تقرير أممي: التوسع الاستيطاني بالضفة الغربية يبلغ أعلى مستوى له منذ عام 2017 على الأقل    ترامب يثمن دور رئيس الوزراء الماليزى فى السلام بين كمبوديا وتايلاند    زعيمة المعارضة الفنزويلية تؤيد زيادة الضغط على مادورو حتى "يدرك أنه يجب عليه الرحيل"    بعد الخروج أمام الإمارات، مدرب منتخب الجزائر يعلن نهايته مع "الخضر"    مصرع شخص وإصابة 7 آخرين فى حادث تصادم بزراعى البحيرة    ياسمين عبد العزيز: كان نفسي أبقى مخرجة إعلانات.. وصلاة الفجر مصدر تفاؤلي    محمد فخرى: كولر كان إنسانا وليس مدربا فقط.. واستحق نهاية أفضل فى الأهلى    وول ستريت جورنال: قوات خاصة أمريكية داهمت سفينة وهي في طريقها من الصين إلى إيران    اليوم.. محاكمة المتهمين في قضية خلية تهريب العملة    هشام نصر: سنرسل خطابا لرئيس الجمهورية لشرح أبعاد أرض أكتوبر    ياسمين عبد العزيز: ما بحبش مسلسل "ضرب نار"    سلوى بكر ل العاشرة: أسعى دائما للبحث في جذور الهوية المصرية المتفردة    أكرم القصاص: الشتاء والقصف يضاعفان معاناة غزة.. وإسرائيل تناور لتفادي الضغوط    أحمد حسن: بيراميدز لم يترك حمدي دعما للمنتخبات الوطنية.. وهذا ردي على "الجهابذة"    الأهلي يتراجع عن صفقة النعيمات بعد إصابته بالرباط الصليبي    الأهلي يتأهل لنصف نهائي بطولة أفريقيا لكرة السلة سيدات    محمود عباس يُطلع وزير خارجية إيطاليا على التطورات بغزة والضفة    فرانشيسكا ألبانيزي: تكلفة إعمار غزة تتحملها إسرائيل وداعموها    إصابة 3 أشخاص إثر تصادم دراجة نارية بالرصيف عند مدخل بلقاس في الدقهلية    قرار هام بشأن العثور على جثة عامل بأكتوبر    بسبب تسريب غاز.. قرار جديد في مصرع أسرة ببولاق الدكرور    ننشر نتيجة إنتخابات نادي محافظة الفيوم.. صور    تعيين الأستاذ الدكتور محمد غازي الدسوقي مديرًا للمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية    رئيس وزراء بلجيكا: لدينا شكوك بشأن منح أوكرانيا قرضًا باستخدام الأصول الروسية    كأس العرب - مجرشي: لا توجد مباراة سهلة في البطولة.. وعلينا القتال أمام الأردن    ياسمين عبد العزيز: أرفض القهر ولا أحب المرأة الضعيفة    الرعاة يدخلون التحدى.. وجائزة جديدة للمتسابقين    محافظ الدقهلية يهنئ الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم من أبناء المحافظة    إشادة شعبية بافتتاح غرفة عمليات الرمد بمجمع الأقصر الطبي    روشتة ذهبية .. قصة شتاء 2025 ولماذا يعاني الجميع من نزلات البرد؟    بعد واقعة تحرش فرد الأمن بأطفال، مدرسة بالتجمع تبدأ التفاوض مع شركة حراسات خاصة    انفجار غاز يهز حيا سكنيا بكاليفورنيا ويتسبب في دمار واسع وإصابات    صحه قنا تعلن موعد انطلاق الحملة التنشيطية لتنظيم الأسرة ضمن مبادرة بداية    عمرو أديب ينتقد إخفاق منتخب مصر: مفيش جدية لإصلاح المنظومة الرياضية.. ولما نتنيل في إفريقيا هيمشوا حسام حسن    سعر جرام الذهب، عيار 21 وصل لهذا المستوى    الإسعافات الأولية لنقص السكر في الدم    مفتي الجمهورية يشهد افتتاح مسجدي الهادي البديع والواحد الأحد بمدينة بشاير الخير بمحافظة الإسكندرية    المطربة أنغام البحيري تشعل استوديو "خط أحمر" ب أما براوة.. فيديو    