مرّ على ميلاد الكاتب الصحفى محمّد التابعى 115 سنة. ما الذى يُمكننا استعادته عندما يأتى على اللسان ذكر «أمير الصحافة»، الذراع اليمنى لفاطمة اليوسف فى تأسيس المجلة التى لا تزال بين أيدى قُرّائها إلى اليوم؟ تخرّج محمّد التابعى (1896 - 1976) فى مدرسة الحقوق عام 1924، وعُيّن فى نفس العام سكرتيرا للبرلمان، لكن ظلّت الكتابة والصحافة فى دمه. فمن المعروف أنّ أوّل اتّصال للتابعى بالصحافة، كان مع الإنجليزية التى كان يُجيدها. كتب عدّة مقالات لصحيفة «إجيبشيان ميل» التى كانت تصدر فى القاهرة، واشتهر فى ذلك الوقت بانتقاده كبار الموظّفين الإنجليز آنذاك فى مصر، موقّعا مقالاته اللاذعة باسمٍ مُستعار. بعد ذلك، انتقل التابعى، إلى الكتابة بالعربية، وكانت محطّة البداية هى «الأهرام». حيث اضّطلع بتحرير باب للنقد الفنّى، وفى هذا الباب انتقد مسرحية «غادة الكاميليا» التى كانت فاطمة اليوسف بطلتها قبل أن تتحوّل إلى ميدان الصحافة. ومن هذه الواقعة كان أوّل تعارّف بين الصحفى الناشئ وممثلة المسرح الحسناء، سيّدة الصحافة العملاقة بعد ذلك. فى كليّة الإعلام جامعة القاهرة، تُسجَّل دراستان أكاديميّتان، اثنتان فقط، عن محمّد التابعى ودوره فى الصحافة وشراكته فى تأسيس مجلّة روزاليوسف. الدراستان لشهادة الدكتوراه هما: «صحافة الفُكاهة وصحفيّوها فى مصر» للدكتور عادل الصيرفى، الممهورة بعام 1973، والثانية فى عام 2009، وهى للصحفى والأستاذ بكلية الإعلام محمّد الباز بعنوان «الإثارة الصحفية فى مصر». والدراستان لا تتناولان التابعى إلّا فى ضوء كونه حلقة داخل تاريخ الصحافة المصرية، متقفيّة أثره فى تأسيس صحافة النقد اللاذع الساخر الفُكاهى أو ما سمّاه الباز «رائد صحافة الإثارة». أفردت الأطروحة الأولى حقيقة خلافه اللاحق مع فاطمة اليوسف، الذى أوردته روز بنفسها فى مذكّراتها بشيء من التفصيل. تقول روزاليوسف عن التابعى: بعد أن اعتزلت التمثيل فكّرت فى إصدار مجلة روزاليوسف، وكان التابعى أوّل من خطر على بالى لمعاونتى. تتذكّر عن تلك اللحظة: لم يُصدّق التابعى وأخذ يُحاورنى ويظنّنى أسخر منه أو أُدبّر له مَقلبًا. فى بعض الأحيان، تنتفخ جيوب التابعى بالبروفات، فيكون على اتفاق مع روز للّقاء فى المقهى المُجاور لمطبعة «البلاغ»، حيث كانت روزاليوسف تطبع أعدادها، يطلب كأس زبيب بخمسة عشر مليما، وتُشاركه السيّدة فاطمة اليوسف فى المَزّة، وبعد الاشتباك مع الجرسون لإقناعه بزياد كميّتها، يُرسلانه لشراء ساندويتشات الفول الواحد بقرش تعريفة وأثناء ذلك كُلّه يتمّ تصحيح البروفات. تميّزت مدرسة التابعى فى الصحافة بالنقد الساخر. و«السجالات الصحفية العنيفة» ودائما ما كان يرفع شعار: «الهجوم الساخر على كلّ وضعٍ مائل». لكن مسيرة التابعى فى الهجوم المستمرّ لم تستمرّ طويلا بلا مُنغّص. فنتيجة ضغوط وتهديدات بالسجن، اضطّر إلى الهروب والسفر إلى باريس فى عام 1934، وفق نصيحة أصدقاء. وعند هذه المرحلة، أو من هذه المرحلة بدأ خلاف التابعى مع فاطمة اليوسف. نقرأ فى رسالة د. الصيرفى عن مذكّرات فاطمة اليوسف، أنّها اتّفقت مع التابعى قبل سفره على الاحتفاظ بنصيبه من إيرادات روزاليوسف التى كانا يقتسمانها مُناصفة كما كان الأمر قبل سفره، وحينما قرّر التابعى العودة إلى الوطن والمُطالبة بمستحقّاته، رفضت روزا إعطائه إيّاها. تقول المذكّرات إن فاطمة اليوسف فور علمها بخبر عودة التابعى، أرسلت إليه وهو لا يزال على رصيف الميناء فى الإسكندرية، تُثنيه عن أمر العودة. أرسلت إليه صديقها أحمد حسن، ومعه طربوش التابعى الذى كان قد خلّفه قبل سفره إلى باريس، ورجاه أحمد حسن باسم فاطمة اليوسف أن يُسافر فورا إلى لبنان، فقد كان أمر وجود التابعى فى مصر لا يزال فى دائرة الخطر والمُلاحقة القانونية من قبل مُوالين للملك، مما سيكون له أثره الضار بمجلة روزاليوسف. إلّا أنّ التابعى الذى كان يحترّق شوقا للوطن والكتابة الصحفية الساخرة؛ رفض العودة بقدميه إلى المنفى مهما كلّفه ذلك من مشاق. لم يشتهر التابعى بتأسيس ما سُمّى بمدرسة الصحافة الساخرة فقط، بل أسّس لمدرسة أخرى هى «الإثارة» بحسب رسالة الدكتوراه لمحمد الباز، التى تتحدّث عن صحفيى الإثارة واستنتاجها بأنّ محمّد التابعى كان أوّل من استخدم الإثارة فى الكتابة واختيار العناوين والصور الصحفية، بحيث تُدار الصحافة، بمبدأ «السبق»، نزولا على رغبة القُرّاء. كان التابعى باختصار يُريد نمطا مختلفا مُثيرا من الصحافة لم تكن ترتاح له روزاليوسف كثيرا، المجلّة وصاحبتها.