انتخابات النواب 2025.. الحصر العددي للأصوات بدائرة قليوب والقناطر في جولة الإعادة    حمدى رزق يكتب:«زغرودة» فى كنيسة ميلاد المسيح    مجلس الوزراء يستعرض أبرز أنشطة مصطفى مدبولى خلال الأسبوع.. إنفوجراف    رئيس هيئة سلامة الغذاء يكشف سبب تخفيف الفحوصات الأوروبية على الموالح    استكمال برامج التدريب بقرى حياة كريمة بأسوان    صبرى غنيم يكتب:النبت الأخضر فى مصر للطيران    العراق وإيطاليا يبحثان سبل تطوير التعاون العسكري والدفاعي    بوتين: روسيا مستعدة لإنهاء الصراع في أوكرانيا بالوسائل السلمية وكييف ترفض    سوريا عن إلغاء قانون "قيصر": تطور يفتح مرحلة جديدة من التعافي والاستقرار    علي ناصر محمد يروي تفاصيل الترتيبات المتعلقة بالوحدة اليمنية: خروجي من صنعاء كان شرطا    حصاد الرياضة المصرية اليوم الجمعة 19 -12- 2025    خدمات متكاملة من هيئة سكك حديد مصر لدعم كبار السن وذوى الهمم.. صور    بلومبرج: الشركة المالكة ل تيك توك تحقق أرباحًا ب50 مليار دولار خلال 2025    ننشر تفاصيل حكم سجن بلوجر شهيرة سنتين لاتهامها بحيازة مخدرات فى الهرم    بث مباشر.. الحلقة ال11 من برنامج دولة التلاوة بمشاركة 5 متسابقين    ياسر عبد الله يستعيد أرشيف السينما المنسية بمهرجان القاهرة للفيلم القصير    إلحق قدم فى جوائز الدولة التشجيعية.. آخر موعد 31 ديسمبر    على ناصر محمد يكشف تفاصيل الوحدة اليمنية: خروجى من صنعاء كان شرطًا    أهمية اللغة العربية ودورها في حفظ الهوية وبناء الحضارة    "اللي يضايق يضايق".. أحمد العوضي يعلن ارتباطه رسميًا بشكل مفاجئ    غدا.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر رجب لعام 1447 هجريا    الصحة: إرسال قافلة طبية فى التخصصات النادرة وكميات أدوية ومستلزمات للأشقاء بالسودان    رئيس الرقابة الصحية: مصر وضعت نموذجا إقليميا يحتذى به فى حوكمة النظام الصحى    الصحة: برنامج تدريبى لرفع كفاءة فرق مكافحة العدوى بمستشفيات ومراكز الصحة النفسية    كيفية التخلص من الوزن الزائد بشكل صحيح وآمن    اليونيفيل: لا توجد مؤشرات على إعادة تسليح حزب الله في جنوب لبنان    أول "نعش مستور" في الإسلام.. كريمة يكشف عن وصية السيدة فاطمة الزهراء قبل موتها    استمرار عطل شبكة Cloudflare عالميًا يؤثر على خدمات الإنترنت    لافروف: المحادثات الأمريكية الروسية لا تحتاج إلى مساعدة أوروبا    انخفاض درجات الحرارة وشبورة كثيفة على الطرق.. "الأرصاد" تُحذر من طقس الساعات المقبلة    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بالسوق السوداء بقيمة 4 ملايين جنيه    شراكة استراتيجية بين طلعت مصطفى وماجد الفطيم لافتتاح أحدث فروع كارفور في سيليا    الداخلية تنظم ندوة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    جوارديولا يحسم الجدل حول مستقبله مع مانشستر سيتي    الداخلية تضبط 3 سيدات بالإسكندرية للإعلان عن أعمال منافية للآداب    حقيقة انتشار الأوبئة في المدارس؟.. مستشار الرئيس