فى الذكرى الثالثة والخمسين لرحيل سيدة الصحافة الأولى عندما نتحدث هنا عن السيدة فاطمة اليوسف في الذكري الثالثة والخمسين لرحيلها فإننا نتحدث عنها كامرأة مبدعة في مجال الصحافة المصرية والعربية فعندما قررت أن تصدر العدد الأول من مجلتها «روزاليوسف» في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر عام 1925 والتي اسمتها باسمها كان رأيها: أن مجلتها.. وستكون معبرة عن رأيها وستكون روحها وقطعة منها فلماذا لا تسميها باسمها؟! واحتج محمد التابعي وعباس العقاد علي الاسم فكتبت فاطمة اليوسف في افتتاحية العدد الأول تقول: «عجبوا إذ اسميت صحيفتي باسمي وقالوا نزعة إلي الشهرة!! أي شهرة؟! الطبل العزاف أذني منه في صمم ولم العجب؟! أليست صحيفتي شعبة من نفسي؟!». وكانت المجلة ذات مستوي أدبي وثقافي رفيع، فهي تنشر: الشعر.. الفلسفة.. الحكمة.. روائع فن التصوير.. فاستقبلت المجلة بحفاوة بالغة من أوساط المثقفين ثم بدأ التوزيع في الانخفاض.. وبدأت الخسائر.. فقررت أن تخلع هذا الثوب الأنيق في العدد السبعين.. وبدأت تتحول من الفن والأدب إلي عالم السياسة.. فدخلت روزاليوسف بهذه النقلة البارعة تاريخ الصحافة السياسية من أوسع أبوابه.. ولم تخرج منه حتي الآن. أما السيدة فاطمة اليوسف فلم تكن ترغب في إنشاء مجلة نسائية فهي تكافح منذ أن ولدت كما يكافح الرجال.. ولم تكن يوما ما قضيتها «تحرير المرأة».. فقد تحررت السيدة فاطمة اليوسف من كل شيء وحررت نفسها بنفسها منذ أن جاءت إلي القاهرة بمفردها صبية صغيرة هائمة علي وجهها لا تعرف من أمرها شيئا،ً فشقت طريقها بلا عون من أحد حتي أصبحت نجمة التمثيل الأولي في مصر. ومن العجيب أن فاطمة اليوسف كانت تحسن القراءة فقط وكانت شخصية واعية للغاية ومثقفة ثقافة فطرية، فهي صاحبة رأي ورؤية ومعرفة واسعة بالحياة الفنية والسياسية فقد تعلمت القراءة وصعب عليها أن تتعلم الكتابة فلم تكن تحسن الكتابة وكانت تمسك بالقلم لتوقع باسمها فقط أما مذكراتها المعروفة فقد أملتها علي الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين وكانت تعتبره هو وفتحي غانم من أبنائها مثل إحسان تماماً. وبدأت السيدة فاطمة اليوسف في تأسيس مجلتها ومعها ثلاثة من فرسان العصر الجميل وهم محمد التابعي وعباس محمود العقاد ومحمود عزمي، وتحولت فاطمة اليوسف الإنسانة وروزاليوسف المجلة إلي مدرسة صحفية متفردة، فهي مدرسة الفن والجمال والأدب والصحافة والسياسة والإرادة القوية والرأي الحر المستقل. من شدة صلابة فاطمة اليوسف وقوة إرادتها كان الشاعر كامل الشناوي يقول عنها إنها رجل «علي سبيل التفخيم» والإشادة بقوتها وكانت ترد عليه قائلة «لا يا كامل لست رجلاً ولا أحب أن أكونه إنني سيدة وفخورة بأنني سيدة.. وعيب صحافتنا هو كثرة رجالها وقلة نسائها.. وقد غفرت لك ويوم أن أرضي عنك وعن جهادك سأقول إنك سيدة». ورغم هذا النجاح الكبير وهذه البداية الطيبة التي