الأرصاد تعلن انحسار تأثير المنخفض الجوي وارتفاع طفيف في الحرارة وأمطار على هذه المناطق    غلق مزلقان مغاغة في المنيا غدا لهذا السبب    لجنة المحافظات بالقومي للمرأة تناقش مبادرات دعم تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي    تسليم "كنز صوتي" نادر لأحفاد الشيخ محمد رفعت بعد عقود من الغياب    محافظ الإسكندرية: الدولة المصرية ماضية في مشروع التأمين الصحي الشامل    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    محافظ أسوان يأمر بإحالة مدير فرع الشركة المصرية للنيابة العامة للتحقيق لعدم توافر السلع بالمجمع    انطلاقة قوية للمرحلة الثانية لبرنامج اختراق سوق العمل بجامعة سوهاج |صور    اسعار الفاكهه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    سويلم: العنصر البشري هو محور الاهتمام في تطوير المنظومة المائية    ضبط المتهمين بتقييد مسن فى الشرقية بعد فيديو أثار غضب رواد التواصل    ناشيونال جيوجرافيك: الدعاية للمتحف الكبير زادت الحجوزات السياحية لعام 2026    هشام طلعت مصطفى يرصد 10 ملايين جنيه دعمًا لبرنامج دولة التلاوة    باسل رحمي: نعمل على استفادة كافة مشروعات الشباب الصناعية من خبرات جايكا    نقيب العلاج الطبيعى: إلغاء عمل 31 دخيلا بمستشفيات جامعة عين شمس قريبا    بتوجيهات الرئيس.. قافلة حماية اجتماعية كبرى من صندوق تحيا مصر لدعم 20 ألف أسرة في بشاير الخير ب226 طن مواد غذائية    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    تحالف جديد تقوده واشنطن لمواجهة الصين يضم إسرائيل و4 آخرين    عاجل- الحكومة توضح حقيقة بيع المطارات المصرية: الدولة تؤكد الملكية الكاملة وتوضح أهداف برنامج الطروحات    كيف أصلي الجمعة إذا فاتتني الجماعة؟.. دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اخدع السماء تخضع لك الأرض!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 06 - 10 - 2018

اخدع السماء لتعبر البحر.. هكذا تقول إحدى استراتيجيات الحرب الصينية ال36، وهو ما نفذته القوات المسلحة المصرية بدقة فى حرب الكرامة والعزة فى 6 أكتوبر 1973.
لم يكن اقتحام قناة السويس وتحقيق ملحمة أكتوبر بالأمر السهل.. تحديات كثيرة واجهت أبطالنا البواسل على البر الشرقى للقناة من ساتر ترابى ونقاط حصينة وقوية.
بطولات عظيمة صنعتها سواعد الأبطال، وسجلها التاريخ بأحرف من نور، لتبقى تفاصيل ماجرى شاهدة على واحدة من ملاحم الجيش المصرى فى العصر الحديث.
فى شهادته التى تضمنها كتاب «خفايا حرب أكتوبر» للمؤلف فاروق الشاذلى يروى الفريق عبد المنعم واصل وهو أحد صناع الملحمة إذ كان قائدا للجيش الثالث الميدانى فى حرب أكتوبر تفاصيل مرحلة الإعداد للحرب.
يقول واصل: بعد حرب 67 احتلت إسرائيل الضفة الشرقية من السويس وحتى بورسعيد.. وكانت قواتنا بالضفة الغربية للقناة.. لجأت كل قوة من القوتين إلى تعزيز مواقعها وإقامة ساتر ترابى.. وخلال مرحلة الاستنزاف كانت الأوامر لقواتنا المسلحة هى تدمير الخط الدفاعى على الضفة الشرقية بأسلحته.. ونفذ الجيشان الثانى والثالث فى الوقت المحدد مهامهما، مما كبد الجانب الإسرائيلى خسائر كبيرة فى المواقع والعتاد.
