لم يجتمع الناس على حب الأنبياء، ومن ثم كان طبيعيًا أن يكون بالتوازى مع ثورات الحب فى جمال عبدالناصر أن يظهر بين الحين والآخر من يكره «ناصر» وأفعاله، ولا يتوقف عن الهجوم عليه، بل وصل الأمر إلى أنه صاحب أكبر كوارث فى التاريخ الحديث، وهناك من تجاوز وطعنه فى دينه. ليس هناك أحد فوق النقد، وبالتالى هناك من انتقده، ومنهم الدكتور وسيم السيسى والصحفى أنيس منصور والدكتور مصطفى محمود وكل منهم كانت له أسبابه وتعليقاته وآراؤه التى رأى فيها أن «ناصر» لم يكن زعيمًا، بل اتهموه فى أحيانٍ كثيرة بإضاعة الوطن وتفتيته، ووصل الأمر بأنيس منصور أن طعن فى دينه، وشكك فى إسلامه. يقول الدكتور مصطفى محمود فى كتابه «الإسلام السياسى والمعركة القادمة»: «سيشهد التاريخ أن عبدالناصر تسلم مصر وهى اسمها مملكة مصر والسودان ويقع قطاع غزة تحت إدارتها، وسلمها لمن بعده من غير السودان وغزة ومن غير ثلث مصر سيناء». وأضاف «محمود»: «ناصر كان يحارب فى الكونغو واليمن ويرفع رايات القومية والاشتراكية فى كل مكان من المحيط الأطلسى إلى الخليج الفارسى، وكان يهتف مخاطبًا كل مواطن مصري: ارفع رأسك يا أخى، لكن المواطن المسكين والمخدوع لم يكن ليستطيع أن يرفع رأسه من طفح المجارى ومن كرباج المخابرات ومن خوف المعتقلات ومن سيف الرقابة ومن عيون المباحث، وساد مناخ لا يزدهر فيه إلا كل منافق، وأصبح الشعار هو الطاعة والولاء قبل العلم والكفاءة، وتدهورت القيم، وهبط الإنتاج وارتفع صوت الغوغاء على كل شيء». ويتابع: «عاش عبدالناصر 20 عامًا فى ضجة إعلامية فارغة ومشاريع دعائية واشتراكية خائبة، ثم أفاق على هزيمة تقصم الظهر وعلى انهيار اقتصادى وعلى مائة ألف قتيل تحت رمال سيناء وعتاد عسكرى تحول إلى خردة، وضاع البلد وضاع المواطن». يقول مصطفى محمود فى مذكراته عن رأيه الشخصى فى الفترة الناصرية التى عاشتها مصر واصفًا عبدالناصر بأنه «حرر المصريين كى يستعبدهم، ووصف فترة الحكم بصفة عامة بأنها فترة ديكتاتورية، وكانت مقبرة للمفكرين ولم تكن الكلمة تصل فيها بشكل صحيح على الإطلاق، بل كانت تصل مزيفة، كما وصل نصر مزيف فى 1967». ويضيف «محمود» فى مذكراته: «بعد أزمة كتابى «الله والإنسان» كنت أتوقع الصدام بينى وبين عبدالناصر فى أى لحظة إلى أن جاء اليوم الذى طلب فيه إحسان عبدالقدوس رؤيتى فى مكتبه بمجلة «روزاليوسف»، وعندما دخلت إلى السكرتارية لكى تبلغه كى أدخل له وجدتها تقول لي: الأستاذ مستنيك على نار، دخل منذ أكثر من ساعة ولغى كل مواعيده، فانتابتنى أفكار بأن هناك شيئًا خطيرًا حدث أو منتظرًا أن يحدث، ولكننى تجاهلت كل هذه الأفكار ودخلت عليه المكتب، فوجدته من الوهلة الأولى يقول لى وهو يبتسم: أهلا يا مغلبنى وبسببه طاير النوم من عينى. وكأنه كان يهدئ من وطأة المسألة، وقلت له: خير يا إحسان فيه قضايا تانى اترفعت عليّ؟! فقد كنت خارجاً من قضية كتاب «الله والإنسان» لسه طازة.. فقال: يا مصطفى اجلس فى البيت.. فقلت له: يعنى إيه؟ قال: صدرت أوامر بمنعك من الكتابة، فقلت: من أصدر هذه الأوامر؟ ولماذا أتوقف عن الكتابة؟ قال: يمكن أن يكون بسبب المقالتين اللتين كتبتهما ونشرتهما مؤخرًا.. ثم إن أمر الإيقاف من قيادات عليا جدًا.. فقلت له: مين يعني؟ الراجل الكبير؟ هز رأسه بالإجابة: «نعم»، وقال: يا مصطفى احمد ربنا إن المسألة منع من الكتابة بس ومافيش اعتقال ولا سجن، فابتسمت رغم أنى أتمزق بالداخل لما سمعت وقلت له: ومن أدراك فلا بد أن الاعتقال سيأتى عن قريب إن لم يكن الليلة». نجح مصطفى محمود فى العودة للكتابة بعد وساطة محمد حسنين هيكل. يحكى مصطفى محمود على لسان صديقه الشخصى د. أنور المفتى وطبيب ناصر الخاص كيف أنه كان مجبرًا على ألا يفاتحه فى قضية إعادة مصطفى محمود للكتابة من جديد؛ حيث إنه كان مشهورًا عن عبدالناصر فى هذه الفترة أنه يجازى كل من يطلب منه طلبًا خاصًا؛ حيث سبق أن جازى سائقه عندما طلب منه طلبًا خاصًا. الغريب أن مصطفى محمود أكد أن جمال عبدالناصر قال لطبيبه الخاص: الواد ده ملحد وخطر - فى إشارة لمصطفى محمود- وهو الأمر الذى تعجب منه مصطفى محمود للغاية، ولكن صديقه برّره له بتأكيده على أن عبدالناصر كان مريضًا بجنون العظمة، وأنه كان عصبيًا للغاية. وسيم السيسي الدكتور وسيم السيسى عالم المصريات يختلف جدًا مع عبدالناصر والحقبة الناصرية، ويرى أنه كان ذا قرارات متسرعة، وغير عقلانية، وقال «وسيم»: إن قرار جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس جرّ علينا العدوان الثلاثى عام 1956 لأنه كسر المواثيق الدولية وكانت القناة ستسلم إلينا عام 1968 وقرار التأميم كان سببًا فى التكالب علينا، وأنه رغم تأميمها لتدر علينا المال وفى إطار ما قاله ناصر أننا فعلنا ذلك من أجل الاستقلالية، إلا أنها ظلت مغلقة حتى عام 1975، كما أن إغلاق خليج العقبة تسبب فى حرب 1967 وحرب الاستنزاف ثم التحرير، مما كبد مصر نفقات باهظة ولو كانت مصر جبل لتهدم. كما اتهم «السيسي» جمال عبدالناصر بأنه كان سببًا فى فقدان لمصر للرقعة الزراعية، ومن ثم كان مشاركًا فى تفتيت النسيج الاجتماعى، خاصة أنه سمح ببناء جامعة أسيوط على 5 آلاف فدان وجامعة الأزهر على 1500 فدان، رغم أنه رفض إنشاء حى مصر الجديدة على الأراضى الزراعية وقال تنشأ فى الصحراء. ووصف «السيسي»، «ناصر» بأنه رجل قوى ورجل دولة من الطراز الأول، إلا أنه اتهمه بعدم إدارة الأمور بحكمة. وأوضح وسيم أنه إذا خرج القرار من قائد ديكتاتور يذهب بالبلاد إلى كارثة، ولفت إلى أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان ديكتاتورًا مثل هتلر من، حيث الانفراد بالرأى فى جميع القرارات وعدم أخذ رأى المحيطين به. مضيفًا: أنه رغم إنجازات جمال عبدالناصر إلا أنه له انتكاسات لا