كالذى يسبح عكس اتجاه الأمواج، تأبى إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التعاطى مع مقتضيات الأمور، وتصر على أن تفرض سياسة الأمر الواقع، ضاربة بالاتفاقيات وقرارات الأممالمتحدة عرض الحائط متجاهلة كل حقوق الشعب الفلسطينى،بانحيازها التام إلى الكيان الصهيونى. فريق ترامب والذى لا يمتلك أى مؤهلات دبلوماسية يعتزم طرح خطة جديدة للسلام فى أعقاب فشل مقترحاته السابقة، خاصة أنه طرح مبادرته عقب أيام من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، اعتمد فيها على مبدأ «العصا» بمحاولة إقرار مبادرة للسلام من طرف واحد، جاءت معظم بنودها فى خدمة الكيان الصهيونى،تحت عنوان «صفقة القرن» لإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، تجاهلت فيها العديد من المطالب الرئيسية للشعب الفلسطينى ومن بينها حق اللاجئين والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس، وتضمنت المبادرة إقامة دولة فلسطين على نصف الضفة الغربية وعلى كل قطاع غزة، على أن تحتفظ إسرائيل بالمسئولية الأمنية على معظم أرجاء الضفة الغربية وكل معابر الحدود. صفقة جديدة الفريق والذى يقوده صهر ترامب وكبير مستشاريه جارد كوشنير، ومبعوث واشنطن للسلام فى الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات يعتزمان الإعلان خلال الأيام القادمة عن مقترح جديد لإحلال السلام فى الشرق الأوسط، كشفت عن ملامحه الخميس الماضى صحيفة «وشنطن بوست الأمريكية». ونشرت الصحيفة تغريدة ل«جرينبلات» يزعم فيها أن الحل الوسط الذى سيتم الإعلان عنه ربما لن يُرضى الفلسطينيين والإسرائليين على حد سواء إلا أنه سيكون الطريق الوحيد إلى سلام دائم.. ونص بيان مبعوث ترامب: «لن يسعد أحد باقتراحنا بالكامل، لكن هذه هى الطريقة التى يجب أن نكون بها إذا أردنا تحقيق سلام حقيقى.. لا يمكن أن ينجح السلام إلا إذا كان قائماً على حقائق». وكشفت الصحيفة أن فريق ترامب يضع اللمسات الأخيرة على خطة للسلام- لم يحدد موعد إطلاقها- وبحسب التسريبات فإن المبادرة الجديدة ستتعامل بمبدأ «الجزرة» فى محاولة للتأثير على الفلسطينيين للقبول بها نظرا للأوضاع الاقتصادية السئية التى يمر بها قطاع عزة والضفة. الصحيفة استبعدت أن تتضمن خطة السلام أى ضغوط على الكيان الصهيونى،مستشهدةبمواقف ترامب المؤيدة لإسرائيل، والعلاقات الضعيفة التى تربطه مع السلطة الفلسطينية، والتى سبق لها أن قاطعت إدارة ترامب ورفضت التحدث إلى مسئوليها بعد أن اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية. مسئولون فى البيت الأبيض أكدوا أن إن الخطة الجديدة تشمل عددا من المشاريع الاقتصادية لرفع مستوى معيشة الفلسطينيين فى الضفة الغربيةوغزة، ويراهن فريق كوشنير، على الحوافز المالية للفوز بقبول الفلسطينيين للصفقة الجديدة. ألاعيب ترامب ألاعيب إدارة ترامب بالملف الفلسطينى لصالح الكيان الصهيونى لم تتوقف عند فقط طرح مبادرات شكلية، بل الانحياز الواضح لصالح إسرائيل، وهو ما لاقى عدم قبول مصر، والتى تعمل على إنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وإقرار مصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وهو ما عبرت عنه صحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية، مؤكدة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى،غير راض عن أداء مبعوثى الرئيس دونالد ترامب، كبير مستشاريه، جاريد