ولكى نتصور التحديات التى واجهت قواتنا المسلحة.. فالشكل العام للضفة الشرقية كان ثلاثيًا: مانع مائي.. نقاط قوية على المحاور الرئيسية عبارة عن دُشم خرسانية وفوقها قضبان السكك الحديدية طوليًا وعرضيًا، وطبقات من الأرصفة ومثلها من السلك الصلب وطبقة خرسانية أخرى.. كل ذلك للوقاية من ضربات الطيران.. وكانت تلك النقاط تتحمل قنابل حتى ألف رطل.. ولم تكن تلك النقاط فردية.. ففى منطقة الشط ثلاث نقاط قوية.. وفى الشمال أخرى فى كبريت خاصة فى الجيوب بالجباسات وفى عيون موسى وسدر حطان والبحر الأحمر.. وكل نقطة تعاون الأخرى.
مواقع دفاعية
بعد تلك النقاط أقام مواقع دفاعية من دشم ومصاطب دبابات ورشاشات وهاونات.. وأحاط كل ذلك بالسلك الشائك وحقول الألغام ضد الدبابات والأفراد والشراك الخداعية.. وترك المدخل لها من الخلف.. ويقود كل ذلك مركز قيادة تحت الأرض على بعد 9 كيلومترات من شاطئ القناة.
وأمام الجيش الثالث كانت النقاط القوية الحصينة رأس مسلة وعيون موسى والجباسات والشط وكبريت.. 10 نقاط حصينة والساتر الترابى والذى يصل ارتفاعه ما بين 17 و22 مترًا ويميل بزاوية 45 درجة.. ويسبق ذلك مانع مائى عرضه 200 متر وعمقه 17.. ومدخله الجنوبى يختلف عن باقى القناة فى المد والجزر والذى يصل الفاصل بينهما إلى مترين وسرعة تيار 90 مترًا فى الدقيقة.
كان كل ذلك يمثل تحديات للعبور وبعزيمة الرجال والتدريب الشاق المتواصل والإيمان بالروح القتالية وحب الوطن والتخطيط الجيد والنظرة المستقبلية ووضع الحلول المسبقة أمكن التغلب على جميع المصاعب التى قابلتنا أثناء اقتحام القناة.
مرحلة الإعداد
ويقول الفريق عبدالمنعم واصل: فى مرحلة الإعداد للمعركة كان تجهيز البر الغربى للاقتحام والعبور.. واخترنا فى سرية تامة ومن خلال مسابقات وجوائز بسيطة أمهر من يجيد السباحة من أفراد المشاة والمهندسين الذين قاموا بعمليات استطلاع وتحديد مواقع خزانات النابالم التى يهددنا بها الإسرائيليون فى عام 71 وأشعلوا القناة بعد علمهم بأننا سنحارب من أجل خفض الروح المعنوية.. وجاءت فكرة سد الفتحات فكانت السباحة للحصول على قطر الفتحات.. ثم مرة ثانية ووضع أخشاب وسلة صغيرة مملوءة بالخيش والأسمنت ولم يشعر الجانب الآخر بذلك رغم أن ذلك تم فى فترة الإعداد لاعتقادهم أننا أصبحنا جثة هامدة.
ماذا عن يوم الاقتحام؟
فى يوم 5 أكتوبر وفى السادسة مساءً جاءنا بلاغ بالاستعداد لتنفيذ العملية.. ودفعنا القوارب المطاطية والخشبية خلف الساتر الترابى.. وفتحنا الثغرات فى حقول الألغام لقواتنا ومع شروق الشمس كانت صورة الحياة عادية.
ويضيف: فى الثانية من بعد ظهر يوم السادس بدأت القوات الجوية بالمرور على ارتفاعات منخفضة إلى عمق الجانب الآخر.. وبعد دقائق كان ألف مدفع على الجبهة تضرب النقاط الحصينة بالضفة الشرقية على 3 قصفات لمدة 53 دقيقة تم خلالها دفع القوارب بالمهندسين من أجل فتح الثغرات.. ومجموعات اقتناص الدبابات، وبعد ذلك تدافعت الموجة الأولى من المشاة لقوات النسق الأول ومن شدة التيار احترق عدد من القوارب.. وكان الحل السريع هو استخدام البرمائيات لنقل الفصائل المهاجمة حتى لا يتم تأخير الجدول الزمنى.. وعلى محاور تقدم الفرقة الثانية من الجيش كانت هناك عقبة جديدة بعد أن قام المد بانحراف الكوبرى ومنع سقوط آخر برطوم، وبدأ الليل ولم تعبر الدبابات لمعاونة الموجات الأولى والتى هاجمت ما بين النقاط الحصينة ووصلت إلى عمق ما بين 300 و400 متر.
