قرروا أن لا يلتزموا بالأفكار الجاهزة، بحثوا عن مساحاتهم الخاصة، أخلصوا لمواهبهم، صقلوها بالتجربة، لا تتوقف أقلامهم عن النقش، لكل منهم قصة مختلفة كانت سببًا في بزوغ موهبته. صار الرسم بالنسبة لهم حياة، بعيدة كل البعد، عن ضجيج عملهم ودراستهم، فمنهم الدكتور الذي تحولت صيدليته إلى ورشة صغيرة يمارس فيها موهبته في صناعة المجسمات، ومنهم من ارتبط عمله بالمطبخ، لكنه لم يتجاهل شغفه بالرسم، ومنهم من لم تبعده دراسة الزراعة عن رسم اللوحات السريالية. صيدلي يحترف صناعة «المجسمات المصغرة» يحب الرسم منذ نعومة أظفاره، تتهلل أساريره بمجرد رؤية علبة الألوان، اجتهاده في الدراسة جعله يلتحق بكلية الصيدلة جامعة بنها بتفوق، رغم انخراطه في الدراسة وهجره للرسم فترة طويلة، لم ينس يومًا أن يكون رسامًا محترفًا، عمل لمدة عامين في شركة دعاية، ثم سافر إلى السعودية ليعمل بشركة أدوية قبل أن يعود ليفتح صيدلية خاصة به في «بنها». بدأ «محمد سامي» مشواره عن طريق نجار جاء للعمل في منزله، طلب منه المساعدة لشراء العُدة الخاصة برسم الزخارف على الأخشاب، بعدما أحضرها خصص لنفسه ساعة يوميًا يتعلم فيها شيئًا جديداً، عام 2012 أتقن النحت على الخشب ثم اتجه إلى الفخار.. يقول: «واجهت مشاكل في صناعة الفخار، كونه معرضًا للكسر ويحتاج إلى فرن ذى حرارة عالية، جربت إضافة عجينة جديدة عليها نسبة من معجون الجبس والأسمنت الأبيض، الطين الأسواني، ونجحت في عمل فخار غير قابل للكسر». صمم الشاب الثلاثيني على عمل شيء مختلف، بدأ البحث وتواصل مع مجموعة من الأجانب يتقنون فن المجسمات المصغرة ليتعلم منهم، هنا جاءت له فكرة دمج الرسم والنحت والتشكيل والكاريكاتير معًا: «صنعت سيارات مجسمة ونشرتها في جروبات أجنبية ونالت إعجاب الجميع»، واجه «محمد» مشكلة لتواجده طوال الوقت في العمل، لذلك قرر إنشاء المعمل الخاص به داخل الصيدلية، ليكون قريبًا منه. يستخدم «محمد» خشب «البلص» في عمله، مشيرًا إلى أن سعر اللوح لا يتعدى 90 جنيهًا، إضافة إلى «الأزاميل الصغيرة، ورق صنفرة، الخشب الأبيض»، مؤكدًا أنه يحتاج إلى لمبة صغيرة أو كشاف صغير على مكتبه، وعدة العمل التي تشمل عدسة مكبرة وملقاطًا، أما النحت فكان عمله مزعجًا ويجبره على ارتداء كمامة بسبب الغبار الخارج من الخشب، قائلاً: إن الأفكار التي ينفذها من وحي خياله.. «صنعت غرفة مكتب بيومي أفندي عام 1951، وقبل تنفيذ المجسم أرسمه وأتخيله مع مراعاة النسب»، انتشرت أعمال «محمد» سريعًا على مواقع التواصل الاجتماعي ونالت إعجاب كثيرين في محافظات مختلفة طلبوا منه عمل ورش لهم.. «أحاول تنظيم وقتي كي أحظى بفرصة عمل ورشٍ ونشر هذا الفن وأتمنى تخصيص معارض لإبرازه». عرفت السريالية في «أولى زراعة» التحاقه بكلية الزراعة جامعة المنصورة منذ الشهر الأول، كان النافذة التي أطل منها على عالم الرسم، اتجه إلى مرسم الكلية ليحصل على دورات تدريبية، وبدأ يخطو خطواته الأولى نحو حلمه، حينما شارك في مسابقة الناشئين وحصد المركز الأول، تطور أداؤه رويدًا رويدًا من الرسم بالرصاص، ثم الجاف ثم أقلام «الدوكو». «ميكروسكوب و«سمك»، كانا سببًا في ظهور موهبة «أحمد محمد غريب» الدفينة، كان حريصًا على متابعة كبار الرسامين على مواقع التواصل الاجتماعي لينال منهم الخبرة، ثم استكمل الطريق معتمدًا على ذاته، يقول: «اكتشفت موهبتي عندما كنت أجيب عن الأسئلة الموجودة في الشيت الخاص بالكتاب، كان من ضمنها رسم ميكرسكوب وسمك، ثم حضرت ورشًا تدريبية عديدة، إلى أن صار الرسم هدفي الأول في الحياة». تطرق الشاب العشريني إلى اللوحات السريالية التي تعبر عن عالم الطب النفسي، كما رسم «مندلة» من وحي خياله: «في البداية كنت أبحث عن اللوحات الجيدة وأرسم