كوشنر، ومبعوثه للمفاوضات فى الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات، مشيرة إلى أن «السيسى» عندما عقد قمة مع «ترامب» فى أبريل 2017 كان يأمل فى خطة سلام ترضى جميع الأطراف. الصحيفة كشفت أسباب الغضب المصرى من فريق ترامب، موضحة أن المصادقة الأمريكية على المزاعم اليهودية فى القدس، والتصور بأن الولاياتالمتحدة تريد أن تجعل من غزة مشكلة مصرية وتزايد الشكوك فى أن «ترامب» يمكن أن يجد حلًا للقضية الفلسطينية كانت كلها وراء عدم رضا فى مصر عن العملية الحالية. وكالة اللاجئين فريق ترامب لم يتوقف عند هذا الحد، بل يحاول صهر الرئيس الأمريكى التخلص بهدوء من وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة «الأونروا» التى وفرت الغذاء والخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما كشفت عنه مجلس «فورين بوليسى» الأمريكية، وفقا لرسائل البريد الإلكترونى الداخلية التى حصلت عليها، حيث تسعى إدارة ترامب بالتعاون مع حلفائها فى الكونجرس من تجريد الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين فى المنطقة وعدم التطرق إلى قضية اللاجئين فى المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، حيث اقترح «كوسنير» أن أكثر من مليونى فلسطينى مسجلين يعيشون فى الأردن لن يتم إدراجهم على أنهم «لاجئون». وفى محاولة الضغط الأمريكى على الفلسطينيين، لوح البيت الأبيض باحتجاز ما يصل إلى 200 مليون دولار كمساعدات إغاثة للمدنيين الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية، مما يهدد بقطع شريان الحياة الإنسانى الحيوى فى وقت تتصاعد فيه التوترات السياسية والأمنية فى المنطقة، ويمثل المبلغ تقريبا كل المساعدات الإنسانية التى تقدمها الولاياتالمتحدة مباشرة للفلسطينيين، فضلا على مساهمة واشنطن فى ميزانية وكالة «الأونروا» لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين. المبادرة الجديدة التى من المقرر طرحها خلال الأيام القادمة لن تخرج عن كونها فقاعات هواء تحاول بها إدارة ترامب الضغط على الجانب الفلسطينى،خاصة بعد التصريحات التى أطلقتها جرينبلات لصحيفة حمودى الإسرائيلية والتى أكد فيها أن فكرة حل الدولتين «مجرد شعار»، وأنه لا أحد يفهم ما هما الدولتان، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمسائل المتعلقة بأمن إسرائيل أو الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. موقف مصر وزير الخارجية المصرى سامح شكرى وجه خلال زيارته إلى واشنطن قبل أيام، رسائل واضحة إلى الإدارة الأمريكية، مؤكدا أن مصر لن تدعم أى مفاوضات سلام لا يتماشى مع الرأى العربى والمصرى،وأن اتفاق سلام لا يتضمن بوضوح القدسالشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية، لن يكون مقبولًا من جانب مصر أو العرب والمسلمين، محذرا من أن التحيز الأمريكى لإسرائيل المستمر يضر بثقة الحلفاء العرب للولايات المتحدة وعلى رأسهم مصر والأردن والإمارات والسعودية. مجلة «فورين بوليسى» وصفت تحركات ترامب بأنها مسرحية تهدد عملية السلام فى المنطقة، لأن اعتراف الولاياتالمتحدة بالسيادة الإسرائيلية على القدس دون أن يتم إقرار حق الدولة الفلسطينية، يعنى تخلى واشنطن عن دورها فى رعاية السلام بالمنطقة، مؤكدة أن القدس ما كان يجب اعتبارها عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها إلا فى إطار