يُجيب    محافظ المنيا يعلن افتتاح 4 مساجد في 4 مراكز ضمن خطة وزارة الأوقاف لتطوير بيوت الله    تحرش لفظي بإعلامية يتسبب في وقوع حادث تصادم بالطريق الصحراوي في الجيزة    لافروف مشيدا بمصر: زيادة التبادل التجاري وتعاون استراتيجي في قناة السويس    لقاء السحاب بين أم كلثوم وعبد الوهاب فى الأوبرا    لقاء أدبي بفرع ثقافة الإسماعيلية حول أسس كتابة القصة القصيرة    وائل كفوري يمر بلحظات رعب بعد عطل مفاجى في طائرته    10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    بعد توجيه الشكر لعلاء نبيل.. كيروش الأقرب لمنصب المدير الفني لاتحاد الكرة    جامعة عين شمس تواصل دعم الصناعة الوطنية من خلال معرض الشركات المصرية    انطلاق مبادرة لياقة بدنية في مراكز شباب دمياط    نيجيريا الأعلى وتونس وصيفًا.. القيمة التسويقية لمنتخبات المجموعة الثالثة بأمم إفريقيا 2025    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابه    وزيرتا التخطيط والتنمية المحلية ومحافظ سوهاج يتفقدون المنطقة الصناعية غرب جرجا ويزورون مصنع «الكومبريسور»    للقبض على 20 شخصًا عقب مشاجرة بين أنصار مرشحين بالقنطرة غرب بالإسماعيلية بعد إعلان نتائج الفرز    وزير الزراعة يعلن خفض المفوضية الأوروبية فحوصات الموالح المصرية إلى 10% بدلا من 20%    الزمالك في معسكر مغلق اليوم استعداداً للقاء حرس الحدود    اليوم.. الأهلي يواجه الجزيرة في دوري سيدات اليد    الدفاع الروسية: قواتنا سيطرت على 4 بلدات أوكرانية خلال الأيام الماضية    وزيرتا التخطيط والتنمية المحلية ومحافظ قنا يشهدون احتفالية بقصر الثقافة    المنتخب يخوض أولى تدريباته بمدينة أكادير المغربية استعدادا لأمم إفريقيا    فضل الخروج المبكر للمسجد يوم الجمعة – أجر وبركة وفضل عظيم    هل يجوز للمرأة صلاة الجمعة في المسجد.. توضيح الفقهاء اليوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات النميمة والمقاومة فى حياة أمل دنقل

تَرك أمل دنقل الحياة دون أن يكتب مذكراته، ليكتبها كل مقرّب منه، يُحكى عنه موقف هنا وآخر هناك، فتظل صورته فى الأذهان حية تتشكل دائمًا من المواقف والحكايات والظروف التى كَتب فيها قصائدة. وتُصبح الكتابة عنه شكلًا من أشكال التأريخ لمنطقة وسط البلد بمقاهيها وباراتها وأحيائها.. لكن الصورة الأبرز التى كانت تسبق أى حديث أو كتابة عن دنقل، هى ذلك الساخر، سليط اللسان، الميّال إلى التقليل من قيمة الأشياء.. حتى صدر مؤخرا كتاب الدكتور فهمى عبدالسلام «مذكرات الغرفة 8» عن دار المحروسة، ليقدّم الوجه الآخر لصاحب «أوراق الغرفة 8» و«لاتصالح»، فى إشارة واضحة إلى غرفة المستشفى التى لفظ فيها دنقل أنفاسه الأخيرة.
يذكر فهمى عبد السلام فى مقدمة الكتاب أن رغبته فى الكتابة عن دنقل بلغت ذروتها بعد مشاركته فى ثورة يناير، ورؤيته تفاعل الشباب مع أشعار أمل الثورية، فقرّر منذ ذلك الحين كتابة بعض ذكرياته مع وعن أمل، على شكل حلقات ينشرها عبر حسابه الشخصى على فيسبوك.