كوبرى جديد
وطلبنا (كوبري) جديدًا بعد نجاح دبابة إسرائيلية فى تدمير أحد الكبارى بإصابة مباشرة من مسافة 1500 متر واستخدمنا 5 معديات.. وقامت الدبابات باحتلال مواقعها فى البر الغربى والضرب على القوات الإسرائيلية فى الجانب الآخر.. واستخدمنا (كوبرى) من الجيش الثانى لعبور قواتنا.. ونجحت قواتنا فى تدمير الدبابة.
ويقول: فى الرابعة وخمسين دقيقة من صباح يوم 7 انجلت الغمة وأنشأنا كوبرى الكيلو 141 وأعطينا الأسبقية للأولويات وعبرت قوات الجيش الثانى منه أيضًا.. واستخدمنا الوسائل المختلفة والقدرة القوية على استخدام القيادة للسيطرة على الموقف.. وكانت معركة كبارى بيننا وبين الجانب الآخر.
فى التدمير والإنشاء
وكانت النقاط القوية الحصينة تحديًا آخر.. فقام لواء مشاة ميكانيكى من الفرقة 19 بمهاجمة جبل المر، والذى أُطلق عليه بعد ذلك الفاتح.. ونُفذت المهمة بدقة.. ونجح اللواء السابع والأول ميكانيكى فى السيطرة على عيون موسى من دون أن يطلق طلقة واحدة إلا على الحرس الأمامى وترك القائد والجنود الموقع وهربوا.. وحتى الآن مازالت البيجاما وعدة الحلاقة للقائد موجودة فى النقطة.
داخل غرفة العمليات
الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الجمعة الخامس من أكتوبر عام 1973.
سيارة جيب تخرج من مقر وزارة الحربية بكوبرى القبة. يستقلها الفريق أول أحمد إسماعيل على القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية واللواء حسن الجريدلى سكرتير عام وزارة الحربية. كان الاثنان قد فرغا من أداء صلاة الجمعة فى ذلك اليوم من شهر رمضان. واتجها بالسيارة إلى مركز العمليات فى منطقة ما بالصحراء المحيطة بالقاهرة.
سلكت السيارة طريقها عبر شارع الخليفة المأمون.. كان الشارع ساكنًا فى تلك الساعة. أعداد قليلة من السيارات تقطع الشارع وبعض المارة يسيرون فى هدوء.
أشار نحوهم الفريق أول أحمد إسماعيل وهو يسأل اللواء الجريدلى: ترى ماذا سيقول عنا هؤلاء الناس إذا قلنا لهم إن الحرب غدًا فى مثل هذا التوقيت؟!
ورد عليه اللواء الجريدلى قائلا: طبعًا، لن يصدقنا أحد.
وصلت السيارة الجيب إلى مركز العمليات، حيث كان يجرى تنفيذ المشروع الاستراتيجى السنوى الذى تشترك فيه قيادات القوات المسلحة بات القادة ليلتهم فى المركز.
وأشرق صباح اليوم التالى.. يوم السادس من أكتوبر.. واصل القادة فى ساعات الصباح تنفيذ المشروع الاستراتيجى.
وفى تمام الساعة الثانية عشرة.. صدر الأمر برفع خرائط المشروع الاستراتيجى ووضع خرائط العمليات أى الحرب.. وأغلقت أبواب مركز العمليات ولم يعد بمقدور أحد الدخول إليه.. سوى شخص واحد.. هو الرئيس أنور السادات.
وبعد ساعة.. توجه الفريق أول أحمد إسماعيل إلى مقر رئيس الجمهورية بقصر الطاهرة ليصحبه من هناك إلى مركز العمليات الرئيسى.
وفى الواحدة والنصف وصل القائد الأعلى والقائد العام إلى مركز العمليات.. نزل الرئيس السادات مرتديًا زيه العسكرى من السيارة.. ودخل غرفة العمليات.. وأخذ مكانه فى منتصف المنضدة الرئيسية بعد أن حيّا أفراد غرفة العمليات.