حققتها السيدة فاطمة اليوسف إلا أن الصدمة الأولي التي تلقتها كانت من محمد التابعي عندما قرر أن يهجر روزاليوسف ليصدر مجلة جديدة تحت اسم «آخر ساعة» وكانت معركة الخروج شديدة الألم علي السيدة المكافحة، فقد أخذ التابعي معه -تقريباً- كل العناصر الرئيسية التي تحملت مسئولية إصدار روزاليوسف وكان أهمهم علي الإطلاق رسام الكاريكاتير الأرمني الأصل إليكس صاروخان ومعه مصطفي أمين وسعيد عبده وكان الكل ينتظر سقوط «روزاليوسف» كي يؤكدوا للسيدة فاطمة اليوسف أنهم هم الذين صنعوها ومن دونهم لن تكون هناك مجلة تحمل اسم روزاليوسف وتردد الهتاف الشهير من خصوم السيدة فاطمة اليوسف «إلي عماد الدين يا روزا» أي أن تعود السيدة فاطمة اليوسف إلي التمثيل وتترك الصحافة لأصحابها. ولكن روزاليوسف العنيدة دائما كانت أقوي من الصدمات والمفاجآت وخيانة الأصدقاء.. وعناد روزاليوسف كان ينحصر دائما في قدرتها علي الاستمرار والتحدي ولكي تلاحق الأحداث وتتفوق علي منافسها الشرس الذي أصدر «آخر ساعة» ومعه كل عناصر النجاح التي نجحت بها روزاليوسف قامت روزاليوسف بعمل انتحاري من النوع الثقيل فأصدرت «روزاليوسف» اليومية وهذه الجريدة اليومية هي التي وضعت حجر الأساس الأول في بناء كيان سياسي لصحافة سياسية جديدة لمصر بعد أن تحررت من الانتماء الحزبي للوفد وبعد أن أشعلت ثورة سنة 34 - 35 وقليلون هم الذين يعرفون أن روزاليوسف اليومية لم تصدر إلا تحدياً لمحاولات القضاء علي روزاليوسف الأسبوعية بعد خروج محمد التابعي منها وقد كلف هذا التحدي روزاليوسف غالياً، فهو لم يعد تحدياً للتابعي بل أصبح تحدياً سياسياً لأكبر حزب سياسي وشعبي وهو حزب الوفد و تحدياً يكشف عو راته بعد تحالفه في تلك الفترة مع القصر والإنجليز.. فتجمعت كل القوي في مواجهة سيدة وحيدة لا تمتلك إلا عنادها وإصرارها علي أن تكون مع كل المواطنين الشرفاء في مواجهة الفساد الحزبي، واستطاعت رغم هذا التحدي أن تحتفظ بروزاليوسف الأسبوعية إلي جوار روزاليوسف اليومية واستعانت السيدة فاطمة اليوسف بمحمود عزمي رئيساً للتحرير وبعباس محمود العقاد كاتبها الأول وأصبحت روزاليوسف أقوي من آخر ساعة وأكثر قرباً وحميمة من مصالح البسطاء من الشعب المصري. «المشهد الصحفي وقت صدور روزاليوسف» أول مجلة كاريكاتورية ساخرة ظهرت سنة 1908 وأصدرها سليمان فوزي وأحمد حافظ عوض وهي مجلة «خيال الظل» وبعد تشكيل الوفد المصري انقسمت هذه الصحف الهزلية إلي صحف مؤيدة.. وأخري معارضة.. وبذلك بدأت صحف النقد السياسي الساخر في الظهور.. واخذت في الازدهار شيئا فشيئا. وفي سنة 1921 أصدر سليمان فوزي مجلة «الكشكول» الهزلية.. التي أخذت جانب الدفاع عن الاحرار الدستوريين وهاجمت الوفد بشدة وهاجمت سعد زغلول أيضا وكانت الرسوم الكاريكاتورية يقوم بتنفيذها رسام من أصل اسباني اسمه «سانتيز».. «قصة سانتيز» ثم استعانت روزاليوسف بالرسام الارمني الاصل «اليكس صاروخان» ثم