طبيب الأسنان ذو الميول الأدبية، يكتب النقد ويكتب للدراما، استفاد من رفقته لدنقل مدّة عشر سنوات، وقرّر جمع حكاياتهما فى كتاب، امتثالا لنصيحة هاملت لصديقه هوارشيو، التى يكتبها فى آخر وهو الذى لازم أمل قرابة 10 سنوات، مما شجعه على جمعها فى كتاب امتثالًا لنصيحة هاملت لصديقه هوارشيو، التى يستعين بها فى ختام الكتاب: «إذا كان قلبك قد احتوانى يومًا فلا تمت واروِ عنى».
 التلميح يغلب التصريح
لكن المؤلّف اختار الكتابة عن ذكرياته مع دنقل بأسلوب التلميح لا التصريح. اختار وقائع بعينها للتعليق عليها، وأهمل أخرى، جهّل أسماء بعينها واستخدم أسماء مستعارة.. هدفه الحكاية فى ذاتها دون التشهير بأحد. وكثيرا ما يستشهد بقصائد أمل تعليقًا على بعض الأحداث، وكأنه يُلمّح إلى أسباب كتابة القصيدة.
فى الكتاب، تُطالعك حكايات أمل دنقل مع يوسف إدريس ويوسف السباعى، وفيها تلخيص لعلاقة أمل بالسُلطة. يكتب عبد السلام: «إدريس كان يحبّ أمل دنقل ويسعى إليه» ويشير إلى حادثة مقهى ريش عندما أخرج إدريس ولاعته الديبون الذهبية وأشعل سيجارته وسيجارة أمل، فقال له أمل: ولّاعتك جميلة يا د. يوسف. فأهداها له.
أما عن قصيدة دنقل العمودية فى رثاء يوسف السباعى، الذى يصفه الكاتب بأنه عصا السلطة الغليظة لحصار المثقفين، فيحكى المؤلف كيف لم ينس أمل للسباعى أنه عيّنه فى منظمة التضامن الأفروآسيوى وكانت هذه الوظيفة «منحة التفرغ» لدنقل، ولهذا كان وفاء دنقل للسباعي. رغم أن السباعى لم يسع أبعد من ذلك إلى إنصاف أمل دنقل، أو رفع حصار النشر عنه. أمّا قصيدة رثاء السباعى، فلم يضمها دنقل أيّا من دواوينه. يكتب مؤلف الكتاب: «حكم عليها بالإعدام وراهن على أن تتلاشى مع الزمن».
 علاقة شائكة بين أديبين
وكانت علاقة أمل دنقل بنجيب محفوظ شائكة.. فقد كتب نجيب محفوظ فى جريدة الأهرام بعد اتفاقية فك الاشتباك: «ليست إسرائيل وحدها التى لديها صقور وحمائم، نحن أيضًا لدينا صقور وحمائم، لكن صقورنا ليسوا فى جبهات القتال.. صقورنا فى المقاهى». لمّا سأل فهمى عبد السلام ذات مرّة أمل دنقل: «من كان يقصد محفوظ؟»، «كان يقصدنى أنا» ردّ عليه أمل. وأكمل بأن السبب فى ذلك أنه قال فى حديث صحفى «أنا لا يشرّفنى أن أصافح نجيب محفوظ!».. وسرعان ما يسأل عبدالسلام عن هذا الموقف العجيب، فيجيب أمل «هذا الرجل، نجيب محفوظ، له شهرة دولية تحميه من السلطة، لماذا إذن يُهادن ويُصرّح بأنه مع فك الاشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية!».
يذكر الكاتب تلك الليلة من شتاء 79 التى أخبره فيها أمل دنقل بأنه مُصاب بمرض السرطان فى خصيته.. تنهّد أمل دنقل فى مرارة وردد «هى مصيبة ونزلت عليا». وينتقل عبدالسلام ليروى ما قاله «مصطفى الدالى» أحد الأسماء المستعارة موجهًا حديثه لأمل: لماذا لا تموت؟ جاءك السرطان وما زلت حيًا؟ لكن أمل لم يحتدّ عليه مبررًا ذلك بأنه «يستطيع أن يُجالس من يكنّون له الكراهية».