أراد السادات رفع الحرج عن الموجودين بغرفة العمليات.. طلب كوبًا من الشاى الأخضر وكيس التوباكو.. وبدأ يدخن «البايب» فى هدوء ويرتشف من كوب الشاى.. ثم نظر إلى من فى الغرفة وقال:
«أنتم مابتشربوش حاجة ليه يا ولاد؟» الإفطار مباح فى رمضان.. واحنا داخلين على أوقات صعبة.
وبدأ السادات يتحدث إلى من حوله بكلمات بسيطة هادئة كى يزيل بعض التوتر الذى كان سائدًا بين ضباط غرفة العمليات الرئيسية.
أخذت الساعة تقترب من الثانية وأنظار الكل معلقة بعقارب ساعة الحائط بالغرفة وسط سكون شامل.
دقت الساعة معلنة تمام الثانية.. اتجهت الأنظار إلى اللوحة الخاصة بالقوات الجوية الموضح بها القواعد الجوية المنتشرة فى أنحاء الجمهورية.. وشرع ضباط الاتصال بالقوات الجوية فى تسجيل بداية انطلاق أسراب القوات الجوية من قواعدها.. اتجاه كل النقاط على اللوحة.. كان نحو الشرق إلى قناة السويس.
وفى الساعة الثانية و5 دقائق.. كانت جميع النقاط قد أصبحت فى خط واحد يعبر قناة السويس.. لتبدأ أعظم ملحمة جوية عرفتها 220 طائرة.. انطلقت نحو الأهداف المحددة لها لتقصفها وتدمرها وتنفذ الضربة الجوية.
بدأ اتجاه النقاط فوق لوحة القوات الجوية نحو الغرب.. وقلوب الجميع فى غرفة العمليات تدعو بالعودة السالمة.. واقتربت النقاط من أماكن قواعدها بالجمهورية.
وهنا.. قطع رنين التليفون هدوء المكان.. أسرع اللواء حسن الجريدلى برفع السماعة كان المتحدث هو اللواء طيار حسنى مبارك قائد القوات الجوية. وجاء صوته يحمل البشرى.. «نجحنا والحمدلله.. وخسائرنا طفيفة جدا».. ناول اللواء الجريدلى السماعة إلى الفريق أول أحمد إسماعيل الذى تلقى «تمام» الضربة الجوية.. وانتقل التمام من القائد العام إلى القائد الأعلى الذى انفرجت أساريره ونظر إلى من فى الغرفة قائلا: «مبروك يا ولاد.. ربنا حينصرنا إن شاء الله».
سعادة.. بهجة فرحة لا توصف ارتسمت على كل الوجوه.. وانطلق أكثر من ضابط خارج الغرفة لإعلان النبأ السعيد إلى باقى الضباط فى مركز العمليات.
وتوالت البلاغات إلى غرفة العمليات.. اللواء محمد سعيد الماحى مدير المدفعية يعلن بدء تمهيد المدفعية بأكثر من ألفى مدفع وهاون أطلقت قذائفها على مواقع القوات الإسرائيلية شرق القناة.
ووصل أول بلاغ من الجيوش الميدانية ببدء نزول الموجات الأولى لاقتحام القناة من قوات الصاعقة والمشاة فى ألف قارب مطاطى ليضع أكثر من 8 آلاف جندى مصرى أقدامهم على الضفة الشرقية للقناة، ويتسلقوا الساتر الترابى، ويقتحموا الدفاعات الإسرائيلية.. بينما كان رجال المهندسين العسكريين يفتحون الثغرات فى الساتر الترابى ويقومون بتشغيل المعديات وإقامة الكبارى كى تعبر عليها المعدات الثقيلة.
وفى تمام الساعة الثانية والنصف.. جاء أغلى البلاغات برفع أول علم لمصر على الضفة الشرقية للقناة فى سيناء.. ورقصت قلوب كل من في غرفة العمليات الرئيسية فرحًا بهذا النبأ الذى كان حلمًا ظلّ الجميع داخل وخارج الغرفة وفى كل مكان على أرض مصر ينتظر تحقيقه أكثر من ست سنوات.