أصدر أحمد حافظ عوض جريدة يومية بعنوان «كوكب الشرق».. وسيطرت روح سانتيز علي كل هذه المجلات حتي ظهر الرسام التركي «رفقي».. والرسام المصري «شوقي» في مجلات دار الهلال ومجلة «كل شيء» و«الدنيا». وعندما تحولت «روزاليوسف» سنة 1927 إلي مجلة سياسية صارت منافسا قويا لكل المجلات الفكاهية الاخري.. وكان أول الحملات السياسية علي النواب الذين باعوا ضمائرهم. ولابد أن نذكر هنا دور السيدة فاطمة اليوسف التي بفضلها استمر فن الكاريكاتير في مصر وفي ظل بحثها الدءوب عن رسامي الكاريكاتير وتشجيعها لهم واصرارها علي اكتشافهم، كل هذا ساهم بشكل فعال في تأسيس مدرسة الكاريكاتير المصرية الحديثة. ومن أهم المعارك التي خاضتها «روزاليوسف» تلك المعركة التي دارت بين د.طه حسين ود.محمد حسين هيكل العضو البارز في هيئة حزب الاحرار الدستوريين وكان طه حسين بالطبع وفديا فوقف مؤيدا ل«روزاليوسف» ومدافعا عنها في حين عارض هيكل اشتراك الصحف الهزلية في النضال السياسي متذرعا بأنها تفسد أذواق الجماهير ونفوسهم. ولكن صاروخان ترك «روزاليوسف» وذهب مع التابعي إلي «آخر ساعة».. فجاءت «روزاليوسف» بعبدالمنعم رخا وبدأ في الظهور الرسام السياسي، مثل زهدي العدوي.. وعبدالسميع عبدالله.. وجورج البهجوري.. وصلاح جاهين.. وأحمد ابراهيم حجازي.. ورجائي ونيس.. وايهاب شاكر.. وإسماعيل دياب.. وبهجت عثمان، ثم ظهر جيل جديد مثل صلاح الليثي.. ومحيي الدين اللباد.. ورءوف عياد.. وشريف عليش.. ومحسن جابر.. ومحمد حاكم. شخصية المصري أفندي ابتكرها محمد التابعي بريشة صاروخان.. وأخذها معه آخر ساعة ولكنها ظلت في روزا.. وعندما جاء مصطفي وعلي أمين لمجلة الاثنين ابتكر لهم رخا شخصية ابن البلد والخادمة الحسناء وبنت البلد. وعندما جاء عبدالسميع عبدالله ابتكر شخصية الشيخ متلوف في «روزاليوسف» وكان هذا التصور يمثل امتدادا لمسرح العشرينيات الذي اثر في روزاليوسف في بداية حياتها باعتبارها مسرحية قديمة وأثر في خطابها الصحفي وكانت هذه الشخصية اصلا لموليير وتم تمصيرها مسرحيا.. حتي بعض الزعماء السياسيين تخلوا عن الصحافة والجبة والقفطان وكانت هناك مسرحية شهيرة يلعب بطولتها ثلاثة يلبسون لبس المشايخ واسماؤهم: نايلت.. وخيبت.. وكعبلها.. وجاء صلاح جاهين فابتكر شخصية «درش». ونحن نحتفل اليوم بعيد ميلاد سيدة الصحافة المصرية فاطمة اليوسف فإننا نستعيد معها كل القيم الصحفية النبيلة.. لنؤكد لكل المصريين أن «روزاليوسف» عادت من جديد إلي أهلها.. وعادت إلي أحضان كل مصري ومصرية لتكون دائما بجانب البسطاء.. تحمل بين طيات صفحاتها دعوتها الرائعة للخير والحق والعدل والجمال. إنها عادت للحرية بعد الكبت.. للعقل بعد الجهل للتقدم بعد التخلف.. للنور بعد الظلام.. للحق بعد الباطل.. للعدل بعد الظلم.. وعهدا ووعدا ستظل «روزاليوسف» كما استسها سيدة الصحافة الأولي فاطمة اليوسف منبرا للحرية والحق والتنوير والخير والجمال.