أيام قليلة باتت تفصلنا عن 14 فبراير، وهو اليوم الذى يحتفل فيه معظم دول العالم، ب«عيد الحب» أو «عيد العشاق»، أو يوم القديس «فالنتين»، وفى هذه المناسبة من كل عام تشهد سوق الهدايا و«الدباديب» و«الورود» رواجًا كبيرًا، فقد جعل الله رزق أولئك الناس فى وردة أو دبدوب يقدمها محب لحبيبته تعبيرًا عن مشاعره. على امتداد حارة اليهود بمنطقة الموسكى وسط القاهرة يقع «ميدان السقالبة» وفيه تنتشر عشرات المحلات التى تمكنت من صناعة الدبدوب بأيادٍ مصرية خالصة، لتختلط مشاعر الحب بمشاعر الحرب على الاستيراد، وليكون إعلانًا ببداية اكتساح المنتج المصرى لنظيره الصينى. ساعدت الظروف الاقتصادية الصعبة التى شهدتها البلاد فى انتعاش الصناعة المحلية فباتت أسعار المنتج المصرى فى متناول الجميع، كما أكد أصحاب المصانع، وهو ما وضح من زياراتنا للأسواق لرصد تفاصيل الاستعداد لعيد الحب والتعرف على هدايا العاشقين المغلفة بالألوان المبهجة. فى جولتنا قررنا البحث عن السوق الشعبية الشهيرة لتصنيع «دباديب» عيد الحب للعام الحالى، فأفادنا تجار الهدايا بأن المورد الأساسى لهم هو سوق «الفرو» بميدان «السقالبة»، وبعد دقائق من شارع بورسعيد وصلنا ميدان السقالبة، وهو شارع ضخم لا يوجد به سوى «دباديب» وعرائس بالألوان المبهجة، وبالات ضخمة باللون الأزرق ممتلئة بالدباديب الملونة من خامات الفرو، وأمام كل محل منتجاته المتنوعة. رحنا نسأل عن تاريخ مهنة تصنيع الدباديب فى ذلك الشارع الذى اكتسى باللون الأحمر وكأنه أصبح جزيرة للحب فقط، فقال لنا أشرف صاحب أول مصنع للعب الأطفال فى مصر بأياد وخامات مصرية: قصة المكان عمرها 25 عامًا ننتج الفرو ونعرضه، والمقصود بالفرو هنا هو «الدباديب» و«العرائس» من خامت الفرو. وأضاف أشرف: «منذ 2010 أغلقت أمامنا أبواب الاستيراد، وهذه المهنة ورثناها من آبائنا وليس لنا سواها، فكل محل هنا به ما لا يقل عن 25 عاملًا، وتغلبنا على أزمات السوق بالاعتماد على أنفسنا، وعندما أغلق باب الاستيراد قررنا أن يكون المنتج إنتاجًا مصريًا خالصًا، وهنا أصبح «دبدوب» عيد الحب مصريًا. وأوضح الشاب الثلاثينى: حارة السقالبة يوجد بها ما يقرب من 20 مصنعًا صغيرًا وورشة تنتج «الدباديب»، وحاليًا نحن فى موسم، وضاعفنا الإنتاج واللون الأحمر شعارنا الرسمى، وإذا انتهى الموسم لا نترك التصنيع بل السوق فى حاجة دائمًا لمنتجنا، ويحضر كبار التجار من جميع المحافظات للشراء يوميًا. وأضاف صموئيل باقى سليمان، مسئول عن إحدى ورش تصنيع «الدباديب» المصرية: «الأسعار زادت عن العام الماضى نظرًا لزيادة أسعار الخامات التى نصنع بها، والحارة تعمل فى فترة الموسم بشكل دورى لضخ كميات كبيرة للسوق لسد الحاجة بعد تراجع الاستيراد، وكان لابد من حلول من الداخل والتصنيع المصرى كان حلًا جيدًا، والتصنيع سهل ويعتمد فقط على الأيدى العاملة الماهرة، و«الدبدوب» عبارة عن قماشة من الفرو المخصص له وحشو نشتريه بالطن ونعمل على تقسيمه إلى أجزاء حسب حجم الدبدوب، ونحاول التطوير فى شكل المنتج حتى نصل إلى المستورد. وأشار حسن محمد، أحد الصناع فى ورش الفرو، فى موسم «عيد الحب»: نحتفل بالتصنيع، وتتسابق الورش على خروج المنتج بشكل أفضل فى الشكل النهائى لطرحه فى السوق، فالأمر هنا يتعلق بسمعة المكان، ونجحنا فى أن ننافس الصينى بجدارة. وأثناء السير للبحث عن ورش أخرى لتصنيع الفرو فى ميدان «السقالبة»، قال «رشاد» شاب عشرينى: استغل عدد من الشباب فكرة تصنيع الفرو فى موسم عيد الحب، بعمل مشاريع صغيرة للعمل فقط فى الموسم من خلال التصنيع المنزلى، والنزول للشارع لبيع المنتج فى الميادين الشهيرة وتقديم الهدايا بشكل مختلف مع «دبدوب» عيد الحب، وتثمر الفكرة فى جمع مبلغ مالى جيد، للعمل به فى منتج آخر موسمى بعد انتهاء موسم عيد الحب. وهناك بعض الشباب يحضرون ويحصلون على الخامات ويقومون بتصنيعها فى المنزل ويعودون لبيعها بسعر الجملة مرة أخرى للمحلات الكبيرة فى سوق «السقالبة» فى الموسكى. وفى حالة من العمل المتواصل تحدث إلينا كمال أحد العاملين فى الميدان، مؤكدًا أنه يجهز طلبية لضخها للسوق من المنتج المصرى فقط، الذى سد الحاجة أمام الطلب وتوقف الاستيراد، مشيرًا إلى أن المهنة