وبعد 16 دقيقة.. تلقت غرفة العمليات بلاغ سقوط أول نقطة حصينة فى خط بارليف لتتهاوى بعدها النقاط والحصون وتتوالى بيانات نجاح القوات العابرة إلى غرفة العمليات.. وفى الساعة السابعة والنصف كانت فرق المشاة الخمس قد اقتحمت قناة السويس على مواجهة طولها 170 كيلومترا واستولت على 15 نقطة قوية، وأقامت رءوس كبارى بعمق من 3 إلى 4 كيلومترات شرق القناة.
وهنا قال الرئيس السادات للقادة والضباط فى غرفة العمليات: «خلاص ياولاد إسرائيل فقدت توازنها».
وفى حوالى الساعة الثامنة مساء.. وبعد 6 ساعات من بدء الحرب.. غادر السادات مركز العمليات بعد أن اطمأن إلى نجاح معركة العبور.. وتوجه إلى مقره فى قصر الطاهرة.. لمقابلة السفير السوفيتى الذى ألح على طلب لقاء الرئيس.
تلك كانت ذكريات اللواء حسن الجريدلى سكرتير عام وزارة الحربية الذى عُيّن رئيسًا لهيئة عمليات القوات المسلحة فى نوفمبر 1973، ذكريات عطرة عن وقائع أمجد أيام مصر وأكثرها خلودًا.. يوم السادس من أكتوبر.. من داخل غرفة العمليات الرئيسية التى أديرت منها الحرب.
معارك السماء
لم تبدأ ساعة الصفر لانتصارات أكتوبر بالضربة الجوية لكنها بدأت مع 5 يونيو 67، خاضت القوات الجوية من تلك اللحظة العديد من المعارك كان أكبرها هو إعادة البناء من مطارات وقواعد جوية ومعلومات وحصر للأخطاء ووضع الخطط وإعداد الكوادر.
ومع الوصول بالقوات الجوية للمستوى المطلوب.. وتحديد كل شىء.. كانت الضربة الجوية.. مفتاح الحرب والتى حققتها أكثر من 200 طائرة فى توافق زمنى ودقة لتدمير أهداف محددة.
اللواء صلاح المناوى يقول: فى الساعة الثانية يوم السادس من أكتوبر كان أول ما قلناه: ربنا اجعل من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا، فقد وصلنا بدرجة السرية فى العمليات إلى إعطاء الأوامر شفويًا بالخطاب المباشر بدون استخدام التليفون أو اللاسلكى.. أو حتى الشفرة.. وكانت التوقيتات معروفة فى حيز محدود حتى لا تتسرب.. ولحق ذلك خطة خداع وتمويه من القائد بالرحلة المزعومة إلى ليبيا.
والضربة الجوية لم يكن المقصود بها تجمعات جنود، لكن تدمير وسائل الدفاع الجوى والمطارات ووسائل الشوشرة والإعاقة الإليكترونية وكل ما سيعيق تحركنا بعد ذلك.. وقد خططنا ونفذنا الضربة الجوية بدقة تامة.
ثغرة الدفرسوار
ويقول اللواء صلاح المناوى: إن الحرب أظهرت الإنسان المصرى وقدرته على التحمل، فالفنيون لم يناموا الليل إلا والطائرة جاهزة فى الصباح للخروج. ونسوا الأكل والشرب.. وخلال الحرب ورغم الانشغال بعمليات الهجوم ومنها نقل الصاعقة بطائرات الهليكوبتر خلف الخطوط وفى العمق لتعطيل القوات المعادية وكان له تأثير فى استقرار رءوس الكبارى.
وكانت أوامر قائد القوات الجوية «ألا تجعل القوات المعتدية تستريح ويجب مواصلة الضرب بلا توقف».. وكان الضرب أحد الأسباب لخروج إسرائيل من الثغرة.
معركة المنصورة
ويقول اللواء سيد كامل قائد لواء الاستطلاع: إن القوات الجوية فى الحرب كانت كما قالوا مفتاح النصر.. فكل شىء أُعد له رد الفعل.. ومواجهة كل الأعمال الإسرائيلية ويدلل على ذلك بمعركة 14 أكتوبر بين الفانتوم والميراج الإسرائيلى والسوخوى وميج 17 المصرى.. هذا جزء قليل من بطولات وتدريب وتخطيط جيد ومحكم للدخول فى حرب أكتوبر وتحقيق انتصارات مازالت تدرس فى المعاهد والكليات العسكرية فى العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.