها أيّام المعرض لإقامة فعالياته. ومنذ ذلك التاريخ؛ حرصتُ على الحضور إلى معرض الكتاب بانتظام، عدا الفترات الأخيرة، فبسبب صحّتى أخشى الوقوف فى الطوابير، وكلما استجمعت نشاطى للذهاب أتراجع، أتذكّر الزحام الشديد ونقص الإرشادات داخل أرض المعارض، فضلاً عن الأعداد الغفيرة التى تقصد المعرض للترفيه والأكل، ما يُعطّل جولتى وحجم استفادتى من المعرض. أتذكّر.. جولاتى هناك دائما بحثية، أى أدخل إلى مكتبات بعينها ولتكن مثلاً متخصصة فى علم النفس أو الاجتماع، وأكون حاملاً فى يدى ورقة مُدوِّنا فيها عناوين الكتب الجديدة. كنت أبدأ جولتى داخل ساحة المعرض بجناح دار المعارف، يليه جناح مكتبة الأنجلو المصرية، فدار نشر النهضة المصرية، وأنتهى بأجنحة دور النشر الأجنبية. أسعار الكتب الزهيدة فى ذلك الزمان لا تُقارن بالطبع بما يحدث الآن. أسعار الطباعة وشراء الورق كانت أرخص، فيما الإقبال على المعرض قليل. كنت أستغلّ معرض الكتب سنويا لتزويد مكتبتى بما ينقصها من العناوين بأرخص سعر، لكن عندما سألتِنى عن أوّل معرض كتاب أحضره، جال فى خاطرى على الفور «سور الأزبكية». بالنسبة لى هو أوّل معرض كتاب حقيقى لأبناء جيلى. عرفته لأوّل مرة فى عام 1957. هو قطعًا معرض للكتب بالمعنى الفعلى للكلمة. وله فضل عظيم علىّ. لى ذكريات مازلتُ أستمتع بالحديث عنها دائماً. أنا من أبناء القاهرة القديمة، منطقة الحلمية، من ميدان باب الخلق تحديدًا؛ وكان ميدان العتبة يبعد 15 دقيقة من منزلنا، وكنت أذهب إلى السور سيراً على الأقدام طيلة أيام الأسبوع تقريبًا، على الأقل أربعة أيّام. اقتنيت من سور الأزبكية كتبًا فريدة من نوعها، أتذكّر أّوّل كتاب اشتريته هو «جمهورية أفلاطون» ترجمة حنا خبّاز طبعة عام 1918، وكتاب «تاريخ المذاهب الاشتراكية» من تأليف مصطفى حسنين المنصورى عام 1915، وغيره من الكتب الدسمة. تلت مكتبة «مدبولى» سور الكتب فى الأهمية، فهى بحقّ حصن الثقافة المصرية. بدأت «مدبولى» بكشك صغير فى نهاية شارع فى ميدان الأوبرا القديمة، ثم انتقلت إلى مقرّها الحالى فى قلب وسط البلد. تطلب أى كتاب من عمّ مدبولى يُحضره لك من أى مكان فى العالم. وكانت المكتبة بمثابة منفذ توزيع رئيسى وأساسى ووحيد لكتب دور النشر العربية. كانت مدبولى نافذة مصر الثقافية على الخارج. كانت الثقافة فى ذلك الوقت، بين الخمسينيات والستينيات، تحتلّ حيزًا مهمّا ضمن مشاريع الدولة. - قطعًا. أذكر من ذلك الزمن الغابر ألفريد فرج وكتبه الرائعة، ففى تلك الفترة شهد المسرح القومى جرأة فى طرح الموضوعات والتمثيل، ظهرت أدوار عبدالله غيث التى توجّه رسائل مباشرة للرئيس، بصوت عالٍ وسط جمهور حشيد. كانت صفحات الصحف تتّسع لكتابات جريئة أمثال كتابات الكاتب الكبير «إحسان عبدالقدوس» التى كشف عبرها المستور فى العلاقات الإنسانية والعلاقات الاجتماعية والعاطفية، وكانت هناك مجلة صباح الخير بشعارها الحيوى «إلى العقول الشابة والقلوب الجريئة». كان هناك عبدالرحمن الشرقاوى وصلاح عبدالصبور وأحمد بهاء الدين وفتحى غانم، وشعراء عظام أمثال: أمل دنقل وصلاح عبد الصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى. حدّثنا عن ذكرياتك مع معرض الكتاب ككاتب هذه المرّة، تُنشر وتُعرض كتبُه فى المعرض. - تزامنت دورة عام 1968 مع صدور أوّل كتابين لى. لقد كتبتُ أوّل كتبى وأنا طالب فى بعثتى إلى كندا بين عامى 1966 حتى 1973، وأذكر أنى عدّتُ إلى مصر قبل حرب أكتوبر بشهرين، وفى العام الذى يليه، صدر الكتاب بعنوان «تكوين إسرائيل» عن دار الهلال. كنتُ أريد أن أفسّر للناس من هى إسرائيل التى هزمتنا وأحلّل وهم الناس بالكيان الصهيونى. أمّا كتابى الثانى الذى شارك فى معرض الكتاب فى تلك الدورة، فقد صدر فى بيروت وعنوانه «كندا وقضية فلسطين»، كتبته بعدما اكتشفت أنّ كندا كانت عضوا رئيسيًا فى لجنة التقسيم وقتها. مع تقليص عدد مكتبات سور الكتب المشاركة فى العام المقبل، هل أنت مع إلغاء استضافة سور الأزبكية باعتباره منفذ الكتاب المزوّر فى معرض الكتاب؟ - ليس للكتاب المزوّر علاقة بسور الأزبكية. هذه سوق الكتب المستعملة، ومن خلالها يصل قطاع عريض من أبناء الشعب التوّاق إلى الترقّى بالثقافة والقراءة إلى الكتب المهمّة، هؤلاء غير قادرين ماديًا على شراء الكتب الجديدة ويريدون اللحاق بركب التطوّر. أى سلاسل الكتب التى تصدر عن وزارة الثقافة وكنتَ حريصًا على مداومة شرائها؟ - سلسلة «اخترنا لك»، وهى سلسلة ترجمات عن أمهات الكتب العالمية فى كل المجالات، وكانت تتسم بانتظام دورية الصدور، كانت بمثابة استثمار فى النشر ضخم جدا من الدولة. اعتدنا فى ذلك الوقت، أيّام «مجد الطباعة» أن تُعلن الدولة عن طبع كتاب كل 6 ساعات. كانت رغبة الرئيس عبدالناصر أن تُصبح الثقافة أحد مراكز القوى فى الدولة المصرية، حتى عبر الإذاعة الموجّهة «صوت العرب». دشّن الثقافة الجماهيرية التى أخرجت قوافل سينما إلى الناس فى القرى والمحافظات، كانت السينما فى الخمسينيات والستينيات جريدة مصر الناطقة تنتج أفلامًا وثائقية عن إنجازات الدولة المتواصلة فى ذلك الحين. هذا الدور كان يجب أن تستكمله قصور الثقافة اليوم فى تشجيع المواهب والإبداع، لكنها فشلت فيه لنقص فى الكوادر والإمكانيات. فى يوبيل معرض الكتاب الذهبى، ما رؤيتك للنهوض بدور المعرض التنويرى؟ - يُحسب لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، وأحبّ أن أطلق عليه لقب المهرجان، الاستمرار دون انقطاع بعيداً عن السنوات الصعبة التى مرّت بها مصر بعد 2011، فاستمراره حتى اليوم دليل نجاح، وأرى تصاعدًا مستمرًا فى عدد الكتب الصادرة والناشرين المشاركين والدول التى تحرص على نقل ثقافتها عبر منصّة معرض القاهرة، وكل هذا مبشّر، فضلاً عن أنشطة المعرض ذاتها وندواتها وفعالياته. ما ينقص المعرض هو أن يتّجه المسئولون إلى ميكنته، أقصد ربطه بالتكنولوجيا ويكون معرضًا إلكترونيًا أيضًا، من أجل أن ينافس أقوى معارض الكتاب حول العالم، الموجودة على خرية المواقع الإلكترونية عالية الجودة والتصميم. ما أقترحه هو أن تتعاون وزارات أخرى مع وزارة الثقافة والمشاركة فى إقامة المؤتمرات والندوات، لأن بدون هذه الأنشطة وذلك التعاون سيظلّ معرض الكتاب، والثقافة عامة فى مصر، زخمًا ثقافيًا ناقصًا. على الإعلام الاهتمام بتوفير تغطية احترافية لمعرض الكتاب فى يوبيله الذهبى مثلاً، والحرص على نقل فعاليات الندوات المصاحبة لبرنامج المعرض، وأن تهتم الصحف بعرض أنشطة المعرض وإبرازها إلى الرأى العام، وأخيرًا على الهيئات الثقافية تطوير نفسها ومواكبة التكنولوجيا السريعة للوصول إلى المواطن. كنتَ «رجل دولة» فى حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، هل أفادت فترة حكمه الطويلة ووزارة فاروق حسنى الثقافة المصرية، فى مجال صناعة الكتاب مثلاً؟ - صناعة الكتاب فى مصر تحتاج إلى دعم من الحكومة، من خلال دعم الورق خاصة بعد ارتفاع الأسعار. قدّمت الدولة إسهامات بارزة فى الثقافة المصرية من خلال منصّات مثل الهيئة العامة للكتاب والمجلس الأعلى للثقافة والمركز القومى للترجمة، هذه الهيئات قامت بحقّ على رعاية الثقافة فى مصر بشكل حقيقى، لكن ينقصنا النهوض نحن بصورة أكبر بدور النشر المصرية. لم تزل الثقافة فى مصر فى طور النهوض، ولم تأخذ مكانها الذى تستحقه منذ نهاية حكم عبدالناصر. الحديث عن معرض الكتاب يُثير الفضول للتعرّف على مكتبتك الخاصة؟ - أمتلك 5 أماكن هى مكتباتى الخاصة. فى شقة إيجار بالمعادى وبها مكتبة دسمة، وجزء فى منزلى الحالى ملحق بغرفة المكتب، وجزء من الكتب موجود فى غرفتى فى العمل، وجزء أخير فى منزل والدى فى الهرم تعود عمرها إلى الستينيات. وأفكّر جديّا فى إهداء مكتباتى إلى إحدى الهيئات الحكومية فى مصر. ما أحدث إصداراتك، وهل ستشهد دورة العام المقبل كتابًا جديدًا لك؟ - أعمل على الانتهاء من كتاب «الانتقال إلى الديمقراطية.. ماذا يستفيد العرب من تجارب الآخرين». سيصدر ضمن سلسلة عالم المعرفة، ولو تمت إجراءات مراجعته وتحضيره سريعًا يمكن أن يتزامن إطلاقه مع معرض الكتاب ويشارك فيه، فضلاً عن آخر كتبى، طبعة تانية عن دار المحروسة من كتاب «التجديد فى الفكر السياسى المصرى الحديث.. جذور الفكر الاشتراكى».