لوحات مطابقة لها كي أتدرب أكثر، ثم رسمت كل ما يعبر عن الطب النفسي الذي يندرج تحت اللوحات السريالية، نظرًا لاختلافها عن بقية أنواع الرسم، كما أن العين لا تميز الأخطاء في الأشياء المميزة لأنها تركز على مضمونها واختلافها الجاذب للانتباه». لم يتبع «أحمد» الطرق التقليدية لرسم «المندلة» التي تُرسم على الورق، حيث استطاع نقشها على التكييف الموجود بمنزله.. «نالت إعجاب الجميع حتى طلب مني دكتور أسنان أن أرسمها له على التكييف الخاص بعيادته، ثم اتجهت إلى رسم الكالجرافي، وهو نوع من الخط العربي لرسم الحروف، رسمت هذا النوع على الطفايات والكوفر الخاص بالموبايل، تكون الحروف فيه مختلفة وتبعد عن بعضها، ثم رسمت جرافيتي على محطة القطار مع جمعية رسالة فرع شربين، ورسمت لعبة سوبر ماريو». شارك طالب الزراعة في مسابقة إبداع 5، حصد فيها المركز الرابع على مستوى الجمهورية، كما عُلقت إحدى لوحاته بوزارة الشباب والرياضة، يقول: «هى لوحة نوبية خشبية صغيرة، رسمت في كل جزء من اللوحة مشهدًا من النوبة مختلفا، شاركت في مسابقة ملتقى شباب جامعة مطروح وحصدنا المركز الثالث باسم جامعة المنصورة». «كلية الطب» كانت حلم «أحمد» الأول، لكن الحظ لما يحالفه، لكنه مؤمن أن وجوده في كلية الزراعة سبب في اكتشاف موهبته في الرسم، ويضيف: «لم أكن أهتم بالرسم وكنت أحصد فيه درجات ضعيفة جدًا في المدرسة، أتمنى أن تصل رسالتي للجميع ليغيروا فكرتهم عن الرسم بأنه شيء تافه لا قيمة له، رغم ارتباطه بتفاصيل حياتنا ومشاكلنا وعملنا». تعلمت رسم البورتريه «صدفة» «رسمك جميل».. قالتها له معلمته في الابتدائية، شجعته على رسم لوحات الفصل، ثم أحضرت له جريدة ورقية وطلبت منه محاكاة الكاريكاتير المنقوش عليها، بعدما انتهى لاحظت المعلمة إتقان الطفل الصغير للكاريكاتير، فبدا مطابقًا للنسخة الأصلية، اهتم «إسلام حسن فصيح» بموهبته فكان يرسم على أي ورقة تقابله، ثم انكمش اهتمامه تدريجيًا حتى تلاشى، إلى أن عاد بعد سنوات لرسم البورتريه ب «الصدفة». التحق الشاب العشريني بمعهد السياحة والفنادق وانخرط في دراسته دون أن يلقى بالاً للرسم، يقول: «عدت إلى الرسم منذ 4 أشهر، كنت أسير مع أصدقائي أمام إحدى الحضانات، أشار أحدهم إلى اللوحة المنقوشة على جدارها وأبدى إعجابه الشديد بها قائلا:ً إن رسمها صعب، صممت على التحدي لأثبت له أنني أستطيع رسم الأفضل منها، ثم اتجهت إلى رسم أصدقائي بنفس ملامحهم ومنذ تلك اللحظة لم أتوقف عن الرسم». بدأ «إسلام» باستخدام الأقلام الرصاص ثم الجاف والفلوماستر، وقرر أن يرسم وفقًا لاهتمامات جمهوره الصغير: «رسمت محمد صلاح لأن كل الناس يحبونه، واجهت صعوبات كثيرة فلم أجد أحدًا بجانبي يُعلمني الرسم، فاتجهتُ إلى اليوتيوب وتلقيت خبرتي من الفيديوهات والجروبات المخصصة للرسم، وكنت أطبق كل الملاحظات والتعليمات لتحسين أدائي»، مؤكدًا أن البورتريه أصعب أنواع الرسم لأنه يعتمد على رسم ملامح الوجه بدقة ويستغرق وقتًا طويلاً مقارنة بالأنواع الأخرى. رغم حصول الشاب العشريني على مجموع يؤهله إلى الثانوية العامة، فضّل دراسة السياحة والفنادق ليضمن حصوله على عمل بعد التخرج: «أدرس في قسم المطبخ، وأتعلم كل شيء من المنزل، كما أن وفاة والدي جعلتني أنظر إلى المستقبل وأبحث عما يسد احتياجات جدتي وأمي وشقيقتيّ الاثنتين، ظروفي لم تسمح لي بأخذ دورات تدريبية في الرسم، لأنني الولد الوحيد في المنزل وأتحمل المسئولية بمفردي»، يتمنى «إسلام» أن يصبح رسامًا مشهورًا، مشيرًا إلى أنه يستمد طاقته الإيجابية من الرسم، ويضيف: «أحب رؤية ابتسامة الناس عندما أرسمهم، وفخور لأنني أثبت لأسرتي أننى صرت أفضل بعد وفاة والدي ولم أقصر معهم وصار لديّ حلم أقاتل لأجله».