تزال البلاد تعيشها، مثل نزع السلاح من سيناء وضياع الضفة الغربية والجولان والقدس، وتابع: «الديكتاتورية بتودى البلد فى داهية». وقال: «حرب اليمن تعد إحدى انتكاسات عبدالناصر»، لافتًا إلى أن الرئيس الراحل انفرد برأيه فى هذه الحرب ولم يستمع لأحد، وهو ما ترتب عليه ضياع الغطاء الذهبى لمصر، مشيرًا إلى أن الديمقراطية والاستماع لرأى الآخرين مهمة للغاية لاسيما فى القرارات المصيرية، لافتًا إلى أن الديكتاتوريات حتى إذا بدأت بشكل جيد فإن نهايتها كارثية، ولو أنه قرأ تاريخ محمد على، لما وقع فى الكثير من الأخطاء. وأوضح أنه تمدد على الساحة العربية وجدانيا فقط، مشيرا إلى أن «عبدالناصر»، ركز فى حكمه على تحقيق الوحدة العربية دون النهوض بالقرية المصرية أولا. أنيس منصور كان أنيس منصور من المؤيدين لعبدالناصر، لكنه بعد وفاته شن عليه هجومًا قاسيًا، ربما لكونه أحد أبرز العناصر فى المعسكر الساداتى وأحد أقطابه. فى فصل عنوانه «على جدران الخوف»، من كتابه «عبدالناصر المفترى عليه والمفترى علينا» يقول أنيس منصور: «كيف استطاع الرئيس عبدالناصر أن يخدع شعبًا ويضلل أمة؟.. إن احتيال هؤلاء الدجالين - يقصد محبى عبدالناصر وأنصاره - وخيبة هذا الشعب قد أطالت عمر الزعيم رغم أنه تجاوز عمره الافتراضى فى مايو، سنة 1967 يوم أعلن أنه لن يحارب»، وذلك بعدما هزمته إسرائيل ونجحت فى الاستيلاء على شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدسالشرقية الفلسطينية». كما يقول منصور، فى كتابه، عن الرئيس السورى الأسبق شكرى القوتلى أنه فى حفلة أقامها عبدالناصر للزعيم السوفيتى الأسبق نيكيتا خروشوف مال رجل يرتدى الطربوش «وانحنى على يد عبدالناصر وقبلها»، ولم يكن الرجل إلا والد عبدالناصر حتى إن ملك المغرب الأسبق محمد الخامس همس فى أذن القوتلى «بالمعنى... إن رجلا يفعل هكذا مع والده فما الذى يفعله مع بقية خلق الله». كما ينقل منصور عن وزير مصرى قسمه أنه سمع عبدالناصر «يصف الحج بأنه كلام فارغ»، وفى فصل آخر من الكتاب يقول أنيس منصور إن «عبدالناصر كان ماركسيًا». كثير مما جاء فى كتاب أنيس منصور كانت آراءً شخصية فى «عبدالناصر»، فعن الوحدة مع سوريا يقول: «ناصر» كانت تراوده «أحلام الإسكندر الأكبر عندما نظر إلى السماء فسألوه. قال: أبحث عن مستعمرات جديدة، كما زعم أن الانفصال عن سوريا أصاب الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر بانفصال فى الشخصية. ويقول أيضًا: «إن عبدالناصر كان يحتقر التاريخ المصرى مفسرًا ذلك بأنه «لم يكن عند عبدالناصر إحساس بالتاريخ، فمعلوماته التاريخية قليلة جدًا، وهو لا يرى أبعد من أنفه الطويل»، وإنه لم يستطع إلا أن يكون فرعونًا صغيرًا حمل «الكرباج الذى أذل به المصريين» انطلاقًا من الإحساس بأنه عند المصريين مثل «رمسيس (الثاني) وعند العرب صلاح الدين (الأيوبي)».