خرجت من تلك الحارة الضيقة ولن تتراجع بل متوقع أن يكون لها رواج كبير فى الموسم القادم، وهناك محلات كبرى تحجز الطلبيات قبلها بعام كامل، لذلك العمل مستمر على مدار العام، وأكثر الألوان المطلوبة فى الأسواق اللون الأحمر والبمبى. واختتم كمال حديثه بأن ميدان «السقالبة» الذى يعد جزءًا من الحرف اليدوية فى الموسكى يعلن منه موسم الحب فى مصر بمنتجاته وكل ورشة تحرص على عرض أفضل ما عندها فى الشارع حتى يقبل الزوار على ما يريدون. فيما كانت لنا جولة أخرى لرصد أشهر الهدايا لعيد الحب بجوار «الدبدوب» وصناعته المحلية، فكانت الوردة السحرية المضيئة داخل بلورة من الزجاج هى الأشهر هذا العام، بالإضافة إلى زهور «البلاد» المميزة باللون الأحمر الداكن وهى زهرة مستوردة. على بعد نصف ساعة تقريبًا من منطقة القناطر الخيرية، تستطيع التعرف على قرية «دار الكتب» دون دليل فالقرية مليئة بأفدنة زراعة الورد بكل أنواعه، والصوبات البيضاء الكبيرة أمامها لافتات ضخمة تؤكد أنه يوجد فى الداخل زهور متنوعة، وترحب بالبيع فى موسم الحصاد. ورث أهل القرية مهنة زراعة الزهور من الآباء منذ ما يقرب من 20 عامًا، فهم مع موعد يومى مع بورصة زراعة جميع الزهور وألوانها، فى مساحة وصلت إلى أكثر من 600 فدان مع الزيادة الدائمة سنويًا فى رقعة الأرض الزراعية. محمد عبدالحميد أحد الفلاحين يعمل فى بستان الزهور الخاص به يقول وهو يشير إلى الزهور: نستقبل موسم الحب بالزهور، فنعمل على مدار ال24 ساعة ليلا ونهارًا، وكل فلاح هنا بين سكان القرية التى تجاوز عددها ال22 ألف نسمة لا يعتبر نفسه فلاحًا عاديًّا بل مهندسًا يشرف على أرقى أنواع الزراعة فى العالم، فالجميع يحلم بأن يزرع الزهور ويشرف عليها. قصة المهنة بدأت معنا منذ سنوات طويلة، فتميزت الأرض هنا بالخصوبة وتحتاج إلى القليل من الماء، ويصلح فيها أى نوع للزراعة، وحرصنا على دخول زراعة الورد البلدى والقرنفل فى المقدمة بجميع ألوانه، ثم قمنا باستيراد شتلات الزهور وزراعتها فى أرضنا بنجاح مع تطبيق التعليمات المطلوبة فى الزراعة خاصة فى «الصوب» للزهور الأوروبية لأنها تحتاج إلى درجة حرارة معينة. أصبحت القرية رغم صغرها تنافس جميع القرى المجاورة الشهيرة بزراعة الزهور مثل قرية «المنصورة، والأهالى»، ولم يتوقف الأمر على ذلك فقط بل أصبحنا نصدر الزهور إلى الخارج منذ ما يقرب من 10 سنوات، لعدد كبير من الدول العربية فى مقدمتهم السعودية وأيضًا دول أوروبية، واسم القرية موجود فى محافل الزهور الدولية كمنطقة مصدرة للزهور، ونتابع بورصة الزهور والجديد فيها بكل حرص ودقة فنحن نعيش عليها، ورزقنا الأول منها، والحصاد دائم على مدار العام بشكل يومى لا يتوقف، لذلك الزراعة مربحة، لكن ارتفاع أسعار المبيدات فقط هى الأزمة التى واجهتنا الفترة الماضية. أم محمود، إحدى السيدات المشاركات فى زراعة الزهور بالقرية تقول: تعلمت الزراعة من والدى فى عمر العشر سنوات، خبرتى مثل أى رجل فى الزراعة، وخصصت حصتى فى الفدان الذى ورثته عن والدى، فى زراعة الورد البلدى، وأُعد من أشهر الزراع الذين يتصدرون ضخ الورد البلدى فى الأسواق وقت عيد الحب. ومن الطقوس الطريفة التى تحدث فى استقبال شهر فبراير أن المقدمة فى البيع للورد البلدى لأنه عنوان الحب، ويحضر التجار والمستوردون والعاشقون لشراء الزهور، وكبار المحلات الشهيرة فى القاهرة، فتكون القرية شعارًا للحب على مدار الشهر، وتضخ منتجاتها فى المناسبات المهمة مثل رأس السنة، وعيد الأم. وأضاف شادى مصطفى، أحد الشباب المشاركين فى مشاريع زراعة الزهور فى القرية: المشروع يعد استثمارًا قويًا للشباب فى القرية، لكن هناك مستثمرين صغارًا ومستثمرين كبارًا، ويحرص الشباب على الاطلاع على كل ماهو جديد فى عالم زراعة الزهور من خلال الندوات والمؤتمرات لتطوير الزراعة لدينا. وأوضح سامر، أحد شباب القرية والمشاركين فى زراعة الزهور: الإقبال فى شهر فبراير على الزهور الحمراء التى تعبر عن العشق والحب والورود البيضاء تعبر عن الوفاء والإخلاص للعاشقين، وثقافة الزهور أصبحت موجودة بين معظم المصريين، ورأس السنة يحصد الفلاحون شجر الجاروتيا والأوفوليا وبنت القنصل والسلفا الحمراء والزرقاء لتغطية السوق.