عيد الحب، وموسم الحب، هو ما يميز شارع درب الدهان ومنازله العتيقة المتقاربة وميدان الصقلية الموصول فى نهاية الشارع بساحة فسيحة التى تتحول مع بداية فبراير من كل عام إلى بحر "دباديب" أو "فرو" كما يطلق عليه أهل المكان، يكسوه اللون الأحمر وهو يشع من داخل محلات الهدايا العميقة التى أثثت حوائطها بفن منذ سنوات طويلة، وفرشات أصحاب المنطقة المبهجة التى تتراص الآن تتحسر على أيام كان الناس يتهافتون عليها قبل وقت من عيد الحب. على ناصية شارع درب الدهان وبداية ميدان الصقلية تقع فرشه هدايا "محمد كامبا"، شاب عشرينى وأحد الذين ولدوا بهذه المنطقة الواقعة فى حارة اليهود.. منزله فى قلب الشارع وفرشته على الناصية ظلت منذ سنوات تصنع أحد أركان بحر الهدايا الذى يغوص فيه الحبيبة وأصحاب محلات الجملة كل عام، ويقول: السنة دية من أسوأ المواسم اللى عدت علينا، من بداية الثورة وإحنا متأثرين جدا بس السنة دية الأزمة بقت ثورة ودولار. محمد يحكى بداية تحول المكان إلى منطقة خاصة للهدايا وتحديدا "الفرو" الذى يستخدمونه بديلا عن كلمة "الدباديب" ويقول: معظم أهل المنطقة مربوطين بشغلانات فى الشارع فى الأول كانت هدايا عادية، ومن حوالى 15 سنة بدأ يدخل الفرو، وفتح محل وراء الثانى معظمنا بيقسم فرشته نص للفرو، ونص حسب الموسم الموجود، وفى عيد الحب بتتقلب الدنيا كلها فرو". سيد زايد الذى يقع محله على الناصية المقابلة لميدان الصقلية هو صاحب قصة طويلة يراها جزء من تحول المكان إلى التجارة يلخصها سريعا ويقول: حارة اليهود كان أغلبية أهلها شغالين فى التصنيع زمان أهلى كان عندهم مصنع حرير لتصنيع السجاد العجمى وأنا ورثته لكن مع انهيار الصناعة فى مصر بدأنا نتجه للاستيراد وكان جزء منه الهدايا". طريق طويل بين حوارى الحسين والغورية وحضارة مصر القديمة تقطعه قبل أن تصل لهم فى أحد محلات شارع درب الدهان، أو زقاق هدايا الحبيبة، يقف محمد إبراهيم، 16 عاما، ويعمل فى هذا الشارع منذ 7 أعوام متحسرا على البيع وأيامه ويقول فى كل موسم عيد حب كنا بنبيع فى اليوم بحوالى 40 ألف.. دلوقتى لو بيعنا ب 7 آلاف بنقول إحنا بيعنا". أهل منطقة هدايا عيد الحب من قلب حارات مصر الفاطمية، كانت تتضاعف مشكلتهم فى كل يوم، مع بداية الثورة تحولت حارتهم وميدانهم إلى منطقة أشباح، توقعوا أنه سيكون عام ويمر بعد رحيل الفساد وفتح أبواب الخير التى كان يغلقها الطغاة، معظمهم توقعوا أسواق مفتوحة وانتعاش الصناعة مرة أخرى، بعضهم كان يقول إنه يحلم بفتح مصانع خاصة لما يستوردونه من الصين فى مصر حتى يصدروا، ولكن الآن كل أحلامهم هو أن تحاول الحكومة السيطرة على سعر الدولار حتى يستطيعوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تجارتهم".