القاهرة تجبر دنقل على تعلم الحذر
أَجبرت طبيعة القاهرة القاسية أمل على تعلّم الحذر. لا يفرّط فى حقه حتى لو كان بضع قطرات من خمر. كان دائم الشك فى البارمانات، يطلب دوبلًا من البراندى 84 فى «ريش»، ويؤكد على طلبه «دوبلًا بلا نقصان». وإذا شك فى نقص كأسه طلب «الطوط» وهو المعيار القانونى لكمية كأس واحدة فى عُرف البارات.. ويصرّ أمل أن يضع بضع قطرات إضافية يسمونها «دموع الطوط» وتدور المساومات من أجل بضع قطرات من الشراب.
استخدم أمل السخرية فى الدفاع عن نفسه. ومن ضحاياه فى السخرية، كاتب صحفى شهير آنذاك ومن المقرّبين للسادات. فعندما مات يحيى الطاهر عبدالله، اجتمع أصدقاؤه لنشر نعى له فى إحدى الجرائد اليومية، فخرج ذلك الصحفى فى عموده اليومى بجريدة الجمهورية يُطالب وزير الداخلية بالقبض على كل من وردت أسماؤهم فى النعى المنشور باعتبارهم «خلية شيوعية». فقرّر أمل دنقل أن يلعب لعبته، ويطلق لحيله الماكرة العنان. اتّصل أمل بذلك الصحفى متقمّصا «شخصية مسئول ليبى بارز» مُكلّف بطلب الصحفى المصرى لكتابة كتاب عن ثورة الفاتح العظيم ودور القذافى فى القضاء على الرجعية العربية. وحبك الدور بتقليد اللكنة الليبية فى الحديث. وصدّق الصحفى «المقلب»، ولم يساوره أى شك بشأنه.
 دنقل كان بطلا وضحية لحكايات النميمة
وكان أمل دنقل بطلا وضحيّة لكثير من حكايات النميمة مع روّاد مقهى ريش، أو «صقور ريش» على حد تعبير الكاتب. من بينها ما ورد إلى دنقل عن حديث نجيب سرور بسوء عن خطيبته «عبلة الروينى». فما كان من دنقل أوّل ما قابل سرور على باب المقهى أن بادره بتعنيف شديد، فرد سرور بأن طرح أمل أرضا. يورد المؤلف هذه الحكاية دليلا على غيرة سرور من دنقل.
على ذات المقهى، بطل حكايات أمل دنقل، استقبل خبر مقتل السادات. ولم يكن يقوى على إخفاء سعادته الكامنة، لكن ما إن وقف أحدهم صائحا وراقصا، زجره أمل فى حدّة وحسم، وانقضّ عليه لومًا وتقريعًا.
أجاد أمل التعامل مع المواقف المفاجئة، بخفّة حيله.. يتذكّر المؤلف ذلك وهو يسرد واقعة فى إحدى ليالى فبراير، أثناء سيرهما، هو وأمل دنقل فى الحميدية، واشترى صحيفة الجمهورية، وهمّ بحلّ الكلمات المتقاطعة، ولمّا لم يجد قلما أشعل عود ثقاب ليستخدم الجزء المتفحم منه بديلًا عن القلم.
هكذا يمضى الكتاب، بين تفاصيل دقيقة، بعضها هامشى، وأخرى نتعرّف عليها للمرّة الأولى.. يقول المؤلف «إن أمل دنقل امتلك صلابة مدهشة أمام الموت. كما كانت له رؤيته الخاصة عن الحياة والموت والأديان. ففى أحد الأيام فى الغرفة 8، كان فهمى عبدالسلام وصديقه محسن أنور فى زيارة لأمل دنقل فى المستشفى، فأشفق محسن على أمل لحالته السيئة وطلب منه أن يصلي، ففاجأه أمل: «لو صلّيت الآن ألن يكون تدينًا انتهازيًا؟».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.