اتفاق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وضربت المجلة مثالا، بما فعلته إدارة باراك أوباما بالتنازل عن قانون نقل السفارة وهو القانون الذى أقره الكونجرس فى 1995 ويقضى بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ما لم يتنازل الرئيس عن هذا الشرط لأسباب تتعلق بالأمن القومى.. حيث كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تعلم أن نقل السفارة إلى القدس من شأنه أن يتناقض مع الموقف الأمريكى بإيجاد حل الدولتين فى إطار المفاوضات بين الطرفين. وطالبت المجلة فريق ترامب الذى يعتزم إطلاق مبادرة جديدة للاعتراف بالقدسالشرقية كعاصمة للفلسطينيين، فى سياق مجموعة أوسع من المعايير الأمريكية أو الدولية بشأن قضايا الوضع النهائى،لأن الجميع يدرك أنه لا يمكن تحقيق السلام بدون سيادة فلسطينية على أجزاء من المدينة، حيث سيبقى التفاوض على المدينة القديمة ومواقعها المقدسة، من بين أصعب قضايا الوضع النهائى،قيد التفاوض. «فورين بولسى» أكدت أن إدارة ترامب الولاياتالمتحدة بقرارها بنقل السفارة وما تلاه من مبادرات وضعت نفسها فى واحدة من أكثر المشاكل الشائكة فى المنطقة، ولم تقدم شيئا من أجل دفع عملية السلام، مطالبة إياها بتحويل المشكلة إلى فرصة قبل أن تنزل إلى مزيد من العنف، تاركة فوضى دبلوماسية للإدارة الأمريكية القادمة. من جانبها، قالت شبكة «سى إن إن» الأمريكية إن إدارة ترامب، تخلت تماما عن أى ذريعة لاستحقاق السلام فى الشرق الأوسط، وتخلت عن الفلسطينيين، مشيرة إلى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية بسبب الحروب فى سوريا واليمن وليبيا والتهديد الدائم الداعش والمتاعب الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسى. عيوب خطة ترامب وكشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن الخلل القاتل فى خطة ترامب للسلام، مرجعة ذلك إلى اعتماد البيت الأبيض على مديرى الأعمال والمحامين بدلاً من الدبلوماسيين، فضلا على عدم إشراك الفلسطينيين فى المباحثات رغم ما أكدته جميع الاتفاقيات الدولية وفى مقدمتها اتفاق أوسلو، وعدم طرح حلول للقضايا الجوهرية ومنها (القدس، قضية اللاجئين، الضفة الغربيةوغزة) . وأوضحت الصحيفة أن ترامب يردد نفس خطأ حقبة ما قبل أوسلو، من خلال الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، والوقوف إلى جانب إسرائيل، ما أجبر الفلسطينيين على الخروج من المفاوضات. رغم ذلك يصر كوشنر على أن خطة ترامب للسلام لا تزال قيد التطوير. ملف المصالحة وعلى صعيد ملف المصالحة الفلسطينية، ترعى القاهرة سلسلة من الحوارات بين الفصائل الفلسطينية للتوصل إلى اتفاق حول عدد من النقاط الرئيسية ومن بينها ملف التهدئة مع الاحتلال، والأوضاع الحياتية فى قطاع غزة، وأهمية التحرك الجمعى الذى يمثل الكل الوطنى من منطلق الشراكة، من أجل بلورة موقف فلسطينى موحد يحقق رؤية وطنية للتعامل مع العديد من الملفات. ورغم أن الاجتماعات شهدت خلافات جوهرية بين حركتى فتح وحماس، إلا أن جميع الأطراف اتفقت على ضرورة تجنب الخلافات الداخلية وتحقيق الوحدة لمواجهة الأخطار التى تواجهها القضية الفلسطينية. يأتى ذلك فى الوقت الذى أجرى فيه وفد أمنى مصرى رفيع المستوى الخميس الماضى،زيارة خاطفة لإسرائيل استغرقت عدة ساعات، التقى خلالها بالقيادات الإسرائيلية لبحث جهود التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.